سر استقرار السوق النقدي في مصر.. كيف دعم البنك المركزي الجنيه بتيسيرات جديدة للعملة الأجنبية؟

2

عبد الرحمن السيد

شهد السوق النقدي المصري خلال الأشهر الماضية حالة من الاستقرار الملحوظ، انعكست بشكل مباشر على سعر صرف الجنيه المصري الذي ارتفع أمام الدولار بعد فترة من التراجع الحاد. فبعد أن تجاوز سعر الدولار حاجز الـ 51 جنيهًا، عاد ليسجل نحو 48.27 جنيهًا في تعاملات منتصف أغسطس 2025، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة على تحسن السياسات النقدية وتوافر تدفقات دولارية جديدة أسهمت في تعزيز قيمة العملة المحلية.

المركزي وتيسيرات جديدة

استقرار الجنيه لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة حزمة من الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي المصري، تضمنت تيسيرات جديدة على التعامل بالعملة الأجنبية، في ظل حرصه على توفير السيولة الدولارية وتسهيل عمليات الاستيراد، بالتوازي مع تشجيع الصادرات وجذب الاستثمارات المباشرة.

وقال النائب أحمد سمير عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشيوخ في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، إن قيمة الجنيه ارتفعت بفضل السياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي، والتي وفرت احتياطيًا جيدًا من النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن هذا التحسن ترافق مع زيادة ملحوظة في تحويلات المصريين بالخارج، ما أعطى دفعة قوية لموازين السيولة.

تحويلات المصريين.. مصدر دعم مستدام

وتعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج من أبرز مصادر النقد الأجنبي لمصر، حيث سجلت خلال شهر مارس 2022 نحو 3.3 مليار دولار بزيادة 12.8% مقارنة بـ 2.9 مليار دولار في مارس 2021. كما ارتفعت التحويلات خلال الفترة من يوليو إلى مارس من العام المالي 2021/2022 لتصل إلى نحو 23.6 مليار دولار، بزيادة 1.1% على أساس سنوي.

ورغم الضغوط الاقتصادية التي شهدتها الأسواق العالمية، ظلت هذه التحويلات ركيزة أساسية في تعزيز احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية، وهو ما انعكس في النهاية على استقرار سوق الصرف.

طفرة في الصادرات الصناعية

العامل الثاني وراء قوة الجنيه جاء من جانب الصادرات. فقد سجلت مصر قفزة في صادراتها غير النفطية بنسبة 20% خلال النصف الأول من 2025، لتبلغ 25 مليار دولار مقابل 20.9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2024.

وتصدّر قطاع مواد البناء والصناعات المعدنية قائمة القطاعات الأعلى تصديرًا بقيمة 7.46 مليار دولار، بنسبة نمو تتجاوز 51%. يليه قطاع الكيماويات والأسمدة بصادرات بلغت 4.42 مليار دولار، ثم السلع الهندسية والإلكترونية بنحو 3.15 مليار دولار. كما ارتفعت صادرات الصناعات الغذائية إلى 3.34 مليار دولار، والحاصلات الزراعية إلى 2.92 مليار دولار، والملابس الجاهزة إلى 1.6 مليار دولار.

وبحسب بيانات رسمية، فإن هذه القطاعات الستة استحوذت وحدها على نحو 91.5% من إجمالي الصادرات المصرية في النصف الأول من العام الجاري، بإجمالي 22.9 مليار دولار.

السياحة.. رافعة إضافية

في السياق ذاته، أشار النائب ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في تصريحاته لـ “نافذة الشرق”، إلى أن وضع السياحة الجيد وارتفاع إيراداتها لعب دورًا أساسيًا في زيادة المعروض من الدولار بالسوق المصري، مما ساعد على استقرار سعر الصرف وتراجع نسب التضخم.

وأضاف أن الأسعار إذا لم تنخفض بشكل ملحوظ فهي على الأقل باتت مستقرة نسبيًا، وهو ما يخفف العبء على المستهلك المصري. لكنه شدد على أهمية تعزيز الرقابة على الأسواق المحلية لضمان وصول الاستقرار النقدي إلى حياة المواطنين اليومية.

استثمارات مباشرة

وأكد ياسر عمر أن التفكير في إيجاد مصادر مستدامة للعملة الأجنبية يأتي على رأس أولويات المرحلة المقبلة، معتبرًا أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو السبيل لتعزيز التدفقات النقدية طويلة الأمد، بما يحافظ على استقرار الجنيه ويمنحه القدرة على مواجهة الضغوط المرتبطة بسداد الديون.

الصناعة في قلب الاهتمام

من جانبه، كشف الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، عن ارتفاع الصادرات الصناعية بنسبة 9.9% خلال النصف الأول من عام 2025، لتسجل نحو 17.6 مليار دولار، مقابل 16.05 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وأشار الوزير إلى أن الدولة أولت اهتمامًا خاصًا بالمدن الصناعية المتخصصة مثل مدينة الجلود بالروبيكي ومجمع مرغم للصناعات البلاستيكية، فضلًا عن إنشاء 16 مجمعًا صناعيًا في 15 محافظة، مؤكدًا أن هذه المشروعات تسهم في تعميق التصنيع المحلي ودعم سلاسل الإمداد، وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

حزم تشريعية وحوافز

ولفت الوزير إلى أن الدولة أقرت العديد من المبادرات التمويلية النوعية الموجهة لدعم الصناعة، إلى جانب حزم تشريعية وإجرائية لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، بما يضمن استمرار الصادرات الصناعية في لعب دورها المحوري بتوفير النقد الأجنبي.

عوامل مركبة وراء الاستقرار

المتابعون يرون أن استقرار الجنيه المصري جاء نتيجة عوامل مركبة تتداخل فيها قرارات البنك المركزي مع تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي. فزيادة التحويلات والصادرات والسياحة عززت المعروض من الدولار، بينما أسهمت السياسات النقدية في ضبط السيولة والتحكم في التضخم.

وبينما أدى تراجع إيرادات قناة السويس نسبيًا إلى ضغط على ميزان المدفوعات، فإن هذه المصادر المتنوعة ساعدت على تعويض النقص وسد فجوة العجز، وهو ما انعكس إيجابيًا على استقرار سعر العملة المحلية.

التحديات قائمة

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات قائمة، أبرزها التزامات مصر بسداد الديون الخارجية، وما تفرضه من ضغوط دورية على العملة المحلية. وهو ما يتطلب مواصلة الجهود لتعزيز الاستثمارات، وزيادة الصادرات، وتطوير قطاع السياحة بما يضمن استدامة تدفقات النقد الأجنبي.

نحو استقرار دائم

ويرى نواب البرلمان أن الجنيه المصري يخضع لمبدأ العرض والطلب، وبالتالي فإن الحفاظ على الاستقرار يتطلب استمرار تدفق العملات الأجنبية عبر قنوات متعددة، وعدم الاعتماد على مصدر واحد. كما أكدوا أن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد تعزيز تنافسية المنتج المصري عالميًا بما يعزز قدرته على جلب العملة الصعبة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.