فرنسا والقارة السمراء.. هل انتهى نفوذ دولة ماكرون على إفريقيا(خاص)

1

كتب محمد عبد الوهاب

تشهد القارة الإفريقية تحولات جذرية في خريطة النفوذ الدولي، حيث بات واضحًا أن الدور الفرنسي التقليدي في المنطقة يتراجع تدريجيًا لصالح قوى عالمية صاعدة. هذه التحولات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة لتداخلات سياسية واقتصادية وأمنية، إلى جانب تغيّر المزاج الشعبي في عدد من الدول الإفريقية تجاه الوجود الفرنسي
وفي هذا السياق، يوضح الباحث السياسى نزار نزال أبعاد هذه التدخلات وما تحمله من دلالات سياسية وإقليمية معقدة

تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا.. الأسباب والتداعيات

أكد الدكتور نزار نزال، الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي والباحث في قضايا الصراع، في تصريحات خاصة لموقع “نافذة الشرق” أن دور فرنسا في القرن الإفريقي أو في إفريقيا قد تراجع بشكل كبير، مشيرًا إلى أن العديد من الدول خرجت من العباءة الفرنسية، وذلك لأسباب متعددة حدّت من النفوذ الفرنسي في القارة.

وقال نزار نزال في تصريحاته:
“أولًا، هناك إشكالية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، فعندما غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي وكان هناك استفتاء على الخروج، بالتأكيد بريطانيا دولة ثقيلة ووازنة، وكان لخروجها تأثير كبير انعكس سلبًا على أقطاب هذا الاتحاد.”

وأضاف نزار : “لا ننسى الاستنزاف الكبير الذي تعرضت له أوروبا بفعل الحرب الأوكرانية-الروسية، حيث أن هناك دعم لا متناهي من قبل الأوروبيين، وهذا كلفهم كثيرًا. بالتأكيد وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض والمناكفات بين الأوروبيين والأمريكان فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية أدت أيضًا إلى فتح المجال أمام النفوذ الصيني في إفريقيا، وهو أمر مهم.”

وتابع نزار: “روسيا كذلك تتمدد داخل إفريقيا، وبالتالي هناك عوامل كبيرة جدًا، وقد ذكرنا جزءًا منها. وأعتقد أن إفريقيا ستخرج بالكامل من العباءة الفرنسية.”

كما قال نزار نزال الباحث السياسي في تصريحات خاصة لموقع “نافذة الشرق”: “فرنسا تركت خلفها إرثًا كبيرًا، فبعض الشعوب لا تزال تتحدث الفرنسية، ولذلك فإن التخلص من الأثر الفرنسي يحتاج إلى عقود وربما قرون، ولكن بالمجمل، النفوذ الفرنسي في إفريقيا تراجع بشكل كبير، ويبدو أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تلاشي لهم.”

تعكس تصريحات الدكتور نزار نزال فهمًا عميقًا للتحولات الجيوسياسية التي تشهدها إفريقيا في السنوات الأخيرة، وفيما يلي يقدم لكم موقع “نافذة الشرق” أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع النفوذ الفرنسي:

  1. أزمة الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا

أوضح نزال أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شكل نقطة تحول داخل المنظومة الأوروبية، ما أضعف تماسك الاتحاد وأثر على قدرته في التأثير على السياسات الخارجية، بما فيها إفريقيا. بريطانيا كانت من الدول التي تمتلك ثقلًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا، وخروجها أضعف الدور الأوروبي المشترك، وأدى إلى نوع من الارتباك في سياسات التكتل الأوروبي في القارة السمراء.

  1. الحرب الروسية الأوكرانية

الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا فرضت أعباء اقتصادية هائلة على أوروبا، حيث اضطرت دول الاتحاد إلى توجيه دعم كبير لأوكرانيا على حساب ملفات أخرى، ومنها التواجد في إفريقيا. هذا الاستنزاف المالي والسياسي حدّ من قدرة فرنسا – ومعها بقية دول الاتحاد – على الاستمرار بنفس الحضور والنفوذ الذي كانت تحظى به في الماضي.

  1. صعود الصين وتوسع روسيا في إفريقيا

كما أشار نزال، فإن الصين أصبحت لاعبًا اقتصاديًا محوريًا في القارة الإفريقية، من خلال مبادرات البنية التحتية، القروض، والاستثمارات في الموارد الطبيعية. وبالتوازي، تعمل روسيا على تعزيز نفوذها العسكري والسياسي، خاصة في دول الساحل الإفريقي والوسط. وقد قدمت نفسها كبديل للقوى الغربية التقليدية، بما فيها فرنسا.

  1. الأزمات الفرنسية في مستعمراتها السابقة

شهدت السنوات الأخيرة مظاهرات وانقلابات متكررة في دول إفريقية كانت تاريخيًا ضمن النفوذ الفرنسي، مثل مالي، بوركينا فاسو، النيجر وتشاد. وغالبًا ما رُفعت شعارات مناهضة للوجود الفرنسي وطُردت القوات الفرنسية. هذه التحركات الشعبية والسياسية أوضحت أن شعوب هذه الدول بدأت ترفض التبعية لفرنسا وتطالب بتحرر سياسي واقتصادي.

  1. تراجع التأثير الثقافي واللغوي

رغم أن فرنسا لا تزال تملك إرثًا ثقافيًا ولغويًا كبيرًا في إفريقيا، إلا أن هذا التأثير بدأ يتآكل. فالكثير من الدول الإفريقية بدأت في تعزيز لغاتها المحلية أو التحول نحو الإنجليزية باعتبارها لغة أكثر انفتاحًا على العالم وسوق العمل. وهذا يعني أن أحد أهم أدوات فرنسا الناعمة في القارة بدأ يفقد فعاليته تدريجيًا.

مشهد إفريقي جديد

التصريحات التي أدلى بها الدكتور نزار نزال الباحث السياسي تُسلط الضوء على واقع جديد يتشكل في القارة الإفريقية، حيث لم تعد فرنسا القوة المهيمنة كما كانت لعقود. فالعوامل الجيوسياسية، والتغيرات الإقليمية، والصعود الصيني والروسي، بالإضافة إلى الرفض الشعبي داخل الدول الإفريقية نفسها، كلها ساهمت في تآكل النفوذ الفرنسي.

ورغم أن فرنسا قد تحتفظ بعلاقات محدودة أو جزئية مع بعض الدول الإفريقية، إلا أن التوجه العام يشير إلى مستقبل تُحكمه شراكات جديدة وتحالفات متعددة الأطراف، تُعيد رسم خريطة النفوذ في القارة بشكل غير مسبوق.

دكتور نزار نزال

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.