فائض تاريخي في الموازنة المصرية يعكس صلابة الاقتصاد رغم التحديات.. وخبير مصرفي يوضح أسرار النمو وفرص الاستدامة (خاص)
إسلام ماجد
نجحت مصر في تحقيق قفزة غير مسبوقة في مؤشرات الأداء المالي خلال العام المالي 2024 ـ 2025، حيث سجلت أعلى فائض أولي في تاريخها بلغ 629 مليار جنيه، بما يعادل 13 مليار دولار، أي بنسبة 3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ويمثل هذا الرقم زيادة قدرها 80 في المائة مقارنة بالعام السابق الذي سجل 350 مليار جنيه، وفق ما أعلنته الرئاسة المصرية
الإعلان عن هذه النتائج جاء خلال اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وأحمد كجوك، وزير المالية، حيث استعرضت الحكومة تفاصيل المؤشرات الأولية التي أظهرت نجاح السياسات المالية في تحقيق توازن ملحوظ، رغم الأزمات الخارجية
الإيرادات الضريبية في صدارة النمو والإصلاحات تثمر نتائج ملموسة
أوضح وزير المالية أن الإيرادات الضريبية حققت أعلى معدل نمو خلال السنوات الأخيرة بنسبة 35 في المائة، لتصل إلى 2.204 تريليون جنيه. وقد جاء ذلك بفضل حزمة من الإصلاحات التي تضمنت توسيع القاعدة الضريبية، وتبسيط الإجراءات، واستخدام الأنظمة الإلكترونية بشكل واسع، إضافة إلى إنشاء وحدة متخصصة للتجارة الإلكترونية، واعتماد منظومة إدارة المخاطر الضريبية.
الوزارة نجحت أيضاً في استقطاب ممولين جدد بشكل طوعي، وتسوية مئات الآلاف من النزاعات الضريبية بشكل ودي. إذ شهدت الفترة من فبراير حتى أغسطس 2025 تقديم أكثر من 401 ألف طلب لتسوية النزاعات القديمة، بجانب أكثر من 650 ألف إقرار ضريبي جديد أو معدل، وهو ما أسفر عن تحصيل 77.9 مليار جنيه. كما استفاد أكثر من 104 آلاف ممول من التيسيرات الضريبية المقررة للمشروعات الصغيرة، مما يعكس حالة من الثقة المتنامية بين الدولة ومجتمع الأعمال.
تراجع إيرادات قناة السويس وتحديات عالمية لم توقف المسار التصاعدي
رغم هذه النتائج الإيجابية، واجهت الموازنة صدمات كبيرة، في مقدمتها التراجع الحاد في إيرادات قناة السويس بنسبة 60 في المائة عن المستهدف، وهو ما كبّد الموازنة خسائر قُدرت بنحو 145 مليار جنيه. لكن الأداء الكلي أظهر قدرة الاقتصاد المصري على امتصاص تلك الصدمات، بفضل تنوع مصادر الإيرادات، وتنامي الاستثمارات الخاصة، ونمو قطاعي التصنيع والتصدير.
كما أوضح وزير المالية أن معدل نمو الإيرادات العامة بلغ 29 في المائة، مقابل 16.3 في المائة فقط لنمو المصروفات الأولية، وهو ما يعكس تحسناً في كفاءة إدارة الموارد العامة، وترشيد الإنفاق الحكومي.
الإنفاق الاجتماعي في صدارة أولويات الدولة
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاجتماع، ضرورة المضي قدماً في تعزيز الانضباط المالي، مع إعطاء أولوية قصوى لخفض أعباء خدمة الدين، وبناء شراكات فاعلة مع مجتمع الأعمال. وفي الوقت نفسه، شدد على زيادة الإنفاق الاجتماعي بما يضمن حماية الفئات الأكثر احتياجاً، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، خصصت الدولة موازنات لعلاج أكثر من 80 ألف حالة حرجة على نفقتها، كما تكفلت باشتراكات غير القادرين في منظومة التأمين الصحي الشامل بنحو 2.3 مليار جنيه. إضافة إلى ذلك، استعانت الحكومة بـ 160 ألف معلم جديد لسد العجز في المدارس، بتكلفة تجاوزت 4 مليارات جنيه. كما خصصت 6.25 مليار جنيه لبرامج التغذية المدرسية، لمواجهة سوء التغذية بين التلاميذ.
برامج الحماية الاجتماعية مثل «تكافل وكرامة» نالت بدورها دعماً إضافياً، بهدف التخفيف من الأعباء عن المواطنين، وتوسيع مظلة الحماية لتشمل شرائح جديدة. وهو ما ينسجم مع توجه الدولة لتعزيز العدالة الاجتماعية، بالتوازي مع الإصلاحات الاقتصادية.
رسالة ثقة للأسواق والمستثمرين
ما حققته مصر من فائض أولي تاريخي في عام واحد، يرسل رسالة طمأنة واضحة للأسواق الدولية والمستثمرين بشأن متانة الاقتصاد، وقدرته على مواجهة الأزمات الخارجية بمرونة. كما يعكس نجاح السياسات الحكومية في الموازنة بين الإصلاحات الاقتصادية، والالتزامات الاجتماعية.
وبحسب مراقبين، فإن هذه المؤشرات الإيجابية تمثل خطوة مهمة على طريق خفض أعباء خدمة الدين، وخلق مساحة أكبر للإنفاق على التنمية البشرية، والبنية التحتية، وهو ما قد يسهم في دفع النمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة .
خبير اقتصادي: تحقيق فائض أولي مؤشر إيجابي.. ويجب التوسع في الاستثمارات الزراعية
في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أكد الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، أن تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة يُعد مؤشراً جيداً للغاية، إذ يعني أن الدولة قادرة على تغطية استخداماتها من إيراداتها دون الحاجة للاقتراض، وذلك قبل احتساب أعباء خدمة الدين.
وأضاف شوقي أن التمويل الخارجي المقصود به عادةً التعاملات مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي، وغيرها من الجهات التي تقدم قروضاً أو تسهيلات ائتمانية، موضحاً أن الدولة اتجهت في الفترة الأخيرة إلى حلول خارج الموازنة مثل الصناديق السيادية، والتي تُموّل مشروعات كبرى دون تحميل الموازنة أعباء إضافية، حيث يتحمل المشروع نفسه تكلفة التمويل.
وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية توجيه مزيد من الاستثمارات إلى القطاع الزراعي في المرحلة الحالية، قائلاً: “لدينا بالفعل استثمارات صناعية كبيرة، لكننا بحاجة إلى استثمارات زراعية تعزز الإنتاج المحلي وتدعم زيادة الصادرات على حساب الواردات، بما ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري ويحسن من مستوى معيشة المواطنين.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.