رسوم ترامب على النحاس.. شرارة اقتصادية تهدد الصناعات الخضراء والأسواق العالمية
هدير البحيري
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس إلى الولايات المتحدة، اعتبارًا من الأول من أغسطس 2025، في إطار سياساته التجارية التي تربط بين الأمن القومي وتعزيز الإنتاج المحلي
وأوضح ترامب أن النحاس ضروري للعديد من القطاعات الحيوية، منها أشباه الموصلات، والطائرات، والسفن، والذخيرة، والبطاريات، وأنظمة الرادار والدفاع الصاروخي، والأسلحة فرط الصوتية، فضلاً عن بناء مراكز معالجة البيانات
وتابع قائلًا: “النحاس هو ثاني أكثر المواد استخدامًا من قبل وزارة الدفاع”.
كما اعتبر ترامب أن هذه الخطوة من شأنها تصحيح ما وصفه بـ”أخطاء إدارة جو بايدن”، متهمًا إياها بـ”السلوك المتهور والغباء”.
وأكد أن فرض الرسوم سيعزز من إنتاج الولايات المتحدة من هذا المعدن الحيوي، المستخدم في السيارات الكهربائية، والعتاد العسكري، وشبكة الكهرباء، وعدد من السلع الاستهلاكية الأساسية.
إلى جانب ذلك، أصدر ترامب إخطارات جديدة بفرض رسوم جمركية على واردات من سبع دول إضافية، لتنضم إلى قائمة تضم 14 دولة أخرى تم إخطارها في وقت سابق.
وتشمل الدول الجديدة كوريا الجنوبية، واليابان، بالإضافة إلى الفلبين، ومولدوفا، والجزائر، وليبيا، والعراق، حيث بلغت نسبة الرسوم المفروضة على وارداتها نحو 30%، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس المقبل، ما لم تُبرم اتفاقات تجارية بديلة.
وفي السياق ذاته، قال ترامب إن المحادثات التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي “تسير على ما يرام”، رغم تصاعد التوتر التجاري مع عدد من الشركاء التجاريين الصغار والمتوسطين.
ويأتي هذا القرار في إطار عودة ترامب إلى تبني سياسة تجارية حمائية صارمة، حيث كان قد بدأ منذ عودته إلى البيت الأبيض بفرض رسوم على واردات من كندا والمكسيك، ورفع الرسوم على الصين، وأعاد تفعيل الرسوم الجمركية على الفولاذ والألومنيوم والسيارات. وفي أبريل الماضي، أعلن عن رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% كحد أدنى على معظم واردات الولايات المتحدة، باستثناء بعض السلع مثل الذهب والنحاس والنفط والأدوية، قبل أن يعود الآن ليشمل النحاس برسوم قياسية.
يُذكر أن الإعلان عن هذه الخطوة أدى إلى قفزة في أسعار العقود الآجلة للنحاس في بورصة “كومكس” الأمريكية بنسبة تجاوزت 12%، ما يعكس توقعات الأسواق لتداعيات القرار على سلاسل التوريد والتكاليف الصناعية داخل الولايات المتحدة.
وقال الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال، سمير رؤوف إن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس من شأنه أن ينعكس سلبًا على عدد من الصناعات الحيوية في الولايات المتحدة، وفي مقدمتها الإلكترونيات، وصناعة السيارات، والطاقة المتجددة.
وأوضح رؤوف في حوار خاص لـ”نافذة الشرق” أن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة مباشرة في تكاليف الإنتاج، ما قد ينعكس على أسعار المنتجات النهائية للمستهلك، ويفاقم معدلات التضخم.
وأضاف رؤوف أن الصناعات الأمريكية التي تعتمد على النحاس كمادة خام ستواجه تحديات تنافسية، سواء في السوق المحلي أو في التصدير، مشيرًا إلى أن ارتفاع التكاليف قد يدفع بعض الشركات إلى تقليص خططها التوسعية أو البحث عن بدائل تصنيع خارج البلاد.
ورغم ما قد يوفره القرار من دعم نسبي لصناعة التعدين المحلي، يرى الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال أن المكاسب المحتملة لا تُقارن بحجم التأثير الاقتصادي الأوسع، ما لم يُرافق القرار بسياسات واضحة لتعزيز الإنتاج المحلي وتوفير بدائل مستدامة لضمان استقرار سلاسل التوريد.
ويعتقد خبير أسواق أن القرار لا يرتبط بالضرورة بالحسابات الانتخابية، وإنما يُعبر عن استراتيجية اقتصادية أوسع تهدف إلى تقليص الاعتماد على الواردات، وتنشيط قطاع التعدين والإنتاج المحلي، لا سيما في القطاعات التي تستورد منها الولايات المتحدة كميات كبيرة من المواد الخام.
ولفت رؤوف إلى أن هذا النهج يتكرر في سياسات ترامب التجارية، إذ يستهدف فرض الرسوم على المواد، التي تمتلك الولايات المتحدة بدائل محلية لها أو قدرة على استغلالها صناعيًا، بما يعزز من الاكتفاء الذاتي ويعيد تشغيل بعض خطوط الإنتاج المتوقفة داخل البلاد.
في المقابل، يرى خبراء ومراقبون اقتصاديون آخرون أن توقيت القرار يثير تساؤلات سياسية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات، مرجحين أن يكون الهدف منه كسب دعم قطاعات التعدين والعمال في الولايات الصناعية.
وفيما يتعلق بقطاع الطاقة المتجددة، يُشير رؤوف إلى أن النحاس – إلى جانب الفضة – يُعد من المعادن الأساسية في تركيب أنظمة الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية وشبكات الشحن. وبالتالي فإن فرض رسوم مرتفعة على هذه المواد قد يؤدي إلى زيادة تكلفة الطاقة المتجددة، ما يعرقل التوجه نحو الاقتصاد الأخضر وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، في وقت يُفترض فيه تقديم حوافز لا فرض أعباء إضافية.
ويخلص إلى أن السياسات التجارية الحمائية المتسرعة قد تؤدي إلى اضطرابات في الاقتصاد وأسواق المال، مع تفاوت في قدرة القطاعات المختلفة على امتصاص الصدمة. فالقطاعات القوية قد تستعيد توازنها بمرور الوقت، بينما القطاعات الهشة – مثل الغذاء – قد تتعرض لأزمات مباشرة تمس المستهلكين.
ويؤكد رؤوف في ختام حديثه على ضرورة أن تكون هذه القرارات قائمة على دراسات دقيقة لتقدير القدرات المحلية، وحجم الاحتياطي، وكلفة الإنتاج، والآثار المحتملة على مختلف القطاعات الصناعية.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.