غاز أذربيجان إلى سوريا برعاية تركية–قطرية.. شراكة مؤقتة أم بداية لإعادة التموضع الإقليمي؟
كتبت: هدير البحيري
في سابقة هي الأولى منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من عقد، دشنت تركيا مشروعًا استراتيجيًا لنقل الغاز الطبيعي إلى سوريا، بتمويل قطري كامل وتوريد أذربيجاني، في خطوة تحمل أبعادًا تتجاوز الملف الطاقي نحو إشارات أوسع تتعلق بإعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي.
أُعلن عن افتتاح خط أنابيب جديد يربط شبكات الغاز الأذربيجانية بالبنية التحتية السورية عبر الأراضي التركية، في حفل رسمي أقيم السبت بولاية كيليس جنوبي تركيا، بحضور وزراء ومسؤولين من تركيا وقطر وأذربيجان.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بايراقتار، خلال الحفل إن المشروع يهدف إلى توفير الكهرباء لنحو خمسة ملايين منزل في سوريا، ويُعد خطوة مهمة لإعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة في المناطق المتضررة من الحرب.
وأوضح بايراقتار أن المشروع تم تمويله بالكامل من قبل دولة قطر، ويعتمد على الغاز المستخرج من حقل شاه دنيز في بحر قزوين، مشيرًا إلى أن اتفاقية مبادلة مع شركة النفط والغاز الحكومية الأذربيجانية “سوكار” (SOCAR) أفسحت المجال أمام تدفق الغاز إلى سوريا عبر الأراضي التركية.
وأضاف الوزير أن شحن الغاز سيبدأ من محطة القياس في يافوزلو على الحدود التركية-السورية، ومن المتوقع أن يصل حجم التدفق اليومي إلى 6 ملايين متر مكعب، مع إمكانية تصدير ما يصل إلى ملياري متر مكعب سنويًا في المرحلة الأولى.
وأوضح أن هذا الغاز سيساهم في تشغيل محطات الكهرباء في حلب وحمص، بما يؤدي إلى زيادة قدرة إنتاج الكهرباء في سوريا بمقدار 1200 ميجاواط.
وأشار بايراقتار إلى أن تركيا كانت تزود مناطق المعارضة في سوريا بالكهرباء من ثماني نقاط مختلفة منذ عام 2017، مؤكدًا أن المشروع الجديد يأتي في إطار دعم الاستقرار وتحسين البنية التحتية في سوريا.
من جهته، قال إلشاد نصيروف، نائب رئيس شركة “سوكار” الأذربيجانية، في تصريحات لوكالة رويترز من مدينة كيليس، إن أذربيجان ستصدر 1.2 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى سوريا من خلال الحقل المذكور، والذي تديره شركة BP البريطانية.
بدوره، صرح وزير الاقتصاد الأذربيجاني، ميكائيل جباروف، بأن المشروع جاء نتيجة اتفاقيات جرت في أبريل ويوليو بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.
وأضاف: “من خلال بدء صادرات الغاز إلى سوريا، تظهر أذربيجان أنها قادرة على تصدير الغاز ليس فقط إلى الغرب، بل إلى الشرق والجنوب أيضًا”.
وفي السياق نفسه، أكد الوزير التركي بايراقتار أن الغاز الطبيعي سيساهم في تشغيل محطة طاقة بقدرة نحو 1200 ميجاواط، ما يلبي احتياجات حوالي خمسة ملايين أسرة، ويساعد في إعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها في سوريا.
وقال: “سننقل الغاز الطبيعي إلى حلب، ومن هناك إلى حمص، وهذا سيمكن من تشغيل محطات توليد الطاقة هناك في المستقبل القريب”.
من جانبه، قال وزير الطاقة السوري، محمد البشير، إن إمدادات الغاز ستدعم احتياجات الطاقة الأساسية في المناطق المتضررة من الصراع، وستوفر نحو أربع ساعات إضافية من الكهرباء يوميًا نتيجة زيادة التوليد بـ750 ميجاواط.
وأشار إلى أن الاتفاق ينص على تدفق 6 ملايين متر مكعب يوميًا، لكن الحجم الأولي سيكون حوالي 3.4 مليون متر مكعب يوميًا.
يُذكر أنه في مايو الماضي، أُعلن عن التوصل إلى اتفاق يقضي بمد سوريا بالغاز عبر خط أنابيب يربط كيليس التركية بحلب بطاقة تدفق قدرها 6 ملايين متر مكعب يوميًا.
كما أن المرحلة الأولى من الخطة القطرية لتمويل إمدادات الكهرباء، التي تم تنفيذها في مارس الماضي، عبر الأردن، وفرت نحو 400 ميجاواط من الكهرباء يوميًا.
وتسعى السلطات السورية الجديدة إلى إعادة إعمار البلاد، التي لا تزال تعاني من انقطاع الكهرباء لفترات تصل إلى 20 ساعة يوميًا، في ظل تردي البنية التحتية وانهيار قطاع الطاقة جراء سنوات الحرب.
اعتبر الخبير الاقتصادي والمتخصص في الشأن السوري، أدهم قضيماتي، أن توريد الغاز من أذربيجان إلى سوريا يمثل “حلًا إسعافيًا” لأزمة الكهرباء الخانقة، ويمكن أن يسهم مؤقتًا في تقليل عدد ساعات التقنين، وتهيئة بيئة أكثر استقرارًا لجذب الاستثمارات.
وأوضح قضيماتي في حديث خاص لـ”نافذة الشرق” أن “تحسين واقع البنى التحتية، وعلى رأسها الكهرباء، هو أولوية قصوى لتسريع تشغيل عجلة الإنتاج في سوريا. والمستثمرون يهمهم أن يروا تنفيذًا سريعًا وفعالًا لمثل هذه الاتفاقيات، لا سيما أنها تبعث برسائل طمأنة حول جدية الانفتاح الاقتصادي وإعادة الإعمار”.
وتابع قائلًا:
“نحن بحاجة إلى تنفيذ جميع الاتفاقيات بأسرع وقت ممكن، لأن هذا التوريد الطارئ للغاز لا يغني عن الحاجة إلى حلول استراتيجية، مثل توقيع اتفاقيات لاستكشاف الغاز والنفط، وتطوير الآبار المحلية، بما يقود لاحقًا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة”.
وبشأن التمويل القطري، قال قضيماتي إن هذا التوجه يعكس رغبة قطر في دعم سياسي طويل الأجل، إلى جانب استثمار اقتصادي مدروس، مضيفًا أن مثل هذه الاتفاقيات قد تفتح الطريق أمام تحويل سوريا إلى مركز وممر للطاقة، بما يعزز موقعها الجيوسياسي في المدى البعيد.
وفي ما يتعلق بموقفي روسيا وإيران، أشار قضيماتي إلى أن الدعم من طهران وموسكو بات محدودًا، نتيجة لتبدل المصالح السياسية والأزمات الاقتصادية التي تمر بها كل من إيران وروسيا. لذلك، من المتوقع أن تُبنى العلاقات مجددًا على أسس المصالح المتبادلة، بدلًا من التبعية أو التحالفات الأيديولوجية.
ومن ناحية أخرى، قال الباحث والخبير المتخصص في الشؤون التركية، عبدالمولى علي لـ”نافذة الشرق”، إن تركيا تنظر إلى مشروع تصدير الغاز إلى سوريا كإحدى ثمار التحول الكبير في العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، والتي تُبنى على أسس الشراكة والتكامل بدلًا من المواجهة.
وأكد عبدالمولى أن هذا المشروع يُعدّ نقطة انطلاق نحو تعاون اقتصادي أوسع، يعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين ويترجم التوافق السياسي إلى مشروعات ملموسة تخدم استقرار المنطقة.
وفي هذا السياق، أوضح عبدالمولى أن أنقرة تعتبر تعزيز البنية التحتية للطاقة في سوريا هدفًا مشتركًا يتمثل في إعادة الإعمار وتحفيز التنمية في مرحلة ما بعد الصراع.
ويرى أن المشروع يمثل تطبيعًا عمليًا ومتقدمًا للعلاقات، ويسهم في إعادة دمج سوريا إقليميًا عبر تعاونها مع تركيا في ملفات الطاقة والاقتصاد، بما يتماشى مع رؤية مشتركة لإعادة الاستقرار والإنتاج إلى الجغرافيا السورية.
أما بشأن المكاسب الاستراتيجية لأنقرة من هذا المشروع، فيؤكد عبدالمولى أن هناك مكاسب استراتيجية متبادلة. فمن جانب تركيا، يسهم المشروع في ترسيخ شراكة طويلة الأمد مع الحكومة السورية الجديدة، تقوم على المصالح الاقتصادية والأمن الإقليمي. كما أنه يتيح لتركيا تعزيز نفوذها في ملف إعادة الإعمار، وتوسيع حضورها الاقتصادي في سوريا ضمن إطار رسمي وتعاوني، وهو ما يقلل من التكاليف الأمنية والسياسية التي تحملتها خلال فترة الأزمة.
وأشار عبدالمولى إلى أن هذا التعاون يُتيح خلق بنية إقليمية مترابطة، تربط الاقتصاد التركي بالسوري بشكل مباشر، وتفتح المجال أمام تكامل في قطاعات الطاقة، النقل، والتجارة.
وأضاف أن هذه المكاسب لا تنحصر فقط في سوريا، بل تسهم في تقوية موقع تركيا كمحور استقرار في المنطقة، وتدعم تحولها إلى شريك رئيسي في عملية بناء مرحلة ما بعد الحرب في الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بارتباط المشروع برؤية تركيا الأشمل كممر إقليمي للطاقة، أوضح الخبير في الشؤون التركية أن المشروع ينسجم بوضوح مع رؤية تركيا في أن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة، وهو يكتسب أهمية خاصة في ظل التعاون القائم مع الحكومة السورية الجديدة. فمن خلال هذا الربط الطاقي، تعمل تركيا على توسيع شبكة تدفق الغاز جنوبًا نحو المتوسط، بما يكمل مشروعاتها شرقًا مع أذربيجان وغربًا باتجاه أوروبا، في إطار “ممر الغاز الجنوبي”، وكذلك جنوبًا نحو العراق ودول الخليج ضمن “طريق التنمية”.
ويختتم عبدالمولى حديثه بالإشارة إلى أن وجود حكومة سورية متعاونة مع أنقرة يسمح بتحقيق هذا التوسع بصورة سلسة واستراتيجية، ويحول سوريا من منطقة عبور معقدة إلى شريك في منظومة طاقة إقليمية.
ويرى أن هذا الترابط قد يمهد مستقبلًا لإنشاء بنى تحتية مشتركة في مجالات أخرى كالكهرباء والنقل، بما يرسخ التعاون التركي–السوري كمكون أساسي في الخارطة الجديدة للطاقة في الشرق الأوسط.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.