خاص ل”نافذة الشرق”: خبير استراتيجي يكشف دلالات العرض العسكري الصيني ورسائله إلى الغرب وتايوان
كتب: عبدالله عمارة
قال اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن الاستراتيجي والعلاقات الدولية، إن العرض العسكري الصيني ليس مجرد احتفال تاريخي بمرور 80 عامًا على انتصار المقاومة الصينية على اليابان، بل حدث سياسي وعسكري وجيوسياسي مهم للغاية.
وأوضح الخبير الاستراتيجي في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن العرض يهدف إلى إظهار القوة، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتأكيد مكانة الصين كقوة عظمى تقود نظامًا عالميًا بديلًا، مؤكدًا أن مشاركة قادة دول كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني، ورئيس كوريا الشمالية، يعكس وجود تحالف استراتيجي جديد منافس للهيمنة الأمريكية.
رسائل الصين للغرب من خلال العرض العسكري
وأوضح عبد الواحد أن العرض حمل رسائل واضحة للغرب، أبرزها امتلاك الصين لقدرات عسكرية ضخمة وتكنولوجيا متقدمة، ما يعد تحديًا للهيمنة الغربية، إضافة إلى رسالة ردع لحماية مصالحها، مشيرًا إلى أن خطاب الرئيس الصيني جمع بين الماضي والحاضر، وتضمن إشارة واضحة لقضية تايوان باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصين.
وأكد اللواء محمد عبد الواحد أن الصين حاولت تقديم نفسها كقوة مسؤولة تدعو للسلام ولا تسعى للصدام مع الغرب، لكن العرض المبهر أثار قلق الغرب بشأن القدرات العسكرية الصينية المتفوقة.
الثالوث النووي الصيني ورسائله الاستراتيجية
كما أكد الخبير الاستراتيجي أن الكشف عن الثالوث النووي الصيني حمل رسائل استراتيجية متعددة، منها ما وُجِّه للداخل الصيني لإظهار تطور قدرات الدولة، ومنها ما وُجِّه للخارج، خاصة الولايات المتحدة وحلفائها.
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية أن الثالوث النووي يشمل القدرة على إطلاق الأسلحة النووية من البر عبر الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومن البحر بواسطة الغواصات النووية، ومن الجو باستخدام القاذفات الاستراتيجية، معتبرًا ذلك رمزًا للقوى العسكرية الكبرى، يعزز الردع النووي ويؤكد أن الصين قادرة على مواجهة أكبر قوة في العالم.
وأضاف عبد الواحد أن امتلاك الصين للثالوث النووي يضعها في قمة النخبة العسكرية بجانب الولايات المتحدة وروسيا، ويعزز مكانتها كقوة عالمية، مشيرًا إلى أن الرسائل شملت تايوان ودول المنطقة، وبالتالي إمكانية استخدام القوة النووية لحماية سيادة الصين.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن ذلك يعزز الوحدة الوطنية ويمنح الشعب الصيني شعورًا بالفخر، ويدعم النظام العالمي متعدد الأقطاب بدعم من حلفاء مثل روسيا وإيران لمواجهة الهيمنة الغربية.
الصواريخ الفرط صوتية وتفوق الصين التكنولوجي
ولفت عبد الواحد إلى أن الصواريخ الفرط صوتية لا تمتلكها سوى قلة من الدول، نظرًا لتجاوز سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت وقدرتها العالية على المناورة وصعوبة اعتراضها، مؤكدًا أنها تحمل تداعيات كبيرة على التوازن العسكري والاستراتيجي، إذ تمنح الصين قدرة هجومية متقدمة تعزز من استراتيجيتها للردع.
وأوضح اللواء محمد عبد الواحد أن هذه الصواريخ تمكن الصين من تهديد أهداف استراتيجية في أي مكان بالعالم، بما في ذلك حاملات الطائرات والبنية التحتية الحيوية.
وأشار إلى أن هذه الصواريخ تعد تحديًا للأنظمة الدفاعية الغربية، لافتًا إلى نجاح صواريخ إيرانية وحزب الله والحوثيين في اختراق أنظمة دفاعية متطورة.
وأضاف أن الصين بعرضها لهذه القدرات وجهت رسالة ردع لدول الإقليم المتحالفة مع الولايات المتحدة، خاصة مع المنافسة الدولية على البحار والممرات المائية، مشيرًا إلى أن ذلك يشكل تصعيدًا في سباق التسلح العالمي، حيث سيدفع القوى الكبرى لتسريع تطوير أسلحة فرط صوتية.
الطائرات المسيرة والغواصات غير المأهولة
وأوضح عبد الواحد أن العرض العسكري تضمن مفاجآت تكنولوجية، أبرزها الطائرات المسيرة والغواصات غير المأهولة، واصفًا ذلك بالتطور المذهل.
وأكد خبير العلاقات الدولية أن تطوير غواصات تُدار عن بُعد تحت الماء يعد قفزة تكنولوجية غير مسبوقة، حيث كان من الصعب سابقًا التحكم في مثل هذه الأنظمة عبر الرادارات أو الإشارات، مبينًا أن هذا التطور يعكس تفوق الصين في مجال الأنظمة الذكية والجيل الخامس والسادس والذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن هذه القدرات تمثل رسالة واضحة للولايات المتحدة، معتبرًا أن الصين تفوقت في هذا المجال تحديدًا.
وأوضح عبد الواحد أن المسيرات الجوية الصينية متقدمة للغاية وتستخدم في الاستطلاع بعيد المدى، كما أنها قادرة على مواجهة الحرب الإلكترونية، أما الغواصات غير المأهولة مثل (AGX-002D)، فهي قادرة على تنفيذ مهام متعددة مثل كشف الغواصات، زرع الألغام، أو تنفيذ عمليات خلف خطوط العدو.
وأكد أن هذه الأنظمة تعزز من مرونة الصين العسكرية وتدعم فكرة الردع ضد الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة في المحيطين الهادئ والهندي.
كما أشار إلى أن العرض يمثل أيضًا ترويجًا للصناعات العسكرية الصينية التي تفوقت على مثيلاتها الغربية، فضلًا عن تعزيز الوحدة الوطنية وزيادة الفخر الشعبي بالتفوق التكنولوجي.
رسائل موجهة إلى تايوان ودول الإقليم
وحول ما إذا كان العرض العسكري رسالة استعداد لسيناريو يتعلق بتايوان، أكد عبد الواحد أن العرض حمل رسائل متعددة سياسية واستراتيجية ودبلوماسية، موجهة للغرب عامة وتايوان خاصة، إضافة إلى دول الإقليم المتحالفة مع الولايات المتحدة، موضحًا أن العرض تضمن استعراضًا لأحدث الأسلحة الصينية المصنعة محليًا، مثل الصواريخ الباليستية، الصواريخ الفرط صوتية، الطائرات المسيرة، الغواصات المسيرة، وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.
وأضاف أن العرض حمل رسالة لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، ورسالة دبلوماسية بإبراز التحالفات الإقليمية التي تواجه التحدي الأمريكي، مشيرًا إلى حضور قادة دول مثل بوتين، ورئيس كوريا الشمالية، ورئيس إيران، ورئيس بيلاروسيا، ما يعكس وجود تحالف استراتيجي جديد يتحدى النظام العالمي بقيادة الغرب.
وأكد أن الرسالة تضمنت أيضًا ردعًا لتايوان، مع التأكيد على وحدة الأراضي الصينية، إلى جانب تأكيد امتلاك الصين القدرة العسكرية والصناعية لمنافسة الهيمنة الأمريكية والغربية، مع جانب تسويقي محتمل للأسلحة الصينية.
هل تُزيح الصين أمريكا بعد الكشف عن الثالوث النووي؟
وفيما يتعلق بإمكانية أن تُزيح الصين أمريكا بعد الكشف عن الثالوث النووي، قال عبد الواحد: “لا طبعًا”، موضحًا أن العقيدة العسكرية الصينية تطورت لكنها لم تتغير، إذ لا تزال تعتمد على الدفاع السريع عن الصين، مع إمكانية تطويرها لتنفيذ ضربات استباقية أو الرد السريع على أي عدوان.
وأكد أن الصين لا تزال بعيدة عن قدرات الولايات المتحدة النووية والعسكرية، موضحًا أن أمريكا تمتلك 11 حاملة طائرات تعمل بالوقود النووي، مقابل 3 فقط للصين، إضافة إلى تفوق الغواصات النووية الأمريكية.
الصين تؤكد على السلام وتجنب الهيمنة
واختتم اللواء محمد عبد الواحد تصريحاته بالتأكيد على أن الخطاب الرسمي الصيني لا يتحدث عن الهيمنة العالمية، بل يركز على السلام مع العالم، موضحًا أن الصين في مرحلة البناء، وتحرص على عدم التدخل في مشكلات سياسية مع أي دولة حفاظًا على المسار الذي رسمته لنفسها.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.