خبراء: عودة سوريا إلى نظام “سويفت” تمهّد لإنعاش اقتصادي واستقطاب استثماري كبير
كتب: عبدالله عمارة
في خطوة يرى فيها مراقبون تحولًا جوهريًا في مسار الاقتصاد السوري، بدأت مؤشرات واضحة على إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، لا سيما بعد إعلان رفع العقوبات المالية الأمريكية، وتفعيل جزئي لعمل البنوك السورية ضمن نظام “سويفت” العالمي للتحويلات المصرفية.
ويأتي هذا التطور وسط تحولات سياسية داخلية كبرى شهدتها سوريا، تمثلت في تغيير القيادة الحاكمة، وانطلاق وعود بالإصلاح والانفتاح الاقتصادي. في هذا السياق، أكد خبراء اقتصاديون في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق” أن العودة إلى “سويفت” تمثل مفتاحًا حقيقيًا لبدء مرحلة جديدة من التعافي، وتنشيط حركة الأموال والاستثمار، وتسهيل المعاملات التجارية.
الدكتور مدحت صبري: “سويفت ليس مجرد نظام مالي بل أداة ضغط دولي ونافذة لإنعاش الاقتصاد”
قال الدكتور مدحت صبري، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لـ”نافذة الشرق”: “سويفت هو نظام مالي عالمي بين البنوك والمؤسسات المالية العالمية لتبادل تعاملات مالية بنظام التشفير الإلكتروني. وهو ممر آمن جدًا لتلك المعاملات المالية. وقد بدأ التفكير في هذه القناة المالية المشفرة عام 1971، أي منذ ما يقرب من نصف قرن، في اجتماع عالمي بـ186 دولة في سويسرا لإقراره، وكان الهدف منه منع تهريب الأموال والذهب والقضاء على السوق السوداء محليًا وعالميًا”.
وأضاف: “بدأ العمل بمشروع سويفت سنة 1973، واتخذ مقرًا له بالبنك المركزي البلجيكي، الذي يحتفظ وحده بالأرقام الكودية المشفرة لكافة بلدان العالم في سرية تامة”.
واعتبر صبري أن سويفت تحوّل سريعًا إلى ورقة ضغط سياسي واقتصادي، قائلاً: “تم استخدامه لمعاقبة دول مثل سوريا وروسيا وإيران، وكان الحظر نوعًا من العقاب المالي والسياسي، مما أفقد هذه الدول الاستقرار المالي وانعكس على أنظمتها السياسية”.
وأوضح أنه مع بداية الانفراجة عام 2023، وضمن انفراجة الأزمة السورية، تم السماح للنظام المصرفي السوري بتنفيذ بعض التحويلات بنظام سويفت تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، مما مكّن البنوك من تغطية طلبات التصدير والاستيراد للسلع الاستراتيجية.
وتابع: “تدفق تحويلات السوريين العاملين بالخارج، خصوصًا من مصر، تركيا، السعودية، قطر، وفرنسا، ساهم بشكل جزئي في إنعاش الاقتصاد السوري، خاصة أن معظم هذه التحويلات تمت بالدولار أو اليورو، باستثناء الصين وكوريا التي تداولت تجاريًا مع سوريا بعملاتها الوطنية في تحدٍ للدولار الأمريكي”.
وختم صبري بالإشارة إلى الأبعاد السياسية: “هدف دمج النظام السوري جزئيًا في الاقتصاد العالمي هو جذب الاستثمارات والمساعدات الدولية، خاصة من روسيا، الصين، كوريا ودول الخليج. كما وقّعت دول كبرى على وثيقة بالحروف الأولى لإعادة إعمار سوريا، وستكون المنافسة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي على من يحظى بحصة الأسد في مشاريع الإعمار”.
الدكتور خالد الشافعي: “رفع العقوبات المالية يمهد لعودة كاملة إلى النظام المالي العالمي”
أما الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، فقد أكد في تصريح مماثل لـ”نافذة الشرق”: “الحقيقة أن سوريا كانت ممنوعة من سويفت بسبب العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكل ما هو مؤسسات مالية عالمية بإذن من أمريكا. وطالما أن العقوبات تم رفعها، فهذا معناه أنه يمكن التعامل مع البنوك السورية من خلال سويفت في كل دول العالم”.
وردًا على سؤال حول العملات التي يمكن التحويل بها عبر سويفت، أوضح: “التحويلات تتم بالعملة الوطنية في سوريا، وأيضًا بكافة العملات الأخرى. سويفت لا يقتصر على عملة محددة”.
وأكد الشافعي أن هذه التطورات تعني بداية عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، قائلاً: “طالما أمريكا رفعت العقوبات المالية، فقد تم رفع جميع العقوبات المالية على سوريا، وبالتالي عودتها للنظام المالي العالمي”.
وفيما يخص تأثير هذه العودة على الاستثمارات وتحويلات المغتربين، قال: “بالطبع سيكون هناك تأثير إيجابي، وسرعة في تحويل أموال السوريين من الخارج إلى الداخل، والعكس، في ظل القوانين المنظمة لذلك”.
وحول ما إذا كانت هذه الخطوة تُعتبر خرقًا للعقوبات، أوضح:
“الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هم من رفعوا العقوبات، وبالتالي فإن هذه الخطوة قانونية تمامًا ولا تُعد خرقًا”.
من العزلة المالية إلى الانفتاح الحذر
كانت سوريا قد انقطعت عن الأسواق العالمية منذ عام 2011، بعد أن قوبلت الانتفاضة الشعبية بقمع دموي، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية شاملة. ومنذ ذلك الوقت، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات مالية ومصرفية مشددة، وعُزلت البنوك السورية من نظام “سويفت”، مما أدى إلى تجفيف الموارد الخارجية، وشلل شبه كامل في حركة التجارة والاستثمار.
في ديسمبر الماضي، وبعد الإطاحة ببشار الأسد على يد أحمد الشرع وتحالفه من الفصائل الثورية، تولت حكومة جديدة مقاليد الحكم، وأعلنت عن خطة إصلاح اقتصادي شاملة، تتضمن تحرير القطاع المصرفي، وتعزيز الشفافية، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية.
وكان القطاع المصرفي من أكثر القطاعات تضررًا بالحرب، إضافة إلى الانهيار المالي في لبنان المجاور عام 2019، مما ضاعف الأزمة النقدية في الداخل السوري.
ووفقًا لتقارير أممية، فإن سوريا بحاجة إلى استثمارات بمليارات الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية وخلق وظائف، وهو ما يتطلب بالضرورة عودة العلاقات المصرفية الرسمية مع العالم.
دور “سويفت” في دعم التحولات الاقتصادية الجديدة
يسهم انضمام سوريا مجددًا إلى نظام “سويفت” في تمكين البنوك المحلية من إرسال واستقبال الأموال بشكل رسمي، ما يُعد عاملًا حاسمًا في تفعيل حركة التجارة الدولية، وجذب المستثمرين الذين كانوا يتخوفون من التعاملات عبر السوق السوداء أو التحويلات غير النظامية.
ويشير خبراء إلى أن هذا الربط بالنظام المالي العالمي سيسهم في:
- استيراد المواد الخام والآلات اللازمة لإعادة تشغيل المصانع.
- تصدير المنتجات السورية إلى الخارج بشكل قانوني.
- تسهيل تحويلات السوريين المغتربين، التي تعد أحد أهم مصادر العملة الصعبة.
- إعادة الثقة بالنظام المصرفي المحلي، وخلق بيئة أكثر شفافية وجاذبية للاستثمارات.
مستقبل الاقتصاد السوري بين الانفتاح والتحديات
رغم هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فإعادة بناء الثقة الدولية تتطلب وقتًا، كما أن البنية التحتية المصرفية بحاجة إلى تحديث واسع، وضمانات ضد الفساد والبيروقراطية.
ومع ذلك، فإن الخبراء يرون أن هذه العودة الجزئية إلى “سويفت”، إذا ترافقت مع إصلاحات حقيقية، يمكن أن تكون بداية مرحلة جديدة قائمة على الانفتاح، ودعم القطاع الخاص، وتحقيق النمو المستدام.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.