صراع الفردي في انتخابات الشيوخ 2025.. تنسيق محدود ومنافسة مشتعلة بين الأحزاب
عبد الرحمن السيد
رغم استمرار التنسيق السياسي بين الأحزاب على مستوى القوائم الوطنية، إلا أن المشهد يبدو مختلفًا تمامًا على مستوى الانتخابات الفردية لمجلس الشيوخ 2025، حيث يحتدم الصراع بشراسة، في ظل انخراط عدد محدود من الأحزاب في تنسيق واضح، بينما فضّلت أحزاب أخرى الانسحاب من المنافسة الفردية أو خوضها على استحياء، وسط حالة من القلق والتذمر لدى بعض القوى السياسية بسبب ضعف تمثيلها في القائمة الوطنية.
تنسيق رباعي يوزع الدوائر
في مشهد يُعيد تشكيل معادلة الفردي، برز تحالف رباعي غير معلن بوضوح لكنه ينعكس على أرض الواقع، يضم أحزاب: مستقبل وطن، حماة الوطن، الشعب الجمهوري، والجبهة الوطنية، حيث تقاسمت هذه الأحزاب معظم الدوائر الفردية في المحافظات الكبرى، ما يعكس تنسيقًا ضمنيًا لتفادي التنافس داخل الكتلة السياسية الواحدة.
فعلى سبيل المثال، في محافظة القاهرة المخصصة لها 10 مقاعد فردية، دفع حزب مستقبل وطن بـ7 مرشحين دفعة واحدة، مقابل مرشحين اثنين لحزب حماة الوطن، فيما ذهب المقعد العاشر لصالح الشعب الجمهوري، وهو توزيع محسوب يعكس إدراكًا لأهمية توزيع الجهود بدلًا من التناحر الداخلي.
أما في أسوان، التي تضم مقعدين فقط، فقد تم تقسيم المشهد بالتساوي بين مستقبل وطن وحماة الوطن بواقع مرشح واحد لكل حزب. وفي أسيوط، ترشح 3 من “مستقبل وطن” من أصل 5 مقاعد، مقابل مقعد لـ”حماة الوطن” وآخر لـ”الجبهة الوطنية”. وفي سوهاج، استحوذ “مستقبل وطن” على 4 مقاعد وترك الخامس لـ”حماة الوطن”.
أرقام المشاركة.. هيمنة واضحة
توضح خريطة الترشيحات الفردية تفوقًا عدديًا لحزب مستقبل وطن الذي يخوض الانتخابات على 60 مقعدًا فرديًا، في مقابل 25 مقعدًا لحزب حماة الوطن، و10 مقاعدللجبهة الوطنية، و9 مقاعد لحزب الاتحاد.
بينما يشارك حزب العدل بـ20 مرشحًا على مستوى الجمهورية، وسط توقعات بمنافسة شرسة في عدد من المحافظات، رغم استبعاد مرشح له في الجيزة، تقدم الحزب بطعن لإعادته.
أما حزب النور، فيخوض المنافسة على 15 مقعدًا فرديًا، مع استبعاد مرشح في الجيزة أيضًا، مما قد يُضعف من فرصه في حصد مقاعد تُمكّنه من الحضور تحت القبة.
وفي المقابل، فضل المصري الديمقراطي الاجتماعي المشاركة المحدودة على 3 مقاعد فقط بحسب تصريح د. منى شماخ المتحدث باسم الحزب لـ “نافذة الشرق”، بينما غاب حزب التجمع عن منافسات الفردي تمامًا، بعد الاكتفاء بمقعدين فقط في القائمة الوطنية، وهو ما يعني تراجع تمثيله من 3 مقاعد في المجلس الحالي إلى مقعدين فقط في البرلمان المقبل.
الوفد.. غضب وتمثيل ضعيف
أكثر الأحزاب التي أبدت انزعاجًا من حصتها في انتخابات الشيوخ هو حزب الوفد، الذي لم يحصل سوى على مقعدين فقط ضمن القائمة الوطنية، بعد أن كان يمتلك 10 مقاعد في المجلس الحالي.
ورغم قراره بخوض الانتخابات على المقاعد الفردية، إلا أن المراقبين يرون أن فرصه في الفوز ضعيفة، في ظل انكماش قاعدته الجماهيرية وتراجع تأثيره في عدد من الدوائر. وهو ما عبر عنه رئيس الحزب صراحة بقوله: “ربنا يسترها عليهم”، في إشارة إلى صعوبة المشهد الانتخابي.
العدل.. نخبة جديدة تتحدى الصراع
من جهته، أعلن الكاتب الصحفي معتز الشناوي، المتحدث الرسمي باسم حزب العدل، أن الحزب يشارك في الانتخابات بـ20 مرشحًا يمثلون كوكبة من أصحاب الكفاءة والخبرة، مشيرًا إلى أن الحزب يهدف إلى بعث الأمل لدى المواطنين من خلال وجوه جديدة قادرة على تقديم نموذج فعّال في العمل النيابي.
وأوضح الشناوي أن مرشحي الحزب يتمتعون بخبرة تشريعية وإدارية ومجتمعية، وأن الحملة الانتخابية تركز على التفاعل المباشر مع المواطنين وتوضيح برنامج الحزب القائم على العدالة الاجتماعية، وتحسين جودة الخدمات، وتمكين الشباب والمرأة.
وجاء توزيع مرشحي الحزب على عدة محافظات أبرزها:
القاهرة: 6 مرشحين بينهم د. أحمد عادل درويش، ود. مروة الشافعي.
الإسكندرية: مرشحان.
الجيزة، البحيرة، السويس، البحر الأحمر: مرشح لكل محافظة.
أسيوط: 3 مرشحين.
سوهاج، الأقصر، أسوان، الوادي الجديد، قنا: مرشح لكل منها.
خريطة التحالفات وموازين القوى
ما يميز انتخابات الشيوخ الحالية هو اتساع الفجوة بين أحزاب الصف الأول وبقية القوى السياسية، فبينما تستحوذ أربعة أحزاب فقط على أغلب ترشيحات الفردي، تبدو باقي الأحزاب في موقع “الكمّ المكمّل”، إما مكتفية بالقائمة الوطنية أو تخوض الانتخابات بعدد محدود من المرشحين على أمل تحقيق مفاجآت فردية.
ويجمع مراقبون على أن التنسيق المحدود بين عدد من الأحزاب الكبرى يهدف لتقليل خسائرهم وتجنب معارك جانبية قد تُضعف فرص الفوز في مواجهة المرشحين المستقلين أو المنافسين من القوى الأخرى، لكنه في الوقت ذاته يُقصي بعض الأحزاب من المشهد ويعزز من هيمنة كتل بعينها على الحياة النيابية.
المستقلون في مواجهة “الماكينات التنظيمية”
رغم سيطرة الأحزاب الكبرى على الترشيحات، فإن عددًا من المرشحين المستقلين قرروا خوض معركة الفردي في بعض المحافظات، اعتمادًا على رصيد شعبي أو خدمات محلية، إلا أن فرصهم تظل ضعيفة في مواجهة “الماكينات التنظيمية” للأحزاب، خصوصًا مستقبل وطن، وحماة الوطن، اللذين يتمتعان بانتشار كبير على مستوى المحافظات.
وتتجه انتخابات مجلس الشيوخ 2025 إلى تكريس واقع جديد في معادلة الفردي، يُبرز هيمنة أربعة أحزاب فقط على أغلب المقاعد، بينما تتراجع أحزاب تاريخية مثل الوفد والتجمع إلى الظل، وسط تساؤلات حول مدى انعكاس هذا التوزيع على تنوع التمثيل داخل الغرفة الثانية للبرلمان.
ورغم حالة التنسيق الظاهر بين بعض الأحزاب، إلا أن الأيام المقبلة ستكشف إن كانت هذه التفاهمات قادرة على الصمود حتى خط النهاية، أم أن صراع المصالح سيشعل معارك داخل المعسكر الواحد، في واحدة من أكثر جولات الشيوخ سخونة منذ عودته للحياة النيابية عام 2020.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.