حزب الله وورقة سوريا الجديدة…الأهداف والماَلات
لا يختلف أحد على أن حزب الله اللبناني هو اليد الطولى لإيران المنطقة. وأنه المستفيد الأول من الأموال والأسلحة الإيرانية، وأنه مسمار ايران الأكبر وخنجرها في ظهر العرب والمسلمين السنة. وإذا نظرنا لعلاقته بأحداث سوريا لوجدنا أنه منذ اندلاع احتجاجات 2011 وقيام الثورة السورية اعتبر حزب الله وداعمته إيران أن هذه الثورة السلمية بمثابة حرب اندلعت ضد نظام بشار الأسد، وأنها تمثل تهديدًا خطيرًا. إذ هددت التحالف الاستراتيجي الذي يجمع بين حزب الله والأسد وايران. فسوريا جزء مهم في سلسلة الإمداد التي تربط إيران بحزب الله. واعتبر الجزب حينها بأن سقوط سوريا في أيدي الأغلبية السنية من شأنه أن يجعل البلاد أقل ميلًا للتعاون مع إيران، وسيحرم إيران من موطئ قدم على البحر الأبيض المتوسط. ولهذا تداخل مباشرة مع هذه الثورة واعتبرها عدوه الأول ولابد من اجهاضها.
وهو الأمر الذى أدى إلى توسع دور حزب الله في سوريا بشكل كبير عام 2013. حيث تولى مسلحو الحزب دورًا قتاليًا مباشرًا، وعملوا علنًا بأعداد أكبر في إطلاق الهجوم البري على القصير، وهي بلدة سنية في محافظة حمص بالقرب من الحدود اللبنانية. وبعد انتصار القصير، والذي يُعدّ نقطة تحول في انخراط الحزب في سوريا، عمل التنظيم دعماً للنظام في مناطق أخرى من سوريا، في حمص ودمشق وحلب. وفي محيط دمشق، استولى على الزبداني عام ٢٠١٦ ، وهو ما ساهم في ترسيخ مكانة النظام في العاصمة. وقد كرّس سقوط حلب عام ٢٠١٦ في أيدي القوات الموالية للنظام، والتي ساعدتها ميليشيات مختلفة، بما فيها حزب الله، قدرات التنظيم الهجومية. وأبرز سقوط حلب الدور البارز الذي لعبه حزب الله اللبناني في الحرب السورية. وفى هذا السياق نشط مقاتلوه عبر الحدود إلى جانب الجيش السوري والقوات الموالية لنظام بشار الأسد. وعلى هذا يمكن القول بأن حزب الله مثل أهمية كبيرة لنظام الأسد في مسألتين: الأولى، تمكينه النظام السورى من استعادة مناطق من قبضة المعارضة السورية، والثانية، تعزيزه الكبير لفعالية القوات الموالية للنظام. حيث نشر الحزب ما بين 7000 و9000 مقاتل، وخسر أكثر من 2500 مسلح هناك. كما نشر عدة فرق في سوريا، موفرًا قدرات عسكرية كان نظام الأسد يفتقر إليها. وتشمل هذه القدرات القتال بأسلوب حرب العصابات، والمشاة الخفيفة، والاستطلاع، ونيران القناصة. كما قدم حزب الله تدريبًا لمجموعات مختلفة، بلغت حوالي 120 ألف مقاتل. وكان أمينه العام حسن نصرالله يفخر دوما بإنجازاته القتالية فى سوريا، وأنه لولا وجود مقاتلي الحزب لكان النظام السوري قد سقط منذ 2013.
واتساقا مع التوصيف السابق يمكننا القول بأن حرب غزة وتداخل الحزب فيها، وقيام إسرائيل بقتل العديد من قواته، وعلى رأسهم حسن نصرالله، قد تسببت في اضعاف الحزب. بل إن قتاله على جبهتين، السورية والإسرائيلية، جعلته يفضل الثانية على الأولى، لكنه فى النهاية خسر الاثنتين. فرجع في لبنان إلى شمال نهر الليطانى ورضى بنزع سلاحه فى هذه المنطقة معلنًا احتفاظه بهذا السلاح في بقية المناطق. وخسر الجبهة السورية، حيث سقط بشار الأسد، وهرب من سوريا دون أن يستطع الحزب الدفاع عنه أكثر من ذلك. وعلى هذا فإن الحزب يتطلع الى إبقاء دوره وسلاحه وأمواله القادمة من ايران.
وما حدث فى الأيام الأخيرة على الحدود اللبنانية السورية، يؤكد بأن حزب الله هو المتسبب الأول فيها. حيث يصرّ على المواجهة مع الجيش السوري والتدخل في الشؤون السورية، في وقت يحتاج فيه كلٌ من الجيش اللبناني والسوري الى الاستقرار والنهوض لبناء دولتين قويتين واقتصادين متعافين، دون مزيد من الصراعات. لكن التحدي الحقيقي لم يكن في حزب الله فقط، بل في موقف الجيش اللبناني الذي سمح لهذه الميليشيا بخلق العداوة مع دولة شقيقة بدلاً من حماية أمن لبنان ومصالحه. فحزب الله لا يمثل لبنان بل هو ذراع لإيران، ويستخدم لبنان كأداة لخلق الأزمات. واليوم يحاول الإيقاع بين الجيشين اللبناني والسورى في وقت وجب أن يكون التعاون بين الجيشين هو الأولوية لحماية بلديهما ومنع هذه الفوضى من الاستمرار. بل من الضروري أن يكون الجيش اللبناني هو المبادر الأول لمدّ اليد للجيش السوري، والتعاون على مكافحة إرهاب حزب الله ومنعه من جرّ البلدين إلى مزيد من الخراب. والبلدان، لبنان وسوريا، بحاجة إلى السلام، لا إلى أجندات ميليشياوية تخدم الخراب وتجر لبنان الى إبقاء تسليح حزب الله قائما، بحجة الدفاع عن الحدود السورية اللبنانية بعد فشله الكبير مع إسرائيل وعدم قدرته على رفع ورقة المقاومة ضد إسرائيل بعد اذلاله في جنوب لبنان وخضوعه للقرار الاممى 1701 بنزع سلاحه وابتعاده الى شمال نهر الليطانى.
من هنا فإن تصاعد الاشتباكات بين حزب الله والجيش السوري على الحدود بين شمال لبنان وسوريا، يقود الى كارثة حقيقية. حيث نشر الجيش السوري تعزيزات كبيرة، بما في ذلك دبابات ومدفعية ذاتية الدفع وقاذفات صواريخ وطائرات مسيّرة في محافظة حمص، وهو ما يعد فرصة لحزب الله يحاول اقتناصها للإيقاع بين الجيشين. بل استخدم الخداع والتضليل فى هذه المسألة. فمن جهته، نفى الحزب علاقته بالأحداث التي جرت على الحدود اللبنانية السورية، وقُتل 8 من عناصر الجيش السوري واصابة ما لا يقلّ عن 13 آخرين. لكن على أرض الواقع كان مقاتلو الحزب هم الموجودين فى أرض الاشتباكات، وكل يوم تتأكد الأمور بأنهم كانوا يدفعون باتجاه هذه الفرصة لخلق حالة من العداء بين سوريا ولبنان والاستفادة من الاحداث بإبقاء تسليحهم للدفاع عن هذه الجبهة. حيث تطورت الاحداث إلى قصف الجيش السوري لمنطقة القصر اللبنانية، ما دفع الجيش اللبناني للردّ على مصادر النيران، وتعزيز انتشاره في المنطقة الحدودية لاحتواء التوتر. وهو ما يسعى اليه حزب الله، ويعتبره الفرصة التي ستنقذ الحزب، والورقة الجديدة التي تجعله يستعيد مكانته وهيبته على رقاب اللبنانيين والسوريين فقط.
وعلى ما يبدو أن إيران قد وضعت خطة عاجلة وغير مدروسة لاستعادة دورها فى بلاد الشام، فتارة على يد فلول النظام السوري المخلوع، وتارة على يد حزب الله المهزوم، تحاول بها استعادة مكانتها وفرض أجندتها. لكن المتفحص فى الأمر يدرك بأن الإيرانيين في حالة تخبط وفشل كبيرين، فهم يستنزفون شيعة العرب لأقصى مدى. فتسخين جبهة حزب الله اللبناني ضد النظام السوري الجديد، أي فتح جبهة هناك للتخفيف عن الحوثيين، غير مضمون العواقب اللهم إلا إذا كان لديهم ادراك بأن حسابات اسرائيل الاستراتيجية فى المنطقة ستخدمهم، وأن تعبيرها عن خطأ ضرب حزب الله وإعطاء فرصة لاسقاط الأسد، سيكون فى صالحهم. وهو ما نراه فعليا من استهدافات إسرائيلية على بعض المناطق السورية وتهديدها باحتلال دمشق. وايران بعد فشل مخطط تفجير الساحل السوري، عملت على تسخين الجبهة على الحدود السورية اللبنانية. وهذا ما يريح إسرائيل كثيرا، فى حالة إن لم تتدخل هي ايضا لدعم هذه الحرب وإطالتها. ولكنها مقامرة ايرانية فاشلة، ولن توقف الضربات والغارات الاميركية والاوروبية ضد الحوثيين. وسوف تثبت بأن إيران لا تمتلك غير العنتريات والتهديدات الإعلامية وتراهن على مخالبها الخارجية فقط.
وبناء على ما سبق، فإن حزب الله لن يهدأ حتى لو تم نزع فتيل الحدود، وحدث توافق بين لبنان وسوريا. فحتما سيختلق أي ذرائع جديدة ليعود لإشعال الموقف من جديد. ولن يرضى بأن يخسر في سوريا ولبنان. فهذا يعد قبولا بهزيمة كبرى، ومنعا لأموال إيرانية تنفق عليه لا بقاءه خنجرا مسموما في هذه المنطقة، وورقة إيرانية تتفاوض بها كما تفعل في بقية الأوراق. فقبول حزب الله بالهزيمة يعنى اقرارا منه بعدم المقدرة، وهذا يعنى افتقاد لمصدر مهم من مصادر الدخل. ففى هذه الحالة ستجد ايران نفسها مضطرة لخفض الانفاق عليه، توطئة للتوقف التام عن الدفع للحزب لعدم وجود أهمية له. وبالتالي فإن الحزب إذا كان قد خسر اموال التهريب وبيع المواد المخدرة واموال سوريا الأسد، فإنه لن يغامر بالمال الإيراني، وسيفتعل كل ما يؤدى الى الوقيعة بين لبنان وسوريا، أو سيخلق جبهة على الحدود السورية اللبنانية يستضيف فيها مقاتلي النظام الجديد ليشكلوا بؤرة توتر ومنطقة تهديد للنظام السوري الجديد. وعلى هذا فإن ورقة سوريا الجديدة لن يفرط فيها الحزب بأي شكل من الاشكال، وسيقتنص كل شاردة أو واردة، لتوظيف هذه الورقة من أجل بقاء الدعم الايرانى وعدم خسارة الجلد والسقط معا.
د.أحمد عبد الدايم، أستاذ التاريخ السياسي والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.