عرض ماكرون للمظلة النووية.. استقلال أوروبي أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟(خاص)
كتبت بسمة هاني
في خطوة أثارت كثيرًا من الجدل داخل أوروبا وخارجها، أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح فكرة توسيع نطاق “المظلة النووية الفرنسية” لتشمل القارة الأوروبية بأكملها، في ظل تزايد التهديدات الأمنية وتراجع الثقة الأوروبية بالحماية الأمريكية في عهد ما بعد ترامب.
وقال الدكتور عبدالله نعمة، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن ماكرون لم يأتِ بجديد تمامًا، بل يعيد إحياء مشروع يعود تاريخه إلى أكثر من ستين عامًا، حينما عرضت فرنسا ترسانتها النووية لأول مرة. وأضاف أن ماكرون يهدف من هذا الطرح إلى وضع بلاده في موقع القيادة الاستراتيجية لأمن أوروبا، وهو ما يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز البعد العسكري البحت.
ماكرون يقدم “مظلة نووية أوروبية”
وأشار الدكتور نعمة إلى أن العرض الفرنسي يتضمن توسيع نطاق الحماية النووية الفرنسية ليشمل حلفاء باريس الأوروبيين، في حال تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها النووية في إطار حلف الناتو، خصوصًا في ظل تزايد المخاوف من عودة إدارة أمريكية أقل التزامًا بأمن أوروبا، مثل إدارة ترامب. ولفت إلى أن هذا التصور يثير تساؤلات معقدة حول مدى جهوزية فرنسا لتحمّل هذا العبء، وقدرتها التقنية والسياسية على تحقيق ذلك.
عقيدة نووية فرنسية.. دفاعية أم رمزية؟
وأوضح الدكتور نعمة أن العقيدة النووية الفرنسية تُبنى على مبدأ الردع الدفاعي، وهي مصممة خصيصًا لحماية المصالح الحيوية الفرنسية، وليس القارة الأوروبية ككل. فهي تهدف إلى ردع أي محاولة عدوان من قبل سلطات أجنبية تستهدف أمن فرنسا أو مراكز قوتها.
وبالتالي، فإن توسيع نطاق هذه العقيدة إلى مستوى القارة يتطلب تعديلًا جذريًا في المفهوم الفرنسي للأمن والدفاع.
ردود فعل أوروبية متباينة
وشدد الدكتور نعمة على أن الدول الأوروبية الكبرى لم تتعامل مع طرح ماكرون بنفس الدرجة من الحماس. فقد عبّرت ألمانيا عن تأييدها المبدئي للفكرة، بينما أبدت إيطاليا وإسبانيا تحفظًا واضحًا، مشيرة إلى أهمية بقاء الناتو كمظلة أمنية موحدة.
أما بولندا، فقد أثارت صدمة بإعلان تطلعها لامتلاك أسلحة نووية خاصة بها، ما يعكس هشاشة التوافق داخل الاتحاد الأوروبي حيال هذا الملف الخطير.
قلق الدول الصغيرة والغير نووية
ونوّه الدكتور نعمة إلى أن الدول الصغيرة، وخصوصًا الواقعة في شرق أوروبا، تنظر إلى العرض الفرنسي بعين الريبة.
فهي تخشى أن يكون ذلك مقدمة لانقسام جديد داخل القارة بين دول نووية تتمتع بحماية مزدوجة، وأخرى تُترك لمصير غير مضمون في حال نشوب صراع واسع.
كما أن انتقال مظلة الحماية من واشنطن إلى باريس لا يعني بالضرورة مزيدًا من الأمان، بل قد يعني تراجعًا في مستوى الردع والالتزام العسكري.
رد أمريكي حذر وتحرك متريث من الناتو
ولفت الدكتور نعمة إلى أن واشنطن لم تُظهر ترحيبًا كبيرًا بالمبادرة الفرنسية، بل تعاملت معها بنوع من الحذر، معتبرة أنها قد تقوض وحدة حلف الناتو. كما أن حلف شمال الأطلسي لم يصدر موقفًا رسميًا داعمًا للفكرة، وهو ما يعكس توجّسًا من احتمال أن تؤدي مثل هذه الطروحات إلى تراجع الدور الأمريكي داخل الحلف، وربما تفكك بنيته الجماعية على المدى البعيد.
فرنسا… طموح كبير وقدرات محدودة
وأكد الدكتور عبدالله نعمة أن الطموح الفرنسي لا يقابله واقع عملي متكامل، فعدد الرؤوس النووية الفرنسية ووسائل إطلاقها لا يرقى لمستوى الردع القاري الكامل، خصوصًا إذا ما قورن بالترسانة الروسية التي تتفوق عدديًا ونوعيًا. وأضاف أن ماكرون قد يستخدم هذا الطرح كورقة ضغط سياسية لثني الولايات المتحدة عن أي نية للتخلي عن حلفائها الأوروبيين، خاصة في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
مظلة نووية أم خدعة سياسية؟
وختم الدكتور عبدالله نعمة حديثه بالتأكيد على أن المبادرة الفرنسية لا تزال حتى الآن أقرب إلى الخطاب السياسي منها إلى المشروع العسكري القابل للتنفيذ. ففرنسا، وإن كانت قادرة على الدفاع عن نفسها، إلا أن الدفاع عن القارة الأوروبية بأسرها يتطلب تحالفًا أكثر تماسكًا، وقدرات أكبر بكثير من تلك المتوفرة حاليًا. وأكد أن الأيام المقبلة ستحدد إن كانت هذه الفكرة ستمضي في طريق التنفيذ، أم ستبقى مجرد وسيلة ضغط سياسية في لعبة التوازنات.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.