صدام في شوارع لوس أنجلوس بين الأمن والمتظاهرين.. ونيران السياسة تشتعل بين ترامب ونيوسوم (خاص)

2

كتب : إسلام ماجد
في تطور دراماتيكي جديد يعكس تصاعد التوترات السياسية والميدانية داخل الولايات المتحدة، اندلع خلاف حاد بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وحاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، وذلك على خلفية قرار غير مسبوق بنشر قوات عسكرية في شوارع لوس أنجلوس للتعامل مع احتجاجات ضد سياسات الهجرة المثيرة للجدل.

بدأ المشهد حينما قرر ترامب إرسال آلاف من عناصر الحرس الوطني، ومئات من جنود مشاة البحرية إلى المدينة المضطربة، في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات التي تصاعدت عقب تنفيذ قرارات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين. قرارٌ اعتبره ترامب ضرورياً لحماية الممتلكات العامة، ومنع انزلاق الأوضاع إلى ما وصفه بـ”التمرد”.

إلا أن هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام، حيث نشر نيوسوم صوراً مؤثرة على منصة “إكس” تُظهر جنود الحرس الوطني وهم نائمون على الأرض دون معدات أو مقومات أساسية، وعلّق قائلاً: “إذا كان هناك من يُهين جنودنا، فهو أنت”، موجهاً حديثه لترامب، ومتهماً إياه بإرسال الجنود بلا مأوى، ولا طعام، ولا حتى ماء، في استغلال واضح لسلطته وتحويل الجنود إلى أدوات سياسية في صراع داخلي.

تصريحات نيوسوم حملت لهجة غاضبة، اتهم فيها الرئيس السابق بعدم احترام الجنود الذين خدموا البلاد بشرف عبر حروب متعددة، وقال: “ما يحدث ليس لأجل السلامة العامة، بل هو استعراض خطير من رئيس مهووس بالسلطة”.

في المقابل، سارع ترامب إلى الرد عبر منصته “تروث سوشال”، متهماً نيوسوم بعدم الكفاءة، والعجز عن حماية موظفي إنفاذ القانون من اعتداءات من سماهم بـ”المحرضين والمتمردين”، مضيفاً أنه لم يكن يملك خياراً سوى التدخل العسكري.

وعلى الأرض، بدت شوارع لوس أنجلوس صباح الإثنين هادئة نسبياً، لكن آثار المواجهات العنيفة كانت واضحة، فالهواء لا يزال مشبعاً بالدخان، بعد اشتعال سيارات ذاتية القيادة خلال تظاهرات شهدت عنفاً متبادلاً بين المتظاهرين وقوات الشرطة، التي استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، لتفريق الحشود.

وأمام مركز الاحتجاز الفيدرالي، أحد أبرز مواقع الاشتباكات، انتشرت قوات الشرطة بشكل مكثف في محاولة لفرض الطوق الأمني، بينما اعتقلت شرطة المدينة عدداً من المحتجين الذين خرقوا حظر التجول، وواصلوا الاحتجاج على سياسة الترحيل الجماعي.

الجيش الأميركي أوضح أن الهدف من نشر قوات المارينز هو دعم قوة المهام رقم 51، وتوفير تغطية مستمرة لحماية البنية الفيدرالية، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

في الوقت نفسه، أشعلت تصريحات ترامب ونيوسوم موجة من الجدل السياسي داخل الأوساط الأميركية، إذ وصف نيوسوم نشر القوات بأنه “حصار عسكري على لوس أنجلوس”، ما دفع مسؤولي البيت الأبيض إلى الرد بسلسلة من التصريحات الهجومية.

فقد سخر مدير الاتصالات في البيت الأبيض من تصريحات نيوسوم، قائلاً إنه “يستخدم أساليب الحملة الفاشلة لهاريس وبايدن”، بينما اعتبر نائب رئيس موظفي البيت الأبيض أن الحزب الديمقراطي يسعى “لإغراق المدن بالمهاجرين”، على حد وصفه.

أما نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، فاعتبرت انتقادات نيوسوم مجرد محاولة لصرف الأنظار عن فشله في إدارة الولاية، معتبرة أن الهجوم على ترامب لم يعد مفاجئاً، بل أصبح جزءاً من أسلوب نيوسوم المعتاد.

التحركات العسكرية على الأراضي الأميركية، والتي نادراً ما تحدث، فتحت أيضاً باب النقاش الحقوقي، حيث حذر ناشطون من مخاطر عسكرة الحياة المدنية، واستخدام القوات المسلحة لمواجهة المواطنين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تآكل القيم الديمقراطية التي تقوم عليها البلاد.

في هذا المناخ المشحون سياسياً وشعبياً، تبقى مدينة لوس أنجلوس ساحة مواجهة مفتوحة بين قرارات السلطة الفيدرالية وغضب الشارع الأميركي، وبين رئيس سابق يسعى للظهور بمظهر الحامي، وحاكم محلي يندد بما يراه انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنين، واستخداماً سياسياً للمؤسسة العسكرية.

ومع استمرار التظاهرات والاعتقالات، وتبادل الاتهامات بين القادة، يبدو أن هذه الأزمة لن تهدأ قريباً، بل قد تكون مقدمة لموجة أعمق من الانقسامات التي تمزق الداخل الأميركي، وتعيد طرح سؤال قديم جديد: إلى أين تتجه ديمقراطية أميركا في زمن الاضطرابات؟

في تصريحات خاصة لـ«نافذة الشرق»، أكدت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية، أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد مرحلة غير مسبوقة من التوتر المؤسسي، بسبب طبيعة الإدارة الحالية للرئيس الأمريكي، الذي يمارس ضغوطًا واضحة بسلطته التنفيذية على سلطة الولايات، ويتدخل في اختصاصاتها، وهو ما يعد تجاوزًا لمبادئ النظام الفيدرالي الذي تقوم عليه الدولة الأمريكية.

وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي لا يشبه سابقيه من حيث الأسلوب أو السياسات، حيث يشن حملة مستمرة ضد المهاجرين غير الشرعيين، ويسعى لتقليص أعدادهم، بشكل يتعارض مع التوجهات الإنسانية التي كانت تحظى بتوافق نسبي داخل المجتمع الأمريكي، مضيفة أن هذا النهج لم يحظَ بالإجماع الشعبي، وهو ما يفسر حالة الانقسام التي تشهدها البلاد.

وأضافت الدكتورة نهى بكر، في تصريحاتها الخاصة لـ«نافذة الشرق»، أن ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة داخلية، بل تطور ستكون له تداعيات على المستوى الدولي، وعلى مفهوم القانون الدولي ذاته، خاصة في ظل سياسات أحادية تتحدى أحيانًا المؤسسات الأمريكية العريقة، كالمحكمة العليا والكونغرس، مؤكدة أن ترامب يحاول تجاوز سلطات هذه المؤسسات أو الالتفاف عليها، وهو ما يفتح الباب لتوترات أكبر مستقبلًا.

وحول التراشق الذي حدث بين الرئيس الأمريكي وحاكم ولاية كاليفورنيا، أوضحت أستاذة العلوم السياسية أن هذا التوتر هو انعكاس طبيعي لرغبة الولايات في الحفاظ على استقلاليتها في اتخاذ القرارات المحلية دون تدخل من السلطة الفيدرالية، مشددة على أن ما يحدث الآن قد يكون بداية لسلسلة من الخلافات الفيدرالية، التي ستتصاعد خلال المرحلة المقبلة، نتيجة محاولات فرض السيطرة من جانب الرئيس الأمريكي على حساب صلاحيات حكام الولايات

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.