دولة مؤسسات أم دولة ميلشيات .. إلى أين تتجه بوصلة سوريا ما بعد الأسد

2

كتبت : ضحى ناصر

بعد مرور نحو 6 أشهر على إنهيار نظام الأسد الذي إستقر في حكم سوريا لأكثر من خمسة عقود بعد مواجهات عنيفة بين الجيش السوري النظامي والفصائل المسلحة إنتهت بلجوء الرئيس السوري وعائلته إلى العاصمة الروسية موسكو وتصدر الشرع ورفاقه للمشهد السوري يبقى التساؤل سوريا ما بعد الأسد إلى أين؟

ماذا حدث بعد سقوط الأسد؟

منذ سقوط نظام الأسد شهدت سوريا شنت الفصائل المسلحة عدد من الهجمات ضد بعض الأكراد خلال الإحتفالات بسقوط نظام الأسد، بالإضافة إلى تعرض كنيسة مار يعقوب النصيبيني التابعة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مدينة القامشلي، لهجوم من قبل جماعات، قامت بالعبث بمحتويات المكان وكسرت أثاثه.

من جهته يصف المتخصص في شوؤن الجماعات الإسلامية الدكتور هشام النجار في تصريحات خاصة لنافذة الشرق ما حدث بعد سقوط نظام الأسد بالأمر المعقد والمركب، والذي تكتنفه مصالح و أطماع ومخططات توسعية قديمة وإعادة إحياء لمشاريع وخطط مثل العثمانية الجديدة و إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد، وكلها خطط ومشاريع يجمعها أن تيار ما يعرف بالإسلام السياسي وما يسمونه حاليا في الأدبيات والاوساط البحثية الغربية بالجهادية السياسية ضالع فيها ومنخرط كأداة من أدواتها.
لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من سلبيات وسوءات وخطايا حكم الأسد ومشروعية المطالبة الشعبية بتغييره و أن يحظى السوريون بحكم رشيد إلا أن الأمور قد أخذت منحى مختلف تماماً بالنظر إلى الأطماع حول سوريا بسبب موقعها المهم ، حيث تم صناعة تغيير مسلح يخدم مشاريع ومصالح قوى إقليمية غير عربية مثل اسرائيل وتركيا وايضا مصالح أميركية على حساب كثير من الثوابت التي كانت تدخل في عداد المحرمات العربية والسورية مثل التوغل الاسرائيلي بالداخل السوري والهيمنة على مناطق استراتيجية تعد حدودا مرسوما مسبقا لما يعرف باسرائيل الكبرى، كما أن هناك سماح بإقامة قواعد عسكرية أميركية فضلا عن النفوذ والتغلغل التركي بالعمق السوري.

هل تتمكن الميلشيات المسلحة من خلق دور أوسع لها في المشهد السوري لنصبح أمام مناطق نفوذ دائمة للميلشيات المسلحة ؟

و أضاف النجار أن تلك الأمور وغيرها قد أعطىت إنطباعاً بأن المشاريع السابقة التي فشلت أميركا بالتعاون مع تركيا، بالإضافة إلى المصالح والأطماع الاسرائيلية، والتي تم توظيف جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي وفروعها بالمنطقة العربية في تحقيقه، قد نجحت الآن في المشهد السوري على الأقل، وذلك عبر توظيف جناح آخر من أجنحة الإسلام السياسي وهو جناح متحور ومعاد تسميته وتدجينه من تنظيم القاعدة ويعرف بالجهادية المحلية أو الجهادية السياسية.

و أختتم أنه بالنظر إلى ما جرى قد نرى مناطق نفوذ بالفعل لتنفيذ مخط التقسيم وجعل البلد الواحد بلدات متنافرة منفصلة يسيطر عليها تكفيريون وطائفيون، وهذا هو منطوق مخطط الشرق الوسط الجديد الخادم لإسرائيل.

بعد الأسد.. هل تقف سوريا على أعتاب جمهورية الميليشيات؟

وحول ما إذا كان بإستطاعة الدولة السورية ترسيخ المبادىء التي شدد رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، مراراً على إلتزامه بها وعلى رأسها حصر السلاح بيد الدولة ونبذ الطائفية والتعددية و أن تكون سوريا دولة مؤسسات لا دولة ميلشيات أكد الخبير العسكري و الإستراتيجي العميد إلياس حنا في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن هناك مؤشرات بالفعل تؤكد على أن سوريا تتجه نحو التحول إلى دولة ميلشيات موضحاً أن بُنية النظام السوري التقليدي تزداد تأكلاً .

و أضاف أن الساحة السورية تتجه إلى التشظي بين قوى الأمر الواقع فعلى سبيل المثال شمال شرق سوريا يقع تحت سيطرة قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة، بينما الشمال الغربي يقع تحت سيطرة عدد من الفصائل المدعومة من تركيا من بينها الجيش الوطني السوري، فيما تزداد في الجنوب سطوة عصابات التهريب وشبكات المصالح المحلية المدعومة من بقايا النظام السابق وجهات خارجية .

فيما قد تشهد المنطقة العلوية و الوسطى ظهور بعض الجيوب الموالية لإيران وحزب الله .

و لفت حنا إلى أن أبرز ملامح دولة الميلشيات بسوريا يمكن تلخيصها وحصرها في عدة نقاط من بين أبرزها :
أولاً تفكك السلاح الشرعي مع غياب الجيش الوطني الجامع .

ثانياً: إقتصاد الحرب الذي تتحول من خلاله شبكات التهريب والموارد الغير شرعية إلى مصدر أساسي لتمويل الميلشيات .

ثالثاً : إلغاء الهوية الوطنية حيث أصبحنا نرى رايات قومية ودينية للميلشيات تحُل محل علم الدولة السورية .

رابعاً : غياب السلطة المركزية وتراجع مفهوم السيادة لصالح سلطة الأمر الواقع .

و أشار العميد إلياس حنا إلى أنه على الرغم من سوداوية هذا المشهد إلا أنه مازال هناك أمل لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة، والجميع يعرف أن الشرع اليوم يمر بمرحلة إنتقالية مشدداً على ضرورة التوصل إلى إتفاق إقليمي دولي لإنهاء الحرب وفقاً للأُطر الدبلوماسية لا العسكرية ، والعمل على وضع دستور يكرس لنظام ديمقراطي لامركزي لإنهاء الإستبداد و إعادة الإعتبار للمواطنة .

وكذلك نزع سلاح الفصائل و إدماجها بمؤسسات الدولة السورية، وتفعيل مشروع سوري وطني يضع مصلحة سوريا فوق الجميع .

هل تبدأ حروب صغيرة داخل الحرب الأكبر؟

هذا و قد رجّح حنا أن تبدأ حروب صغيرة داخل الحرب الأكبر لاسيما في أعقاب سقوط الأسد على طريقة صراع الميلشيات، إذ قد تسعى كل مجموعة لتثبيت سلطاتها ونفوذها على منطقة معينة سواء كردية، قومية، عشائرية وهو الأمر الذي قد يخلق نوع من تضارب المصالح على طرق التجارة والتهريب والمعابر الحدودية و موارد الطاقة والمياه والزراعة و هو ما قد يؤجج الصراع بين الداعمين الدوليين لتلك الميلشيات.

و أضاف أنه قد يندلع نوعاً من الصراع حول الهوية الطائفية والعرقية وهي نتاج لأحقاد تراكمت خلال السنوات الماضية بين مكونات المجتمع السوري وهو ما قد يسفر عن عمليات تطهير مناطقية .

وأختتم بأن كل ذلك ممكناً في ظل إنهيار القانون وغياب الردع و السلطة اللامركزية وهي البيئة الملائمة لظهور ميلشيات تتصرف كأمراء حرب، وهو مايفرز حروب عصابات و إقتتالات داخلية كالتى شهدتها الصومال وليبيا.

هل تحولت الولاءات من الدولة إلى السلاح؟

من جهته فقد أكد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية و الإرهاب الدولي منير أديب في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع السابق خلال فترة نظام الأسد، ولكن مازالت الدولة تُحكم بواسطة الميلشيات المسلحة، حيث لم يتم حتى الآن إنشاء جيش وطني .

و أضاف أنه وفق ما أُعلِن فيمكن القول بأن الجيش السوري سيكون جيش ميلشيات وليس جيش نظامى محترف بالصورة المتعارف عليها.

ولفت أديب إلى أن مسألة تكوين هذا الجيش سيتواجه بعض المشكلات و هو مايمكن القول معه بأن ولاء تلك الميلشيات سيكون للسلاح وليس للجيش .

هل تتكرر سيناريوهات ليبيا أو العراق؟ما مصير السوريين في ظل هكذا وضع ؟

و أشار أديب إلى أنه فيما يتعلق بالسيناريوهات التي تنتظر سورياهي سيناريوهات تبدو صعبة خاصةً في ظل تعدد مكونات المجتمع السوري، و التي فقدت بوصلتها.

و رجّح أن مجزرة الساحل السوري قد تكرر خاصةً و أن التعامل مع المكونات السورية لم يكن كما يأمل الشعب السوري بعد إنهيار نظام الأسد.

لافتاً إلى أن هناك العديد من الملاحظات حول تعاطي النظام السوري مع مكونات المجتمع سواء الأكراد أو المختلفون دينياً، لاسيما و أن النظام الحالي لديه رؤية وتصور حول سوريا الجديدة و هي أن تكون سوريا إسلامية حتى و إن كانت تضم مكونات أخرى و هذا يختلف مع طبيعة سوريا ذات التعددية الطائفية.

ماهى أوضاع اللاجئين والنازحين داخليًا في ظل فوضى الميليشيات؟ ما إحتياجاتهم ؟ و كيف تقدم لهم الدولة الجديدة الرعاية ؟

بخلاف إنتشار العديد من الميلشيات المسلحة وخروج ملف حصر السلاح من أيادي النظام و إتساع رقعة الجرائم المنظمة كالإرهاب و الإتجار بالمخدرات والبشر فقد خلفت الحرب الأهلية التي إندلعت في سوريا منذ عام 2011 واحدة من بين أكبر أزمات النزوح في العالم، والتي تسببت في تهجير ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها بسبب العنف والتدمير، ففي عام 2022، بلغت أعداد النازحين داخليًا 6.86 مليون شخص، مما يجعل سوريا الدولة التي لديها أكبر عدد من النازحين داخليًا في العالم.

ليلاقوا مصيرهم في مواجهة الحياة مع فقدان أبسط مقوماتها أملين أن تتغير أحوالهم بعد تصدر النظام الجديد المشهد وعن ذلك يوضح الصحفي السوري وليد النوفل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أنه وفي غضون أشهر قليلة قد شهدت سوريا تحولاً كبيراً على أصعدة مختلفة منذ سقوط النظام السابق من قبيل: رفع العقوبات، الانفتاح العربي والدولي، الاستثمارات الأجنبية والعربية، تحسن في الليرة السورية والاقتصاد السوري وغيرها.

و أضاف أن خلال السنوات الماضية و نتيجة ظروف الحرب فإن ملف النازحين واللاجئين ملف كبير جداً، وهو يطال نصف الشعب السوري، لا يمكن حل هذا الملف في غضون أشهر قليلة ودون مساعدة دولية حقيقية ودون البدء في عملية إعادة إعمار حقيقية.

لافتاً إلى الأشهر الماضية، قد شهدت عودة مئات آلاف النازحين واللاجئين إلى منازلهم الأصلية، و إغلاق بعض المخيمات في الداخل السوري وفي دول الجوار، لكن مع ذلك ما يزال هناك ملايين السوريين في مخيمات اللجوء والنزوح، والأمر يعود إلى مجموعة من العوامل المتعلقة بعدم إمتلاك النازحين أو اللاجئين منازل يعودون إليها بسبب تدميرها، صعوبة توفير تكاليف العودة، عدم جاهزية قراهم وبلداتهم الأصلية بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية مثل المدارس والكهرباء والمياه والصحة أو وجود مخلفات الحرب.

و أشار إلى أن إحتياجات النازحين متعددة وضخمة للغاية، فمازالت سوريا تحتاج إلى عملية إعادة إعمار حقيقية وواسعة لتجهيز البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان من أجل عودتهم وتوفير حياة كريمة لهم، وأيضاً تقديم تعويضات للسكان الذين تضررت منازلهم بفعل الحرب.

و أكد على أن حتى اللحظة لم تقدم الدولة السورية مساعدات مباشرة للنازحين أو اللاجئين بشكل خاص من أجل عودتهم لمناطقهم الأصلية، والسبب يعود في أن الحكومة تواجه أساساً مشاكل في توفير رواتب الموظفين والعاملين، وعملية إعادة الإعمار التي لم تبدأ بشكل فعلي بعد.

وعليه فإنه لا مناص أمام الإدارة السورية الجديدة من النجح في مهتمها الضخمة في إعادة سوريا لمكانتها الدولية و التي تبدأ من رأب الصدع بين مكونات المجتمع السوري للحيلولة دون سقوطها فريسة الميلشيات و الأطماع الخارجية .

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.