خطوة تاريخية لتعزيز الضمانات الدستورية.. ماذا بعد رد السيسي لمشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب
عبد الرحمن السيد
في خطوة وصفها قانونيون وبرلمانيون بأنها تحمل «رسالة ثقة في دولة القانون»، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد إلى مجلس النواب لإعادة النظر في عدد من مواده التي أثارت جدلاً واسعًا بين القوى السياسية والحقوقية.
وكان مجلس النواب قد أحال مشروع القانون إلى رئيس الجمهورية في 26 أغسطس 2025 تمهيدًا لإصداره، غير أن مناشدات عديدة وصلت إلى الرئاسة لإعادة النظر في بعض مواده، خصوصًا تلك المتعلقة بحرمة المسكن، وضمانات حقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وتوسيع بدائل الحبس الاحتياطي، وإزالة أي غموض في الصياغات قد يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو صعوبة التطبيق على أرض الواقع.
دلالة سياسية وقانونية
الرئيس السيسي نوّه في رسالته إلى الجهود الكبيرة التي بذلها مجلس النواب في إعداد مشروع القانون وما استحدثه لأول مرة من تنظيمات مثل: إجراءات منع المتهمين من السفر ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، إجراءات التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في حالات محددة وتخفيض مدده، التحقيق وتجديد الحبس والمحاكمة عن بعد باستخدام وسائل تقنية المعلومات، حماية الشهود، والتعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، إلى جانب التعديلات الجوهرية على نصوص قانون الإجراءات الجنائية الساري.
لكن الرئيس أكّد في الوقت نفسه أن تحقيق العدالة الناجزة لا بد أن يقترن بمزيد من الضمانات، وإتاحة الوقت الكافي للوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة ليُطبّق القانون الجديد بدقة ويسر في إطار الدستور والقانون.
ثمانية مواد مثار الاعتراض
وبحسب تقارير برلمانية، تركز الاعتراض الرئاسي على تعديل ثماني مواد أساسية، من بينها المادة الخاصة بالنشر بحيث يبدأ العمل بالقانون من أول العام القضائي التالي لتاريخ نشره – أي من أكتوبر 2026 – وليس من اليوم التالي لنشره، حتى تتمكن المحاكم من استكمال تجهيزاتها.
كما شملت الاعتراضات المادة 48 لتحديد المقصود بحالات الخطر، والمادة 105 التي لم تمنح سلطات التحقيق الحق في استجواب المتهم بغير حضور محاميه في أحوال الخشية من فوات الوقت، والمادة 112 لتحديد حد أقصى لإيداع المتهم في الحجز إذا تعذر استجوابه لعدم حضور محاميه، والمادة 114 لإتاحة مزيد من بدائل الحبس الاحتياطي، والمادة 123 لعرض المتهم المحبوس احتياطيًا على النائب العام كلما انقضت 90 يومًا على حبسه، والمادة 231 للتأكيد على العمل بالإعلان التقليدي في حالة تعطل مركز الإعلانات الإلكتروني، والمادة 411 لإتاحة الفرصة للمتهم المحكوم عليه الذي يستأنف الحكم ولم يحضر هو أو وكيله في نظر الاستئناف مرة أخرى.
مجلس النواب يثمّن التوجيه الرئاسي
وأعلن مجلس النواب في بيان رسمي، أنه تقرر إدراج الاعتراض الرئاسي في أول جلسة عادية لدور الانعقاد السادس من الفصل التشريعي الثاني، الأربعاء 1 أكتوبر 2025، ودعوة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء لإلقاء بيان في هذا الشأن؛ بما يضمن إعادة النظر في المواد محل الاعتراض وصياغتها بما يليق بعزيمة مصر على أن يكون قانونها الجنائي الجديد نموذجًا يُحتذى في الدقة التشريعية وصون حقوق الإنسان.
وأكد البيان أن كتاب الرئيس عبد الفتاح السيسي «يفيض بحس وطني عميق وبصيرة دستورية نافذة وحرص صادق على أن يظل البناء التشريعي في مصر قائمًا على أسس متينة من الوضوح والإحكام والتوازن»، بحيث لا يطغى جانب العدالة الناجزة على ضمانات الحرية، وأن ما عبّر عنه الرئيس لم يكن مجرد ممارسة لحق دستوري، وإنما تجسيد لنهج سياسي راسخ يقوم على الانحياز المطلق لدولة القانون والإيمان بأن حماية الحقوق والحريات التزام دستوري أصيل.
البرعي: الرئيس حسم الجدل
المحامي الحقوقي نجاد البرعي قال في تصريحات خاصة لـ«نافذة الشرق» إن قرار الرئيس برد مشروع القانون «تاريخي ويستجيب لنداءات القوى الحقوقية والسياسية»، مضيفًا: «كنت على يقين بأن الرئيس سيتدخل في هذا الملف الحساس، لأن الصيغة التي خرج بها المشروع من مجلس النواب تهز صورة مصر في وقت لا نتحمله».
وأوضح البرعي أن الاعتراض على مشروع القانون جاء في ضوء مخالفات تتعلق بالحبس الاحتياطي وتوصيات عُرضت على الرئيس نفسه، مؤكدًا أن تدخل الرئيس جاء حاسمًا ويعيد الثقة في أن الإصلاح التشريعي يسير على أسس دستورية واضحة.
مها عبد الناصر: استجابة لمطالب البرلمان والمجتمع
من جانبها، رحب النائب عاطف المغاوري رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب، بتوجيه الرئيس السيسي رد مشروع القانون، مؤكدة في تصريحات لـ«نافذة الشرق» أن «الحزب كان رافضًا للصيغة التي أقرها البرلمان، وقد طالب تحت القبة بأن المصريين يستحقون نصًا أفضل من ذلك».
وأضاف عبد الناصر أن مذكرة الرئيس «جاءت متوافقة مع الاعتراضات التي أبديناها في المناقشات، خصوصًا ما يتعلق بحرمة البيوت وتفتيش المنازل»، معتبرا أن التوجيه الرئاسي يحمل دلالة قوية على الاستجابة للمطالب الحقوقية والوطنية.
نحو قانون أكثر إحكامًا
ويشير حقوقيون إلى أن خطوة الرئيس السيسي تمثل إعلاءً لقيمة الحوار بين مؤسسات الدولة وتجسيدًا للشراكة بين السلطة التنفيذية والتشريعية في صياغة القوانين الكبرى، مؤكدين أن رد القانون إلى البرلمان سيمكن من معالجة الثغرات القانونية والصياغية التي أثيرت حوله بما يضمن خروج نص متوازن يحقق العدالة الناجزة ويحترم الحقوق والحريات.
ويعول خبراء العدالة الجنائية على أن التعديلات المرتقبة ستسهم في ترسيخ منظومة عدالة متكاملة تكفل سيادة القانون وصون الحقوق، خصوصًا مع الاتجاه إلى المحاكمة عن بعد واستخدام الوسائل التقنية الحديثة، وإجراءات حماية الشهود، والتعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في حالات محددة.
جلسة مرتقبة
وبحسب اللائحة الداخلية لمجلس النواب، فإن اعتراض رئيس الجمهورية على القوانين يستدعي عقد جلسة عاجلة لهذا الغرض، ويجوز دعوة رئيس مجلس الوزراء للإدلاء ببيان، على أن يُحال الاعتراض في ذات الجلسة إلى اللجنة العامة لدراسة المشروع والمبادئ والنصوص محل الاعتراض وأسبابها الدستورية أو التشريعية.
ومن المقرر، وفقًا للبيان، إدراج الاعتراض الرئاسي في أول جلسة عادية لمجلس النواب بدور الانعقاد العادي السادس يوم الأربعاء الأول من أكتوبر 2025، على أن تُستكمل الإجراءات التشريعية بما يحقق المصلحة الوطنية.
رسالة طمأنة
بهذه الخطوة، يبعث الرئيس السيسي برسالة طمأنة للمجتمع الحقوقي والسياسي مفادها أن الإصلاح التشريعي في مصر يسير وفق نهج مؤسسي، وأن ضمانات المحاكمة العادلة واحترام الحقوق والحريات لا تقل أهمية عن سرعة إنجاز القوانين. كما يؤكد مجلس النواب بدوره أن الاعتراض الرشيد يضيف بعدًا جديدًا من الدقة والاكتمال للنصوص القانونية، ويعكس إعلاءً لقيمة الحوار بين المؤسسات الدستورية.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.