صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.. التحديات والتوقيت

52

كتبت: هدير البحيري

أعلنت شركة “نيو ميد إنيرجي”، الشريك في حقل الغاز الإسرائيلي ليفياثان، عن توقيع تعديل كبير على اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، يتضمن زيادة غير مسبوقة في الكميات المستوردة، مع تمديد فترة التعاقد حتى عام 2040، في ما يُعد أكبر صفقة من نوعها بتاريخ تجارة الطاقة بين الجانبين.
وفق بيان الشركة، يتضمن التعديل إضافة نحو 4.6 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي (ما يعادل نحو 130 مليار متر مكعب) إلى الاتفاق الأصلي، موزعة على مرحلتين، الأولى تشمل ضخ نحو 706 مليارات قدم مكعب (20 مليار متر مكعب) فور دخول التعديل حيز التنفيذ، في حين تنص المرحلة الثانية على توريد ما يصل إلى 3.9 تريليون قدم مكعب (110 مليارات متر مكعب)، وذلك مشروط بتنفيذ استثمارات إضافية وتوسعة في البنية التحتية لنقل الغاز.
كما نص الاتفاق على تمديد الإمدادات حتى عام 2040، أو لحين استكمال تصدير الكميات المضافة، أيهما يأتي أولاً.
أوضحت شركة “نيو ميد إنرجي” في بيانها الرسمي أن الإيرادات المحتملة من الاتفاق المعدل قد تصل إلى 35 مليار دولار في حال تصدير كامل الكميات المتفق عليها حتى انتهاء فترة العقد.
وتُعد هذه الصفقة الأكبر من نوعها بين مصر وإسرائيل في مجال الطاقة، وتأتي في وقت تسعى فيه القاهرة لتعزيز إمدادات الغاز المحلية، تلبيةً للطلب المتنامي، ودعم خططها التصديرية الإقليمية. كما تعكس هذه الخطوة طموحات مصر في أن تصبح مركزًا إقليميًا رئيسيًا لتداول الطاقة في منطقة شرق المتوسط.
قال المتحدث الرسمي بوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، معتز عاطف أن هذه الصفقة امتدادًا لاتفاقية قائمة من 2019، وذلك يأتي في إطار استراتيجية الوزارة لتنويع مصادر الطاقة، لعدم الاعتماد على مصدر واحد.

وأكد أن هذا يهدف إلى تعزيز تداول الغاز داخل السوق المصرية وتحقيق هدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، إلى جانب استخدامه في الاستهلاك المحلي وإعادة تصديره.

وفيما يتعلق بمدة الاتفاقية الجديدة الممتدة حتى عام 2040 وقيمتها المعلنة البالغة 35 مليار دولار، أوضح عاطف أن هذا الرقم ليس نهائيًا، مضيفًا: “العمل بعقود طويلة الأجل يحقق لنا تأمينًا استراتيجيًا لمصادر الطاقة، بحيث إذا احتجنا الغاز يكون متوفرًا، وإذا لم نحتاجه لا تكون هناك مشكلة، لكن الأهم هو ضمان وجوده كمصدر بديل للتأمين”.

وقال مسؤولون في وزارة البترول المصرية إن مصر تعظم الاستفادة الاقتصادية من الغاز الطبيعي المستورد من إسرائيل، سواء من خلال توجيهه للاستخدام المحلي أو عبر إعادة تصديره كغاز مسال عبر مجمعات إسالة الغاز في إدكو ودمياط على الساحل الشمالي للبلاد.

وأوضح المصدر أن مصر تعمل كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وفي حال وجود فائض من الغاز عن احتياجات السوق المحلي، تتم معالجته وتسييله لإعادة تصديره بأسعار أعلى، مما يعزز العائد الاقتصادي.

وأضاف المسؤولون أن الغاز يُستخدم أيضًا كمادة خام في صناعات حيوية مثل الأسمدة والبتروكيماويات، ما يسهم في توفير منتجات للسوق المحلية أو تصديرها، مما يدعم الاقتصاد الوطني بشكل أكبر.

وأشاروا إلى أن أولوية استخدام الغاز حاليًا تتركز في السوق المحلي، إلا أنه مع تحسن الظروف وزيادة الإنتاج المحلي، قد يُعاد تصدير جزء من الكميات المستوردة. كما أوضحوا أن مصر تحصل حاليًا على نحو مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الإسرائيلي.”

أوضح مستشار منظمة اليونيسيف لتحليل البيانات، الدكتور رشاد حامد، عبر حسابه الرسمي في منصة “إكس” أن مصر رغم تحقيقها للاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي حتى عام 2020 بفضل اكتشافات استراتيجية مثل حقل “ظهر”، تواجه اليوم تحديات نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب الداخلي، لا سيما من قطاع الكهرباء. هذه الظروف دفعت الحكومة للبحث عن مصادر خارجية لسد الفجوة وضمان استمرار صادرات الغاز المسال.

وأضاف حامد أن الغاز الإسرائيلي يُعتبر خيارًا مستقرًا ومنخفض التكلفة، حيث يمكن استخدامه محليًا أو إعادة تصديره عبر محطات الإسالة المصرية، مما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة في المنطقة.

وأشار إلى أن المكاسب الاقتصادية المتوقعة من الصفقة تنقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية. فإعادة تصدير 60% من الغاز بعد تسييله تدر على مصر عائدًا صافيًا يقدر بنحو 22 مليار دولار حتى عام 2040. وتفصيلًا، تبلغ تكلفة شراء الغاز 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين يصل سعر التصدير العالمي إلى 15 دولارًا، ما يمنح مصر فرقًا صافيًا بقيمة 8 دولارات لكل وحدة، مع كمية معاد تصديرها تصل إلى نحو 78 مليار متر مكعب، ليبلغ العائد الإجمالي نحو 22.03 مليار دولار.

ولفت إلى أن المكاسب الإضافية تشمل رسوم استخدام محطات الإسالة في إدكو ودمياط، التي تتراوح بين 1.5 و2 دولار لكل وحدة حرارية، بالإضافة إلى رسوم النقل عبر شبكة الأنابيب، والعوائد الضريبية وفرص التوظيف الناتجة عن العمليات الفنية واللوجستية داخل مصر.

وأكد أن نحو 40% من الغاز يُستخدم محليًا، مما يلغي الحاجة لاستيراد الوقود السائل مثل الغاز المسال والسولار، ويسهم في تحسين الميزان التجاري وتعزيز احتياطي النقد الأجنبي.

بذلك، يبلغ إجمالي المكاسب الاقتصادية المتوقعة نحو 52 مليار دولار، موزعة بين 22 مليار دولار من عوائد إعادة التصدير و30 مليار دولار من المكاسب الإضافية.

وفيما يتعلق بالبدائل، أوضح حامد أن مصر تواجه تحديات كبيرة في الاعتماد على مصادر أخرى. فعلى سبيل المثال، حقل “أفروديت” في قبرص واعد لكنه متأخر في التطوير، والخط المزمع لنقل الغاز لن يكون جاهزًا قبل عام 2027 أو 2028. كما أن الغاز المسال العالمي يُعد خيارًا مكلفًا بتكلفة تتراوح بين 9.5 و16.5 دولار لكل وحدة حرارية، مقارنة بتكلفة الغاز الإسرائيلي، التي تتراوح بين 6 و8 دولارات، ما يمثل فرق تكلفة يصل إلى 27.5 مليار دولار. أما العراق وليبيا تواجهان حاليًا تحديات كبيرة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية، مما يجعل الاعتماد عليهما غير عملي في الوقت الراهن.
وعليه، يبقى الغاز الإسرائيلي المصدر الوحيد القادر على تلبية احتياجات مصر بكميات كبيرة، بأسعار تنافسية، وباستقرار في تدفقات الإمداد.

على الصعيد الاستراتيجي والسياسي، أكد حامد أن الصفقة تعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، خصوصًا من خلال منتدى غاز شرق المتوسط، الذي تتخذ القاهرة منه مقرًا، وتمتلك البنية التحتية الوحيدة القادرة على تسييل وتصدير الغاز إلى أوروبا. كما تمنح الصفقة مصر دورًا رئيسيًا كشريك للاتحاد الأوروبي في ملف أمن الطاقة، في ظل سعي أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، ما يفتح أبوابًا جديدة لتمويلات واستثمارات أوروبية في البنية التحتية المصرية.

واختتم بالقول إن الصفقة، رغم الجدل السياسي، الذي يرافقها، تمثل خيارًا عقلانيًا واستراتيجيًا في الوقت الحالي، نظرًا للفوائد الاقتصادية المباشرة والتكلفة المنخفضة، إضافة إلى المكاسب السياسية الكبيرة.
لكنه شدد على أهمية استمرار مصر في تعزيز استثمارات التنقيب والإنتاج المحلي، وتسريع مشاريع الربط مع قبرص وليبيا، مع الحفاظ على التوازن السياسي مع شركاء المنطقة.
من جانبه، يقول خبير الشؤون الاسرائيلية، محمد البحيري إن صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل جاءت في إطار منتدى غاز البحر الأبيض المتوسط، الذي تقوده مصر بهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة.
ويضم هذا المنتدى الأردن والسلطة الفلسطينية واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا بالإضافة إلى إسرائيل. وانضمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة مراقبين.
ويوضح البحيري، في حوار خاص لـ”نافذة الشرق” أن هذا المنتدى يعتمد على موقع مصر المتميز والمحوري والمركزي في المنطقة، بالإضافة إلى ما تتمتع به من استقرار سياسي وامكانيات اقتصادية.
ويضيف: “جاءت الصفقة بين مصر وإسرائيل في إطار عدد من المعطيات، منها أن مصر تحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز لمواكبة زيادة استهلاكها من الكهرباء سواء بسبب زيادة السكان أو أعداد اللاجئين المقيمين على أرضها من سودانيين وفلسطينيين وسوريين ويمنيين بالإضافة إلى لبنانيين وعراقيين وليبيين وغيرهم من المقيمين من جنسيات عربية وأجنبية”.
ويتابع البحيري: “يضاف إلى ذلك زيادة استهلاك مصر من الطاقة بسبب الطفرة الحادثة في مختلف الأنشطة الاقتصادية، لا سيما الصناعية لمواكبة احتياجات آلاف المصانع الجديدة والمناطق الاقتصادية الجديدة الموزعة في مختلف أنحاء مصر، وينبغي الانتباه إلى أننا عندما نتحدث عن مدينة سكنية جديدة أو كومباوند جديد، فنحن نتحدث عمليًا عن زيادة باستهلاك الطاقة لا بد من توفيرها لتمكين هذه المجتمعات من الوجود والحياة”.
ويلفت خبير الشؤون الاسرائيلية إلى أنه على الجانب المصري أيضًا، تقوم فكرة منتدى الغاز على أن تقوم مصر بشراءه ثم إعادة بيعه لجهات أخرى من أجل تحقيق أرباح اقتصادية واستراتيجية، لا سيما في أوروبا، التي تحتاج الغاز بشدة في إطار تخليها عن الغاز الروسي بدعم أمريكي.
وطبعا نحن نتحدث عن شراء الغاز لمصر، سنتكلم في نقطتين أساسيتين، الأولى هي السعر، والثانية هي تكاليف ومدة النقل والتأمين.
ويقول البحيري: “على الجانب الإسرائيلي، نتحدث عن كميات هائلة من الغاز، لا تستطيع إسرائيل تصديرها بسبب صعوبة وتكلفة النقل. أضف إلى ذلك وجود الأنبوب، الذي كانت مصر تستخدمه في تصدير الغاز إلى إسرائيل، وهي أموال أنفقت بالفعل في إطار صفقة سابقة، والآن سنستخدمه في الغرض نفسه لكن باتجاه معاكس، أي من إسرائيل إلى مصر. ما يعني أن التكلفة لن تذكر عند مقارنتها بمصادر ووسائل أخرى. كما أن السعر مغري جدا، ما يعني تحقيق أكبر فائدة للاقتصاد المصري من حيث توفير احتياجاته من الطاقة وبأقل تكلفة ممكنة”.
وعن المعارضين للصفقة من منطلقات سياسية، يختتم البحيري حديثه قائلًا: “أطالبهم باعتبار هذه الصفقة عملية لاستعادة غازنا المصري، الذي صدرناه لإسرائيل في السابق! أي أننا نسترد غازنا مرة اخرى!”

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.