سورية الجديدة .. محاولات كسب الشرعية تسرّعها الدبلوماسية وتضعفها نار الفتنة
نافذة الشرق _ أحمد إبراهيم إسماعيل
زخم دبلوماسي تشهده العاصمة السورية بإدارتها الجديدة، ترجمته زيارات متتالية لوفود عربية وعالمية، وكذلك زيارات رئاسية ودبلوماسية سورية خارجية، مدت خلالها الحكومة السورية الجديدة جسور التواصل في إطار ترميم آفاق التعاون بالمجالات السياسية والإقتصادية والأمنية، وذلك بعد سنوات من القطيعة العالمية لسورية في ظل حكم النظام المخلوع.
الحراك الدبلوماسي أثمر بعض الشيء من خلال إجراءات دولية تمثلت في رفع العلم السوري الجديد بالأمم المتحدة، وكذلك رفع العقوبات البريطانية المفروضة على سورية، عداك عن فتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية، وتقريب وجهات النظر لحل الخلافات العالقة مع الدول التي اتحذت موقفاً متشككاً من القيادة الجديدة، وبدأت نبرتها تتغير، وفتحت آفاقاً جديدة للتعاون.
الأوراق كُشفت بانتظار النتائج
الدكتور اليان مسعد الرئيس المنتخب لوفد معارضة الداخل إلى مفاوضات جنيف، رأى أن “الحراك الدبلوماسي المتسارع هو إحدى نجاحات السلطة الحالية، فهم قاموا بمروحة واسعة من الزيارات، كما استقبلوا عدداً كبيراً ومختلف من الزائرين على الصعيد الألماني أو الأوروبي، أو حتى بربارا ليف نائبة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط”.
وأشار إلى أن “تسارع وتيرة بناء الجسور هي لاستطلاع التعرف على السلطة الحالية، واستطلاع آرائها بالملفات، كما أن السلطة الجديدة في سورية ترغب ببناء الجسور، في محاولة لرفع العقوبات عن سورية والتي تعيق نمو الاقتصاد”، آملاً “استمرار الحراك الدبلوماسي، لأن مرحلة التعارف حصلت، والجميع كشف أوراقه، وعبر عما يريد وبقي النتائج التي ننتظرها”
من جانبه، اعتبر الصحفي السوري المتخصص بالشأن السياسي، هاني هاشم أن “الحراك الدبلوماسي المتسارع، أمر طبيعي، وفيه تسريع أكبر داخلياً، من قبل الحكومة الجديدة والقيادة الجديدة، لمحاولة كسب الخارج، للوصول إلى رفع العقوبات عن سورية، لما لها من تأثير إيجابي يسهل الأمور الخدمية”، مشدداً على ضرورة أن “يكون هذا الحراك مقرون بخطوات جدية في الداخل”.
العلم السوري في الأمم المتحدة ليس اعترافاً
في لحظة وصفت بالتاريخية، رفع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني علم سورية الجديد، يوم الجمعة 25 أبريل / نيسان، أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لأول مرة عقب تولي الإدارة السورية الجديدة مقاليد السلطة في سورية.
خطوة اعتبرها الدكتور مسعد، أنها “رمزية لا أكثر، أولاً لإظهار العلم الجديد، وتثبيته كشعار للدولة، وثانياً محاولة من السلطة للتأكيد على شرعيتها، لاستجلاب ما تستطيع من محاولات التوصل لاعترافات دولية بها، لذلك يجب ألا نعطي لمسألة رفع العلم أكبر من حجمها، فهي خطوة جيدة ولكن تبقى ضمن سياق محدود، في مسار طويل لاكتساب الشرعية”.
من جانبه وصف الصحفي هاشم رفع العلم السوري الجديد في الأمم المتحدة، بأنه “اعتراف على مستوى الأمم المتحدة فقط، ولا يعني الإعتراف الكامل طالما هناك دول لم تعترف بعد بالإدارة الجديدة، لذلك فهو اعتراف معنوي أكثر من كونه مادي، فالمحصلة على الأرض بالنسبة للمواطن هي صفر، لأنها تهم السياسة الخارجية وليست الداخلية”.
تركيا وإسرائيل صداقة هزَّها صراع النفوذ
مساعٍ تركية متسارعة لبسط نفوذها في سورية، كانت أولى خطواته إخلاء قاعدة “T4″، وتحويلها إلى قاعدة للطائرات بدون طيار، وهذا ما لم ينل استحسان الكيان الصهيوني الذي هاجم القاعدة، وأيضاً قاعدة تدمر، قبل ساعات من وصول القوات الخاصة التركية إلى منطقتها.
د. مسعد علق على التوترات التركية الإسرائيلية على النفوذ في سورية بأنها “حساسة، لأن تركيا لا ترغب بتقسيم سورية، بسبب الحساسية الكردية، وبالمقابل يبدو أن هناك في إسرائيل خطين، خط يرغب بتقسيم سورية، وآخر يلتقي مع الولايات المتحدة حول اقتسام أماكن نفوذ، إن كان في الجنوب أو الشمال أو الغرب أو الشرق، ويبدو أن تركيا لا تمانع أن يكون لها منطقة نفوذ خاصة، وأن يكون لإسرائيل منطقة نفوذ خاصة، وكذلك للولايات المتحدة وأيضا الروس”.
وحول التناقض والتلاقي في ذات الوقت بين الطرفين فيما يتعلق بموضوع التقسيم، قال د.مسعد إن “سورية لن تقسم، وحتى لا نغرق بالتفاصيل، فإن الحكومة الإسرائيلية محقة في مصالحها، أن السلطة الجديدة ضعيفة، وتواجه تحديات مركبة، أخطرها محاولات قوى التقسيم، لأن التقسيم غير مواتي لإسرائيل لما يسبب من مشاكل كبيرة على حدودها”.
وتابع أنه “كما تعاطت إسرائيل مع السلطة السابقة لنظام الأب والإبن، بأن يكون النظام مركزي، قد تتعاطى مع السلطة الراهنة اليوم بنفس الأسباب، لكنها تريد اولاً أن تُفشلَها لتحسن معطياتها وشروط تفاوضها”.
وشدد د.مسعد أنه “ليس من مصلحة تركيا وإسرائيل تقسيم سورية نهائياً، لأنهم لن يتحكموا بالقرار السياسي لسلطة منتهية، وسلطات أمر واقع مهلهلة تدور في فلك قوى أخرى غير معروفة المصالح، وسيكون التنافس التركي الإسرائيلي عندئذٍ مدمر للطرفين”.
من جهته، اعتبر الصحفي هاشم، أن “التوترات التركية مع إسرائيل فيما يخص سورية، لحظية وآنية، ولن تغير شيء على الأرض، لأن النفوذ التركي في سورية سيبقى رغم العداء الإسرائيلي، ولأن تركيا واسرائيل أصدقاء، ولكن في الملف السوري هناك عداوة”.
وأشار إلى أنه “من الممكن أن تتطور العلاقة بين تركيا وإسرائيل لاحقاً لتفاهمات ثنائية، وهذا سيحقق استقراراً أكبر في سورية، ولا أظن أن هذا العداء والخلاف سيطول أكثر من ذلك”.
تخفيف العقوبات البريطانية لا قيمة لها
بوقت تتصاعد فيه الدعوات لرفع العقوبات الغربية المفروضة على سورية، بهدف دعم جهود الإعمار وتخفيف المعاناة الإنسانية، رفعت بريطانيا يوم الخميس 24أبريل / نيسان العقوبات المفروضة على وزارتي الدفاع والداخلية، والمخابرات السورية.
اعتبر الصحفي هاشم أن “رفع العقوبات البريطانية لاقيمة لها، فهي معنوية أكثر من كونها مادية، لأنهم رفعوا العقوبات عن مؤسسات عسكرية لا وجود لها، وانتهت مع سقوط النظام السابق، وطالما بريطانيا منفصلة عن الإتحاد الأوروبي، فهو موقف دولة ليس له أثر كبير، خاصة أن بريطانيا اليوم ليس لديها ما تقدمه مقارنة مع باقي الدول”.
وفي هذا السياق أكد د. مسعد أن “رفع العقوبات البريطانية لم يكن كاملاً ولا متكاملاً، لأنه موجه بشكل خاص حول الأمن، لأن لبريطانيا كما لأوروبا مصالح أمنية في سورية”، مخمناً أن “هذا القرار بالنسبة لبريطانيا قد يكون لشراء معدات تقنية وتكنولوجية عالية، ويسهل عملية المدفوعات لشراء هذه الإمكانيات”.
واشنطن ودمشق تناغم مشروط
واشنطن لا تزال تشكك في قدرة الإدارة السورية الجديدة بالحفاظ على السلم الأهلي وضمان حقوق الأقليات، ومن هذا المنطلق لا تزال تحتفظ بعدم رفعها للعقوبات المفروضة على سورية، لحين إثبات حسن نية دمشق من خلال إجراءات عملية على الأرض، حيث نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة، الثلاثاء 25 آذار / مارس، قولها إن الولايات المتحدة سلمت سورية قائمة شروط تريد الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، ومنها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة.
وفيما يتعلق بموقف واشنطن من الإدارة السورية الجديدة، ومحاولات دمشق تقريب وجهات النظر معها، قال الصحفي هاشم إن “سورية تحاول جاهدة كسب ود القيادة الأميركية، وتطوير العلاقات معها، وهو أمر جيد مبدأياً، فالدبلوماسية السياسية السورية الخارجية تعمل بشكل صحيح، وعلى أكثر من منحى، وكما يقال تعمل من تحت الطاولة وفوقها، والمقصود بتحت الطاولة هوعبر مؤسسات وأفرد ودول، للضغط على الإدارة الأميركية، بما يتعلق بموضوع رفع العقوبات تحديداً، وهذا الأمر مشروع طالما الهدف رفع العقوبات”، حسب تعبيره.
واعتبر هاشم أن “الشروط الأميركية، ليست عادية، وقاسية، ولكن كما قالت الخارجية السورية فإن سورية الجديدة وتطلعاتها تتفق مع هذه الشروط في غالبيتها”، معتقداً أن “قرار واشنطن برفع العقوبات قد يأخذ وقتاً طويلاً، لذلك لا يمكن التعويل عليه حالياً، وربط أي اجراءات داخلية بموضوع العقوبات، منوهاً أنه “إذا تمت معالجة باقي الملفات الاقتصادية والخدمية والإجتماعية، وكذلك حماية حقوق الأقليات، قد نرى أن الملف قد اتجه نحو الحل اتوماتيكياً”.
دمشق وقسد .. اتفاق هش والنوايا غير صادقة
الترحيب العربي والعالمي بالتوصل لاتفاق بين دمشق وقوات سورية الديقراطية “قسد”، تحول لخيبة، بعد التوترات بين الطرفين والتي بدأت تهدد بانفجار الاتفاق، حيث كشفت وسائل إعلام عربية عن “تعليق العمل” بالإتفاق بين الحكومة السورية وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد في حلب، مؤكدةً أن اللجنة المشتركة المكلفة بتطبيق الإتفاق تواجه تحديات كبيرة.
وتعليقاً على المخاوف من نقض الاتفاق بين دمشق وقسد، قال الصحفي السوري هاني هاشم أن “الإتفاق بين دمشق وقسد منذ البداية هش، على اعتبار أن هناك تجاذبات سياسية كبيرة”، وهو ما أشار إليه أيضاً د.اليان مسعد رئيس وفد التفاوض إلى محادثات جنيف.
ولفت هاشم إلى أن “قسد أقرب للإدارة الحالية أكثر من النظام السابق، وبالتالي المشتركات أكبر والكرة اليوم في ملعب الإدارة الجديدة، على اعتبار أن قسد مطالبها معروفة، ومن الممكن الجلوس على الطاولة، والتفاهم لإيجاد حلول، أبرزها اللامركزية الإدارية في سورية، والتي لا تقلل من قيمة الدولة ولا هيبتها، ولا تعرضها لخطر تقسيمي، ولكن التعنت بالمركزية هو الذي من الممكن أن يعرقل هذا الملف”.
وشدد هاشم على أن “حقوق الأقليات هي مطلب حق، وواجب على الدولة السورية، وهو ما تغافل عنه النظام السابق، لأن السوريين ليسوا جميعهم عرب، هناك أكراد، أرمن، تركمان، شركس وغيرهم، حتى وإن كانوا أقليات لكن لهم وجودهم “.
منسق الجبهة الديمقراطية العلمانية للسلام حول سورية، الدكتور اليان مسعد كان له رأي مشابه لما قاله الصحفي هاني هاشم، حيث اعتبر أيضاً أن “الإتفاق بين دمشق وقسد أصبح هشاً”، عازياً الأسباب إلى أن “النوايا لم تكن صادقة، كما أن دخول عامل آخر وهو المجموعات الكردية في العراق على الخط، جعله أكثر هشاشة، وبالتالي أصبح الإتفاق مع قسد مشروط بتفاهمات مع جهات أخرى خارجية، تشمل العراق، وبطرف خفي حزب العمال الكردستاني التركي”.
أطراف خارجية تشعل فتيل حرب أهلية
تسجيل صوتي مسيء للرسول محمد “ص”، يبدو أنه مفبرك هدفه إشعال فتنة طائفية، أجج الشارع السوري، نتج عنه اشتباكات عنيفة في مدينتي جرمانا وصحنايا بريف دمشق يوم الأربعاء 30 أبريل / نيسان.
وحول التجاوزات التي حصلت في الساحل والسويداء، قال هاشم إن “ما حصل في الداخل هي أخطاء كان يجب تلافيها من قبل الإدارة الجديدة”، منوهاً أنه “تم تلافيها إلى حد ما وبطريقة كبيرة في جرمانا وصحنايا والسويداء، ولكن رغم ذلك هناك أخطاء حصلت، حتى وإن كانت أقل دموية من الساحل”.
وتابع أنه ” بالمحصلة الموضوع معقد ومركب جداً بما يخص المكون الدرزي تحديداً، على اعتبار أن هناك من يتصيد بالماء العكر، من دول وكيانات، كالكيان الإسرائيلي، الذي يحاول فرض التقسيم في سورية عبر هذا الملف تحديداً، ليس حباً بالمكون الدرزي، ولكن لغاية بالإمعان في تقسيم سورية، والشعب السوري، والدولة السورية”.
ورأى هاشم أن “مواجهة هذه الخطط يجب أن تكون من خلال توحيد الكلمة السورية، وإعطاء الإدارة الجديدة التطمينات لكل المكونات، والأقليات، وكل الشعب السوري دون استثناء، لكي ترسي دعائم الحكم، وتسيطر على الملف السوري داخلياً وخارجياً”.
“ليس هنالك طرف ثالث يحاول إثارة الفوضى بين الإدارة الجديدة والمكونات السورية، بل هناك أطراف كثيرة”، هذا ما قاله د.مسعد، الذي أكد أن “مشروع تقسيم سورية سيسقط، ولكن لم يسقط مشروع إضعافها”.
عدالة انتقالية لا تستثني أحداً !!
وفيما يتعلق بملف العدالة الإنتقالية وسبل تطبيقها، أكد د. مسعد أن “هذا الموضوع يحتاج إلى هيئة للعدالة الإنتقالية، مع جهاز إداري كامل، ووثائق تُقدم من محفوظات أجهزة السلطة السابقة، ومن شكاوي المواطنين، ومن محفوظات وتحقيقات السلطة الجديدة”، مشيراً إلى أن “نجاح تطبيق العدالة الانتقالية يتبع لمقدار إرادة السلطة الجديدة، إذا كانت تريد أن تاخذ هذا المسار، فهذا المسار له اشكالياته، لأن العدالة الإنتقالية قد تشمل كل الأطراف، ومن الطبيعي أن المسؤول الأكبر هو النظام السابق، لكن ستشمل آخرين”.
وأضاف مسعد أنه “نحن كمعارضة داخل يجب أن نكون في صلب أجهزة العدالة الانتقالية، لأننا نحن شاهدنا بأعيننا ما جرى، لذلك لدي شكوك بنجاح تطبيق العدالة الانتقالية، لأنها تحتاج للإرادة، وأيضا جهاز متكامل يتمتع بالشفافية، والحيادية، والعدالة التي لا تستثني أحداً، فكيف ستؤمن عدلة لا تستثني أحد؟”.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.