زيارة عراقجي للقاهرة و إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة
كتبت : ضحى ناصر
في خطوة تُفصح بقوة عن التغييرات التي تشهدها المنطقة، ما جعل النظام الإيراني يُقدم على كسر عزلته الإختيارية التي ضربها نظام الملالي منذ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979 جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لتترجم عملياً المساعي الإيرانية الجارية منذ نحو ثلاث سنوات للتقارب مع مصر .
ما دلالة توقيت زيارة عراقجي إلى القاهرة وهل التوقيت مرتبط بمفاوضات الملف النووي الإيراني؟ أو بتطورات غزة وسوريا؟
يوضح الخبير في العلاقات الدولية الدكتور هاني الجمل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن هذه الزيارة تأتي في ظل المفاوضات الأمريكية الإيرانية الغير مباشرة في جولتها الخامسة بشأن الملف الإيراني النووي، و في أعقاب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نسبة تخصيب إيران لليورانيوم و التي بلغت نحو 60% وهو مايؤكد وجود خطر دائم على دول الجوار.
و أضاف أنه في ظل إصرار الولايات المتحدة على تخلى إيران عن تخصيب اليورانيوم و هو ماترفضه طهران لأن ذلك يعنى فقدانها لأهم كروت الضغط التي تملكها سواء في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة أو كثِقل لمكانتها في المنطقة .
و أشار إلى أن كل تلك العوامل جعلت من التقارب مع مصر في هذا التوقيت هو نوع من التوازنات الإقليمية، مع دولة مركزية كمصر مع وجود ملفات مشتركة بين الدولتين من بينها القضية الفلسطينية والملف اللبنانى وحرية الملاحة في البحر الأحمر .
هل زيارة عراقجي رسالة بأن إيران تعيد التموضع وتستعرض حسن النية؟
وحول ذلك يرى الدكتور هانى الجمل أن تلك الزيارة ربما تكون تمهيداً لتبادل الزيارات بين البلدين على المستوى الرئاسي.
لافتاً إلى حرص مصر بعد الشيء في تعاملاتها مع إيران ليس عن قلة ثقة ولكن إستقلالاً بقرار مد العلاقات الدبلوماسية المصرية مع مختلف الدول دون إملاءات خارجية .
و تابع : و عليه فإن مصر لن تتسرع في تطبيع العلاقات دون وضع شروطها وضمان تحقيقها، وحين تحقق ذلك فستعلن مصر في الوقت المناسب بدء إستئناف علاقتها مع إيران .
و أوضح أنه في أعقاب محاولات التقارب في عهد محمد مرسي ثم ما تلاها من جفاء بعد ثورة ٣٠ يونيو وهجوم النظام الإيراني على مصر أنذاك وهو مايترجم إعتماد مصر على مايسمى بالدبلوماسية الخشنة فى علاقتها مع بعض الدول التي قد لاترى مايحدث في مصر بشكل إيجابي معرباً عن إعتقاده بأن مصر مع إستقلالية قرارها سوف تحدد شكل عودة العلاقات مع إيران والتوقيت المناسب لإعادة تلك العلاقات .
موقف مصر من توازن القوى في الخليج هل تغير في ضوء تقارب الرياض وطهران؟
شدد الجمل على أن الرؤية المصرية للتوازنات الإقليمية ثابتة لاتتغير حيث تقوم دائماً على تبنى الرؤى المشتركة وتحقيق التعاون بين القوى الإقليمية لرسم سياسات القوى الكبرى .
و أضاف : أن الرئيس السيسي دعى إلى تعددية الأقطاب في العالم مايوضح أن مصر تضع نفسها كطرف هام للغاية في الشرق الأوسط ومن الصعوبة تجاهل دور مصر إقليمياً وهو ماتعمل مصر على تأكيده في علاقتها مع إيران .
و أشار إلى أن التقارب الإيراني – السعودي هو شيء لا يؤثر على العلاقات المصرية السعودية من جهة و لا على العلاقات الإيرانية المصرية من جهة أخرى بل على العكس فإن مصر لطالما طالبت بدعوة تركيا و إيران والمملكة العربية السعودية لحلحلة الأمور العالقة، وتبنى إيدلوجية إستراتيجية إقليمية في مواجهة الدول الكبرى ومصالحها بجانب البرامج و الأستراتجيات الدولية .
كيف تناولت الأوساط السياسية والإعلامية في إيران زيارة وزير الخارجية المصري إلى القاهرة؟
من جهته فقد أعتبر المحلل السياسي الإيراني نزار جاف في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن إستقبال الأوساط السياسية والإعلامية في إيران لهذه الزيارة اتسم بنوع من الحذر والبراغماتية.
و أضاف النظام الإيراني حاول إظهار الزيارة كإنجاز دبلوماسي يعكس نجاحه في كسر العزلة، بينما في الواقع، وسائل الإعلام الرسمية بالغت في تفسيرها، لإيهام الداخل الإيراني بأن هناك انفراجة سياسية خارجية في الأفق. لكن في الحقيقة، الاستقبال لم يكن مدفوعا بانفتاح حقيقي، بل بمحاولة النظام استثمار أي فرصة للتنفس في ظل أزماته الداخلية والخارجية المتراكمة.
هل تسعى طهران لفتح قنوات بشأن حماس والجهاد من خلال القاهرة؟
و نوه الجمل إلى أنه من غير المحتمل أن تعمل إيران على فتح قنوات لحماس و الجهاد لأن مصر لا تتعامل مع ميلشيات والجماعات بل تتعامل مع الأنظمة والحكومات الشرعية، ويستثنى من ذلك المفاوضات بين حماس و إسرائيل لأن مصر هي أحد الوسطاء بين الجانبين .
وتابع : لكن أن تصبح هناك مكاتب لحماس والجهاد فهو أمر مستبعد تماماً نظراً لمخالفته لأدبيات السياسة التى تتبعها القاهرة .
و أضاف : أن الأمر قد لا يعدو بعض المطالبات بإجراء محادثات مابين الفصائل الفلسطينية لهندسة الأوضاع فيما بعد وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، والدخول في حالة هدنة طويلة الأمد والعمل على حل الدولتين، على أن يكون هناك توافق بين الفصائل الفلسطينية على تولى هذا الأمر بدعم من القاهرة والدول العربية .
ما موقف أوروبا من وساطة مصرية في الملف النووي؟
ولفت الجمل إلى أن مصر لم تنخرط في وساطة بين أوروبا و إيران بشكل كبير ، ربما كانت ستنضم لإحياء مفاوضات 5+1 كمراقب وليس كوسيط .
و أضاف: أن الترويكا الأوروبية تتولى زمام هذا الملف ربما تطلع إيران مصر على القدرات النووية الإيرانية بشكل محدود دون إفراط .
وتابع : أن مصر مقبولة لدى الإتحاد الأوروبي وهو ماعكسته زيارة الرئيس ماكرون وكذلك زيارات عدد من رؤساء دول الإتحاد الأوروبي مايدلل على أن مصر باتت قِبلة لزعماء الإتحاد الأوروبي.
و أستطرد : لكن هذا الأمر سيكون بعيداً على الأقل في الوقت الراهن بالنسبة لإيران، بل و من المنطقى أن تلعب دول كسلطنة عمان و إيطاليا والتى إستضافت عدد من جولات المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة دور الوساطة لإستعادة التوازن في إتصالات إيران مع دول العالم لأنها تعتبر ضمن بوابات التواصل الإيرانية مع دول العالم.
هل هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين طهران والقاهرة؟
و رجّح جاف أن تكون هذه الزيارة خطوة أولى نحو تقارب محسوب، لكنها ليست بداية مرحلة جديدة فعلية ما لم تتغير السياسات الجوهرية للنظام الايراني، خصوصا ما يتعلق بتدخلاته الإقليمية ودعمه للجماعات المتطرفة النظام الإيراني يريد من هذه العلاقات غطاء سياسيا جديدا دون تقديم تنازلات حقيقية أما مصر، فتتعامل ببراغماتية، ولا يمكنها القفز فوق مصالحها الأمنية والاستراتيجية المرتبطة باستقرار الخليج والعالم العربي.
أبرز الملفات التي يمكن أن تكون مطروحة بين الطرفين؟
و حول أبرز الملفات الأساسية المطروحة أشار إلى أن المحادثات تتطرق إلى أمن البحر الأحمر والملاحة في قناة السويس.
الملف النووي الإيراني وانعكاساته الإقليمية
العلاقات الإيرانية مع حماس والإخوان، وهي نقطة حساسة بالنسبة للقاهرة التعاون الاقتصادي المحدود إذا رفعت العقوبات.
لكن يبقى أن النظام الإيراني يفتقر للشفافية والثقة اللازمة لمعالجة هذه الملفات بجدية.
ما العقبات الأهم التي تعيق تطبيع العلاقات الإيرانية-المصرية بشكل كامل؟
فيما شدد الباحث الإيراني على أن أبرز مُعيقات التطبيع الكامل بين إيران ومصر قد تتمثل في تدخلات النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، و العلاقة الوثيقة بين طهران وجماعة الإخوان المسلمين وحماس.
كما أشار إلى النفوذ الإيراني في اليمن وسوريا، والذي تعتبره مصر تهديدا للأمن القومي العربي.
النظرة المصرية لولاية الفقيه كنموذج سياسي غير قابل للتعايش مع النظام العربي الرسمي.
رفض النظام الإيراني للكف عن سياسته التوسعية الطائفية .
لافتاً إلى أن كل هذه العقبات تعيق تكوين تطبيعاً حقيقياً بين البلدين .
هل هناك ضغوط إقليمية أو دولية قد تؤثر على مسار هذه العلاقة؟
كما أكد نزار على أن هناك ضغوطاً متعددة
من بينها أن بعض دول الخليج قد ترى في أي تقارب مع طهران تهديدا لموقفها الموحد تجاه المشروع الإيراني.
كذلك، القوى الإقليمية مثل تركيا و”محور المقاومة” يتابعون هذا المسار بحذر، لأن أي تقارب بين دولتين بحجم إيران ومصر قد يعيد رسم بعض التوازنات.
لكن في نهاية المطاف، القرار المصري سيكون محكوما بمصالح الدولة وليس برغبة طهران في فك عزلتها.
كيف يرى الشارع الإيراني مصر اليوم، سياسيا وثقافيا؟
و أوضح جاف أن الشارع الإيراني، الذي يعيش حالة قمع وتضييق، ينظر إلى مصر بإعجاب واحترام ثقافي وتاريخي، خاصة من الناحية الحضارية. أما سياسيا، فهناك نوع من الفضول الممزوج بالأسف؛ لأن النظام الإيراني حول علاقات إيران مع الشعوب والدول العربية إلى علاقات توتر وعداء.
لافتاً إلى أن الكثير من الإيرانيين يتمنون أن تكون لمصر وإيران علاقات طبيعية قائمة على الاحترام المتبادل، لا على تدخلات النظام في شؤون الغير.
و كيف تستفيد إيران من دعم مصر كدولة غير منحازة في مجلس الأمن؟
أوضح نزار جاف أن النظام الإيراني يسعى للإستعانة بمصر كدولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن كورقة ضغط لمواجهة العزلة الدولية، بدعم محتمل من القاهرة، أو حتى امتناعها عن التصويت في قضايا معينة، قد يساعد النظام على المناورة سياسياً.
ومع ذلك، لا يبدو أن مصر مستعدة لمنح طهران هذا الدعم مجانا، دون مقابل سياسي واضح وتغيير حقيقي في سلوك النظام الإيراني، وهو أمر لا يبدو أنه سيحدث في المدى القريب.
هل هناك انزعاج أميركي من هذه الزيارة ؟وهل من الممكن ان تعتبر الولايات المتحدة و إسرائيل تلك الزيارة تحدياً مصرياً جديداً وتصعيداً خطيراً بعد رفض مصر لملف التهجير والذي جعل الوضع أكثر حساسية بين مصر وبين الحليفتين التاريخيتين؟
يوضح الباحث المتخصص في الشأن الأميركي الدكتور فاضل اليونس في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أنه ما من شك أن زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى القاهرة تُعدّ تحولًا سياسيًا لافتًا، يعكس تقاطعًا غير مسبوق في المصالح بين طهران والقاهرة، رغم الخلافات التاريخية بينهما.
و أضاف : فالعدوان الإسرائيلي على غزة، ومساعي التهجير القسري، وسقوط نظام الأسد، وصعود نظام أحمد الشرع المدعوم تركيًا، إلى جانب احتمال انهيار المفاوضات النووية، كلها تطورات تضع إيران على حافة مواجهة عسكرية، وتُهدد الأمن القومي المصري من جهة الفوضى الأمنية، واختلال ميزان القوى لصالح أنقرة وتل أبيب.
و أختتم بالقول : من هنا، لا يُفهم هذا التقارب كتحدٍّ مباشر، بل كمحاولة لإعادة ترتيب الاصطفافات في مواجهة ضغوط متزايدة. ورغم أنه سيُقابل بصمت حذر، فإنه سيُثير قلق واشنطن وتل أبيب، وبعض عواصم المنطقة التي تتحسس من أي تقارب خارج مظلتها.
في ضوء المعطيات المتشابكة والرهانات الإقليمية المعقّدة، تمثل زيارة عباس عراقجي إلى القاهرة خطوة محسوبة ضمن مسار طويل من الحذر والتريث، يعكس إدراكاً متبادلاً بين طهران والقاهرة لأهمية إعادة ضبط العلاقات وفق معادلة تحقق المصالح دون الإخلال بالثوابت. فبينما تسعى إيران إلى كسر طوق العزلة والتموضع من جديد في قلب المعادلة الشرق أوسطية، تحتفظ مصر بموقعها كقوة مركزية تضع الاستقرار الإقليمي والتوازن الاستراتيجي في صدارة أولوياتها.
وإذا كانت الإرادة السياسية قد بدأت تلوح في الأفق، فإن استئناف العلاقات بين البلدين سيظل مرهوناً بمدى استعداد النظام الإيراني لتقديم ضمانات حقيقية وشفافة، تُطمئن الجانب المصري، وتحد من التناقضات التي حكمت العلاقة لعقود. وبين الخطوات الرمزية والمواقف الجوهرية، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، في منطقة لا تعرف الثبات، بل تحكمها موازين دقيقة، وتحركات محسوبة بدقة وفق المعايير السياسية والدبلوماسية.
تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية
مرت العلاقات المصرية الإيرانية بمنحنيات متعددة بين التعاون والجفاء لكن في معظم الأحوال كان التحفظ هو سيد الموقف ومع بداية عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي إستمر نهج مصر تجاه إيران في منحاه المتعارض مع سياسات إيران في اليمن وسوريا دون إصطدم مباشرة مع وجود تنسيق غير مباشر في بعض الملفات مثل:
دعم استقرار العراق.
القضية الفلسطينية
و في مايو 2023 أعلن المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال لقائه سلطان عُمان هيثم بن طارق، أن إيران ترحب بإعادة العلاقات مع مصر، وفي 20 سبتمبر 2023 أعلنت الخارجية المصرية عن لقاء وزير الخارجية سامح شكري بنظيره الإيراني في مقر البعثة المصرية في نيويورك حيث تناول اللقاء قضية العلاقات الثنائية بين الدولتين، والمحددات والضوابط التي تحكمها، وبما يؤدي إلى تطويرها على النحو الذي يحقق مصالح الشعبين.
وفي شهر ديسمبر 2023 تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي إتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني أنذاك إبراهيم رئيسي، هنأه فيه على فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024.
وهى المساعي التي توجت بزيارة عراقجي للقاهرة لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين .
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.