دلالات زيارة قائد الجيش الليبي للقاهرة في ظل تحولات المشهد الإقليمي

8

كتب \ أحمد سمير
فى وقت تتقاطع فية الازمات السياسية والأمنية فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط , ويتم إعادة رسم خرائط النفوذ جائت زيارة المشير” خليفة حفتر ” القائد العام للجيش الليبى إلى القاهره لتضع أكثر من خط تحت معادلة الأمن الليبى المشترك.
اللقاء الذى جمع الرئيس “السيسى ” وعدد من القيادات العسكرية المصرية وعدد من القيادات العسكرية الليبية لم يكن لقاء يتسم بطابع البرتوكول ولكن حمل فى مضمونه رسائل إستراتيجية عميقة تؤكد دعم مصر لمحور الإستقرار فى ليبيا وتطرح العديد من التساؤلات حول التحالفات الجديدة التى تعيد القاهرة , ترتيبها فى ظل التصعيد الإقليمى المستمر لا سيما فى عدد من الدول الإفريقية مثل ” السودان , النيحر ” .
هذه الزيارة تأتى فى ظل جمود فى السياسة الداخلية الليبيه , وتعثر جهود توحيد المؤسسات حيث يظل مستقبل إجراء العملية الإنتخابية فى الداخل الليبى غامضا , الأمر الذى يدفع الأطراف الإقليمى وعلى رأسها مصر إلى تكثيف تحركاتها لتأمين مصالحها ومواجهة التهديدات المتزايدة مع الجنوب الليبى والوجود العسكرى التركى فى الغرب.
الأمر لم يقتصر على هذا فقط ولكن هناك عدة دلالات ورسائل على هذه الزيارة والتى تعتبر هى الثانية فى نفس العام , والأولى كانت فى الثامن عشر من ينايرالماضى 2025 بعد إنقطاع دام حوالى ثلاث سنوات .
الدلالات السياسية .. حيث ناقش الرئيس السيسى خلال لقائه مع المشير ” حفتر ” عدد من الملفات كان أهمها خارطة الطريق السياسية للإستحقاق الإنتخابى , وشددعلى منع التدخلات الإجنبية و إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا .
كما أن إختيار عقد اللقاء فى مدينة العالمين الجديدة وليست العاصمة يحمل طابع رمزى خاص يعبر عن مدى الدفىء الإستراتيجى لعلاقة شهدت توتر سياسى فى أوقات ماضية .
الدلالات العسكرية
فقد سبق الزيارة لقاء رسمى لرئيس أركان القوات البرية ” صدام حفتر ” مع كبار من القادة المصريين من بينهم رئيس الأركان ورئيس جهاز المخابرات , حيث شمل النقاش آليات تدريب القوات الليبية وكيفية ضبط الحدود ومكافحة الهجرة الغير شرعية وتأمين مثلث مصر , ليبيا , السودان , تأتى هذه التحركات بالتزامن مع تصاعد التوتر فى الحدود الثلاثية والذى قد بلغت زروتها بعد إتهام الجيش السودانى قوات حفتر بتنسيق هجوم مع قوات الدعم السريع .

دلالات فى الداخل الليبى ..
فقد وافقت القاهره على لقاء حفتر على أساس ضمان لمؤسسات الدولة فى الشرق ” مجلس النواب وطبرق ” , فى المقابل قامت حكومة الوحدة الوطنية بتقديم مذكرة إحتجاج لسفير مصر بليبيا محملة ” القاهرة ” مسؤلية الإعتراف بما أسموه ” أجسام موازية ” , من الممكن أن يكون هذا اللقاء إعلان ضمنى لحشد دعم طبرق المباشر قبل الإنتخابات أو مزيد من تأجيلها بسبب الخلافات حول الميزانية وتوحيد المؤسسة العسكرية .
دلالات إقتصادية ..
يعتبر إعادة إعمار ليبيا ضمن أهم الملفات التى تناولها المشير ” حفتر ” خلال لقائه مع الرئيس المصرى , ومدى إمكانية التعاون بين مصر وليبيا فى مجال إعادة الإعمار بعد سنوات طويلة من الدماء الذى سببته الحرب , مصر تمتلك خبرات كبيرة فى هذا المجال سواء البنية التحتية أو مشاريع إعادة البناء والإعمار وعلى إستعداد للإستثمار فى السوق الليبى بعد إستقرار الأوضاع الأمنية هناك .
كمان أن التبادل التجارى بين البلدين يعطى فرصة كبيرة لتعزيز التعاون التجارى المشترك , خاصة فى مجال تصدير المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية , المنشآت النفطية إعادة تأهيلها يأتى ضمن الاولويات , ليبيا تمتلك إحتياطى ضخم من النفط ولكن هناك العديد من المنشآت النفطية قد تضررت بسبب النزاع , يمكن للشركات المصرية أن يكون لها دور فعال فى إعادة تأهيل هذه المنشآت للعمل مرة أخرى مما يسهم فى إستقرار الإقتصاد الليبى بشكل كبير .

دلالات إقليمية ودولية ..
تأتى زيارة ” حفتر ” فى توقيت حساس على المستوى الدولى حيث تواصل الأمم المتحدة جهودها فى عقد عدة مباحثات بين الأطراف الليبية المختلفة للتوص إلى حل سياسى , الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى لديهما قلق كبير من تصاعد التدخلات الأجنبية فى ليبيا مما يذيد من الضغط على جميع الأطراف الليبية المعنية .
أما عن تركيا وروسيا فهما قوتان رئيسيتان تدعمان عدد من الأطراف المختلفة فى ليبيا فالأولى تدعم حكومة الوفاق فى ” طرابلس ” والثانية تعزز علاقتها مع الجيش الوطنى الليبى بقيادة ” حفتر ” .
اللقاء ضم عدد من الرسائل لدى الزعيمين كان أبرزها ..
أن الرئيس ” عبد الفتاح السيسى” قد أكد على أن إستقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى , وحض على بلورة خارطة سياسية شاملة لإجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة فى ليبيا .
المشير ” حفتر” من جانبة قد أثنى على الدور المصرى فى نقل تجربة التنمية , والتعامل بشراكة مع الشركات المصرية .

من هنا نستطيع أن نتسائل هل القاهرة تستعد لترتيب تحالفات إقليمية جديدة عبر دعمها لحفتر ..؟؟
من الناحية الإستراتيجية فإستقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الامن القومى المصرى حيث أن حدودها الغربية الممتدة مع ليبيا مهدده بوجود جماعات متطرفة , ومرتزقة وتهريب ممنهج عبر الصحراء مما يدفع القاهره لتعزيز التنسيق مع الجيش الوطنى الليبى كركيزة أساسية لحماية أمنها من الغرب , ومع تواجد النفوذ التركى فى غرب ليبيا من خلال دعم حكومة طرابلس وسعيها فى شرق المتوسط أصبح الدعم لحفتر وسيلة لمواجهة هذا النفوذ التركى والسياسى الإسلامى الذى يقلق النظام المصرى .
عقد تحالفات إقليمية ففى سبتمبر 2024 وأوائل العام الجارى قد وقعت مصر على عدة إتفاقيات إستراتيجية , مع الصومال , وإريتريا لتعزيز التعاون الأمنى والدفاعى , والإقتصادى فى محاولة لمواجهة النفوذ الإثيوبى والتوسع التركي منطقة القرن الإفريقى والعمل من خلال عقد تحالفات تكتيكية على أرض الواقع .
فى يوليو الماضى إستضافت القاهره لقاءات ثلاثية تزعمتها مصر وكان ضمنها , ليبيا , السودان , هدفت إلى إطلاق منصه أمنية مشتركة لمعالجة التهديدات العابرة للحدود مثل الهجرة الغير شرعية وما إلى ذلك .. , بما يؤسس لاحالف أكثثر تنظيما بين الدول الثلاث فى مثلث الصحراء .
من كل ما سبق نستطيع أن نقول بأن القاهرة تحاول بناء بنية عسكرية مشدودة مع ليبيا وترسيخ ربطها الأمنى بالأمن الإقليمى , والليبى نظرا لكون الأخيرة ثمل العمق الإستراتيجى الغربى لمصر وأن أى فوضى فى الداخل الليبى سوف تؤثر وبشكل قوى على الأمن المصرى , أما عن تطوير المنظومة العسكرية الليبية فقد تم تقديم تدريب لقوات حفتر فى الأكاديميات العسكرية المصرية , مع تزويدهم عتاد عسكرى وأجهزة إستطلاع وإتصال , وتوفير معلومات إستخباراتيه خاصة عن تحركات الجماعات الإرهابيه , وتنيسق عملياتى مشترك لملاحقة عناصر من المهربين والمتطرفين , مع إجراء عدد من المناورات العسكرين بين البلدين قرب الحدود الغربية فى رساله تحذير للخصوم الإقليميين ودعم لسلطة حفتر , لتعزيز وضعها التفاوضى أمام تركيز , وأروبا وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية .
إذن كل ما يحدث على أرض الواقع من إتفاقيات أمنية وعسكرية وتحالفات ضد قوى خارجية تريد مذيد من التفككك فى الداخل الليبى لن يكتمل إلا فى حالة الإتفاق على خارطة طريق جلية دون خلافات , والتى تم التوصل إليها بشكل أولى قد شملت تشكيل حكومة إنتقاليه , وتفعيل القوانين الإنتخابية , وتوحيد المؤسسات , ولكن الإتفاق من وجهة نظر عدد من الأحزاب المدنية والمجتمعية قد يحتاج إلى إستكمال التشاور والموافقة النهائية عليه من داخل ليبيا .
فقد حمل الإتفاق عدد من نقاط الإتفاق والإختلاف لعل من ابرزها ..
العمل على تطبيق القوانين الإنتخابيه مع توحيد المؤسسات من خخلال إنتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنه , التوافق على تشكيل حكومة وطنية مؤقته من كفاءات موثوقة .
فى المقابل رفضت بعض المكونات السياسية خارطة الإنتخابات أو القوانين المقترحة إعتباراً بأن العملية غير شرعية دون إستفتاء شعبى , خلافات قانونية حول أهلية المرشحين وترتيب الإنتخابات تسبب فى عدم وضع موعد محدد لإجراء العملية الإنتخاباية حتى اليوم , الوضع السياسى الداخلى فى ليبيا حتى منتصف العام الحالى بعد قيام الأمم المتحدة فى مايو الماضى من العام الجارى بعقد حوار حول المقترحات المقدمة من اللجنة الإستشارية .
فقد أعرب البرلمان الليبى عن كامل إستعداده لإنشاء لجنه تنفيذيه مشتركة مع المجلس الأعلى مهمتها تطبيق خارطة الطريق فى الداخل الليبى وليس فقط فى عقد إجتماعات خارجية , ولكن مع كل ذلك تظل هناك شكوك شعبية قوية بسبب تأجيل الإنتخابات منذ عام 2021 وإستمرار السلطة المؤقته فى طرابلس بدون تفويض جديد الأمر الذى أدى فى النهاية إلى إحتجاجات داخل البلاد ضد تأخير العملية الإنتخابية .

وفى تصريح خاص للكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبى ” أحمد عرابى ” لموقع نافذة الشرق , أن اللقاء كان له العديد من الدلالات السياسية الكبيرة في ظل تحولات المشهد الإقليمى , وهذا الزيارة تأتى في وقت حساس تشهده شمال قارة إفريقيا والشرق الأوسط , وتعبر عن عمق التنسيق الأمنى والسياسى بين الجارتين , حيث شدد الرئيس المصرى خلال اللقاء على أن إستقرار ليبيا هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى وبذل مصر أقصى جهودها بالتنسيق مع جميع الأطراف الليبية وقيادات القوات المسلحة الليبية لدعم الأمن والإستقرار داخل ليبيا .
وأوضح ” عرابى ” أن القاهرة عملت على إعداد تصورين جديدين لأدارة أزمتى ليبيا والسودان حيث طرح الجانب المصرى خلال اللقاء هذا الملف بشكل محدد وعبرت القاهره عن مدى إنزعاجها من توسع نفوذ قوات الدعم السريع في مناطق المثلث الحدودى مؤكدا على ضرورة ضبط مسارات الدعم الغير مباشر , وعدم إستخدام الاراضى الليبية ى تهديد الأمن القومى المصرى , أو تقويض موقف حليفها البرهان .
وأكد ” عرابى” أن القاهرة في هذا الشأن لم تتخد موقف قاطع تجاه المشير ” حفتر ” أدراكا منها لحجم النفوذ الذى يتمتع به في الشرق والجنوب الليبى , وحاجة مصر إلى إستمرار التعاون مع في ملفات أخرى على سبيل المثال وليس الحصر تعيين الحدود البحريةة وغلق سلاسل الأمداد وطرق التهريب أمام المرتزقة , المليشيات المسلحة .
مكملا ً أن هناك مصادر أكدت بزيارة مرتقبة لوفد من اليونان إلى ليبيا الأمر الذى يكشف سعى مصر لتحصين حدود مصالحها في شرق المتوسط , وضبط التوازن مع الإتفاقيات السابقة التى أبرمتها حكومة طرابلس مع أنقره في موقف رفض من الجانب المصرى , وسعيه لإبرام إتفاق رسمى مع ليبيا يقضى بتعيين المياة الإقتصادية بين البلدين بما يضمن لمصر عمقاً إستراتيجيا في شرق المتوسط ويضع حدا للفراغ القانونى الذى من الممكن , أن تستغله تركيا أو أى أطراف أوروبية أخرى فى المستقبل القريب .
وأشار ” عرابى ” إلى أن المشير ” حفتر ” قد أكد من جانبة على بالغ تقديره للدور المحورى الذى تلعبه القاهره في إستعادة الأمن والإستقرار بليبيا , وأشاد بالجهود المصرية الدؤوبه في دعم ومساعدة الشعب الليبى منذ إندلاع الأزمة , في إطار تاريخى يجمع بين الدولتين , مؤكدا أن إستمرار العمل على تجاوز التحديات بما يحقق تطلعات الشعب الليبى في الإستقرار والإذدهار .
إذن رغم كل هذا الزخم الدولى والإقليمى المحيط بالمشهد الليبى تبقى مسألة النجاح مرهونه بإدارة وطنية خالصه تغلب منطق الدولة على منطق الكيانات الأخرى وتضع مصلحة المواطن الليبى فوق الحسابات الفئوية , الرهان لم يعد على من يحكم بل على كيفيه الخروج من نفق الإنقسام نحو دولة مدنية موحدة تضمن الحقوق وتنبى المستقبل لشعب دفع ثمنا باهظاً , في إنتظار لحظة توافق حقيقية .

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.