حماس مقاول ثانوي والقرار بيد تل أبيب والدوحة” خفايا لعبة التفاوض من غزة إلى الدوحة
كتبت علياء الهواري
تصريح مثير للجدل فجره المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط حين قال إن “حماس وافقت ضمنيًا على نزع سلاحها” ضمن مسار سياسي محتمل. ورغم نفي الحركة القاطع لهذا الادعاء واعتباره محاولة لتشويه مواقفها، إلا أن التصريح لم يمر مرور الكرام، بل فتح باب التساؤلات حول مستقبل المقاومة في غزة، وحقيقة أدوار الأطراف الإقليمية، وحدود القرار الفلسطيني في ظل ماكينة الإبادة الجماعية التي لا تتوقف.
في محاولة لفك شيفرة هذه التصريحات، وتحديد موقعها من خريطة المفاوضات المعقدة التي تدور في الغرف المغلقة، حاورنا اللواء الدكتور محمد عاصم شنشل، الخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري فقدم لنا قراءة صادمة ومباشرة تكشف عن زوايا مسكوت عنها في المشهد الإقليمي والدولي، وعن الأدوار التي تُلعب خلف الكواليس تحت مسمى الوساطات
أين أدلى المبعوث الأمريكي بهذه التصريحات؟ وما خلفيتها؟
– التصريحات جاءت خلال جلسة مغلقة نُقلت تفاصيلها عبر وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية. كان الهدف منها على الأرجح إرسال رسائل ضاغطة لجميع الأطراف، خصوصًا لمصر والسلطة الفلسطينية، بأن هناك إطارًا أمريكيًا جاهزًا للتسوية، حتى لو كان على حساب أدوات المقاومة.
لكن ما يجب الانتباه له أن واشنطن لا تتحدث من فراغ؛ هذه التصريحات عادة تُبنى على تفاهمات جرت في كواليس التفاوض غير المباشر بين إسرائيل وحماس، وغالبًا تُسرب لأغراض اختبار ردود الفعل أو لفرض أمر واقع لاحقًا
ما المقصود بـنزع السلاح ضمنيًا؟
هو تعبير مخادع يُقصد به القبول بعدم استخدام السلاح، أو عدم تطويره، أو الالتزام بتجميد طويل الأمد للمقاومة المسلحة، تحت عناوين مثل “التهدئة”، “الاستقرار”، أو “إعادة الإعمار”. هذا النوع من “نزع السلاح” لا يُعلن صراحة لكنه يُمارس فعليًا، وهو ما يجعل التصريح الأمريكي خطيرًا، لأنه يُشير إلى قبول ضمني من “حماس” بشيء من هذا النوع حتى لو نفت الحركة ذلك علنًا.
كيف جاء رد “حماس” على هذه التصريحات؟
الحركة سارعت بالنفي القاطع، وهذا أمر طبيعي ومتوقع. لكنها لم تنفِ خوضها مفاوضات طويلة الأمد، ولم توضح شكل التفاهمات المقترحة. في المقابل، هناك مؤشرات على أن حماس تتعامل مع هذا الملف من منطلق “البراغماتية السياسية”، وهو ما يجعل المسافة بين الموقف المعلن والموقف الفعلي أكثر ضبابية
كيف تفاعل الشارع الفلسطيني في غزة مع هذه التصريحات؟
الفلسطينيون في غزة أصبح لديهم حساسية عالية تجاه أي حديث عن نزع السلاح أو تسويات سياسية غير واضحة. الناس تدرك أن سلاح المقاومة هو الورقة الأخيرة في مواجهة الاحتلال، والتخلي عنه تحت أي عنوان سيكون كارثة وطنية.
لكن في نفس الوقت، هناك حالة إنهاك شعبي حقيقي، بسبب الحصار والدمار المتواصل. ولذلك، فإن أي حديث عن تسوية أو تهدئة يتم استقباله بشك وتوجس، لأنه يُفهم غالبًا كتنازل مقابل أوهام إعادة إعمار لا تحدث.
هل لهذه التصريحات علاقة مباشرة بمفاوضات تبادل الأسرى؟
بالتأكيد. كل الملفات الآن متشابكة: إعادة الإعمار، تبادل الأسرى، وقف النار، وحتى مستقبل غزة السياسي. ما يجري هو مفاوضات على صفقة شاملة غير معلنة. الطرف الإسرائيلي يُصرّ على ربط تبادل الأسرى بنزع أو تجميد سلاح المقاومة، أو على الأقل بنزع بعض أنيابها.
وفي هذا السياق، تُستخدم التصريحات الأمريكية كأداة ضغط إضافية، لتوجيه الرأي العام العالمي وتلميع صورة “الوسطاء” الذين يدفعون نحو التهدئة طويلة المدى.
ما دور الوساطة المصرية والقطرية في هذه المرحلة؟
مصر تحاول قدر الإمكان أن تُمسك العصا من المنتصف، لكنها مضغوطة أمريكيًا، وتجد نفسها أمام شبكة مصالح معقدة: من جهة تريد حماية الأمن القومي المصري، ومن جهة أخرى لا تريد أن تظهر وكأنها ضد المقاومة الفلسطينية.
أما قطر، فهي اللاعب الأخطر في هذا الملف. فهي تموّل، وتُفاوض، وتُغذي بعض قنوات الدعم، لكنها في النهاية تعمل ضمن الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية لتطويع غزة. إسرائيل وقطر، بتعاون حماس، يطيلون أمد التفاوض حتى يستمر القتل والتدمير.
اللواء شنشل يوضح صراحة:
قرار حماس بيد قطر وإسرائيل أما الفصائل الأخرى والسلطة فهي لا تملك لا حولًا ولا قوة. مجرد أدوات تحت الاحتلال، عاجزة عن فرض أي مسار فعلي.
ما الذي يمكن أن يُنهي هذه الدوامة؟
مفتاح إنهاء الإبادة هو بيد إسرائيل وقطر. متى ما شعرت تل أبيب أن الرأي العام العالمي انقلب ضدها، وأن استمرار الحرب أصبح عبئًا، فإنها ستوقف القتل فورًا.
ويُضيف:
لو أن مصر فرضت أن تكون المفاوضات مباشرة بين إسرائيل وحماس، وبمشاركة أوروبية، وبدون تدخل قطري، لانتهت الحرب في أسابيع. عندها ستُجبر حماس على الانسحاب من المشهد، وقد تنتقل إلى تركيا أو تُنقل إلى قطر كمرتزقة. لكن اللعبة ستنكشف تمامًا.
تقصد أن مسار المفاوضات الحالي مجرد “لعبة”؟
نعم. التفاوض غير المباشر، وتغيير الشروط يوميًا، ليس إلا وسيلة لشراء الوقت، ولإطالة عمر الإبادة الجماعية. كل طرف يُلقي الكرة في ملعب الآخر بينما المدنيون يُقتلون. المسألة لم تعد تفاوضًا بقدر ما أصبحت خدعة جماعية مفضوحة، يدفع ثمنها الأبرياء في غزة.
وسط صخب التصريحات، وضجيج “الوسطاء”، تتبدى الحقيقة عارية كما وصفها اللواء شنشل: الميدان يُقتل فيه الأبرياء، بينما تُدار الحرب من فنادق الدوحة وأروقة واشنطن.
الحديث عن نزع السلاح ليس بريئًا، والتفاوض لم يعد وسيلة لإنهاء الحرب، بل غطاء لاستمرارها. وبينما تمسك إسرائيل وقطر بمفاتيح الحل والدم، يبقى الفلسطيني مجرد “موضوع تفاوض” لا شريك فيه
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.