فوردو على فوهة البركان: بين ضربة استباقية وردع نووي
كتبت ضحى ناصر
مع إستهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية الهامة في إطار عملية “الأسد الصاعد”، التي تهدف إلى تدمير قدرات إيران الدفاعية والجوية والتي أسفرت عن إلحاق أضرار بالغة بمنشآتي نطنز وأصفهان، بالإضافة إلى مقتل عدد قادة الحرس الثوري والعسكريين بالإضافة علماء نوويين، بدأت تُثار العديد من المخاوف حول تدمير منشأة فوردو المحصنة، والتي تسعى إسرائيل للحصول على دعم أميركي لتدميرها ، وسط تردد من واشنطن وقلق من تصعيد عسكري أوسع.
ما دلالة تصاعد الحديث عن منشأة فوردو الإيرانية في سياق التوترات الحالية مع إسرائيل
يجيب عن هذا التساؤل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق المتخصص في الشأن الإيراني علاء السعيد موضحاً أن تصدر الأحاديث عن منشآة فوردو لعناوين الأخبار، فهذا لا يعني أن الخطر يقترب بل أن السكين قد بلغ العظم.
و أضاف أن فوردو ليست اسمًا في أرشيف المفاعلات الإيرانية، بل كلمة السر في استراتيجية الردع النووي. حين تُذكر فوردو، تُسحب الخطوط الحمراء، وتتحرك خرائط الرد من مجرد وكلاء على الأطراف إلى صميم الجبل الذي تخبئ فيه طهران قلب مشروعها النووي.
وتابع إن تصاعد الحديث عنها في هذا التوقيت وسط ضربات إسرائيلية موجعة، وتوترات تمتد من نطنز إلى مطار دمشق يحمل دلالة واضحة المرحلة القادمة ليست كسابقاتها، واللعبة تقترب من منطقة اللاعودة.
ما أهمية منشأة فوردو في البرنامج النووي الإيراني، ولماذا تعتبر هدفًا حساسًا
و أشار السعيد إلى أن فوردو ليست مفاعلًا عاديًا بل هي أشبه بقبو سري دفنته طهران تحت جبل قرب مدينة قم، حيث تم تحصينها هندسياً، واستخدامها سياسياً وفي الداخل، حيث تدور أجهزة طرد مركزي قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60% وهو العتبة التي تسبق تصنيع القنبلة بخطوتين، لكن ما يجعلها هدفًا حساسًا ليس فقط قدرتها، بل رمزيتها فهي المنشأة التي تم إخفاؤها عن الوكالة الدولية لسنوات، وهي التي استُخدمت للضغط على العالم عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وهي أخيرًا، المكان الذي يحتفظ فيه النظام بورقة “المفاجأة الكبرى” في حالة الحرب.
و أكد على أن من يستهدف فوردو لا يوجه ضربة عسكرية بل يكتب الفصل الأول في سيناريو الحرب النووية المحتملة كيف تتعامل إيران عادة مع التهديدات المباشرة تجاه منشآتها النووية.
كيف تتعامل إيران مع أي تهديدات لمنشآتها النووية
وبهذا الصدد أوضح السعيد أن إيران لا ترد على الحوادث النووية بالمثل، بل بما هو أعقد وهو التصعيد المؤجل السيناريو المعتاد يبدأ بالإنكار أو التهوين، يليه استثمار إعلامي داخل طهران، ثم تنطلق رسائل الرد عبر جبهات بعيدة من طائرات مسيّرة على إسرائيل، إلى صواريخ حوثية في البحر الأحمر، إلى اغتيالات غامضة في العراق.
و أضاف لكن هناك مسارًا آخر أكثر هدوءًا وخطورة: الرد النووي الصامت رفع نسب التخصيب، أو طرد مفتشي الوكالة الدولية، أو تشغيل أجهزة طرد متطورة كل ذلك يُعد ردًا مباشرًا على من يتجرأ على الاقتراب من فوردو.
إذا تم استهداف فوردو، ما السيناريو الأقرب للرد الإيراني: عبر الوكلاء أم مواجهة مباشرة
كما أكد أنه من الصعب تخيّل أن تستدرج إيران إلى حرب مفتوحة برد مباشر ما سيحدث على الأغلب هو رد ثلاثي الأبعاد:
- عسكري غير مباشر: هجمات على قواعد أمريكية أو إسرائيلية عبر ميليشيات في سوريا أو العراق أو لبنان.
- نووي تصعيدي: إعلان رفع التخصيب إلى 90%، أو إغلاق أبواب التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- إعلامي دعائي: تصوير الهجوم كمجزرة سيادية، واستغلاله لحشد الداخل والخارج، وربما الانسحاب رسميًا من الاتفاق النووي، لافتاً إلى أن طهران تعرف قواعد اللعبة، وتعلم أن من يبدأ بالرصاصة الأولى في منشأة مثل فوردو، قد يكتب تاريخ المنطقة لأجيال قادمة.
هل يمكن أن تستغل إيران الحادث كذريعة لتصعيد سياسي أو نووي
وشدد على أن لا شيء تخسره طهران في هذا التوقيت أكثر من ضبط النفس. فإذا استُهدفت فوردو، فسيكون لدى الجمهورية الإسلامية المسوّغ الكامل لإعادة تعريف التوازن، مضيفاً أن إعلان الاتفاق النووي في حكم “الميت”.
وفي حال إستهداف فوردو فسيكون لدى إيران رفع المسوغ الكامل لرفع نسب التخصيب دون سقف.
والإعلان عن بناء مفاعلات جديدة في مناطق “أكثر أمانًا”، وربما وهذا هو الأهم تغيير العقيدة النووية نفسها من “سلمية معلنة” إلى “قدرات ردع كامنة”.
بعبارة أوضح، إيران قد لا ترد فقط
بل تُعلن ولادة مرحلة جديدة في مشروعها النووي، تحت لافتة: “إذا كنا مهددين، فليعرف الجميع أننا مستعدون لما بعد التهديد.” .
هل تملك إسرائيل فعلاً القدرة العسكرية اللازمة لضرب منشأة شديدة التحصين مثل فوردو
وبهذا الصدد يوضح الخبير العسكري و الإستراتيجي العميد إلياس حنا في تصريحات خاصة لنافذة الشرق مواصفات منشأة فوردو
تقع المنشأة تحت جبل في منطقة فوردو بالقرب من مدينة قم الإيرانية
-عمقها يتراوح بين 80 إلى 100 متر تحت الأرض.
− محصنة ضد معظم أنواع القنابل التقليدية.
− تم اختيار هذا الموقع العميق لحمايته من الهجمات الجوية والصاروخية المباشرة.
ويوضح أنه بالنظر لقدرات إسرائيل الحالية والمتمثلة فيما يلي
1- سلاح الجو والقنابل الخارقة للتحصينات:
− و أوضح أن إسرائيل تمتلك طائرات F-35I “أدير” المعدلة محليًا والقادرة على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، لكنها محدودة من حيث كمية وحجم الذخائر التي تحملها، ولا تستطيع حمل القنابل الأثقل المخصصة لاختراق التحصينات العميقة.
− تملك أيضًا طائرات F-15I “راعِم” التي تستطيع حمل القنابل الثقيلة من طراز GBU-28 الأميركية الصنع، والتي تخترق حوالي 5 إلى 6 أمتار من الخرسانة المسلحة.
− ربما حصلت إسرائيل على نسخ مطورة من قنابل GBU-72 أو طورت نسخًا محلية مماثلة، لكنها تبقى غير فعالة تمامًا أمام عمق 80 إلى 100 متر.
2- القدرات السيبرانية والعمليات الخاصة
− لافتاً إلى أن لإسرائيل تاريخ في تنفيذ عمليات تخريب سيبراني ناجحة، مثل فيروس “ستوكسنت” الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني سابقًا.
− تملك أيضًا وحدات عمليات خاصة مثل “سييرت متكال” و”الموساد” لتنفيذ عمليات تخريب داخلية، إلا أن تنفيذ مثل هذه العمليات داخل فوردو صعب للغاية بسبب العمق الكبير والإجراءات الأمنية المشدّدة.
الصواريخ الباليستية أو الكروز
و أشار إلى أن إسرائيل لا تمتلك علنًا صواريخ خارقة للتحصينات مصممة لهذا النوع من الأهداف.
− صواريخها الباليستية من طراز “جيريكو-3” تملك مدىً بعيدًا وحمولة كبيرة ودقة محسنة، لكنها غير مصممة لمهاجمة منشآت شديدة التحصين إلا في حال تم تزويدها برؤوس غير تقليدية، وهو خيار تصعيدي مستبعد حاليًا.
وعليه فإن إسرائيل لا تملك حاليًا وسيلة مؤكدة وموثوقة لتدمير منشأة بحصانة فوردو بشكل كامل باستخدام الأسلحة التقليدية فقط، لكنها تستطيع:
− شل أجزاء من المنشأة.
− تعطيل شبكات الطاقة والاتصالات والإمداد.
− تنفيذ عمليات مركبة تجمع بين الهجمات الجوية، والعمليات السيبرانية، والحرب النفسية.
وتبقى منشأة فوردو مصنفة ضمن ما يُعرف أمريكيًا بـ “مشكلة الأهداف الصعبة” حتى بالنسبة للقوات الأمريكية نفسها.
كما أكد حنا أن إسرائيل تدرس عدة سيناريوهات لمهاجمة منشأة فوردو النووية الإيرانية، أبرزها: الهجوم الجوي المباشر باستخدام قنابل خارقة، لكنه يواجه صعوبات تقنية ودفاعات قوية.
والخيار الثاني يتمثل في هجوم مركّب يجمع بين الهجمات السيبرانية والعمليات الخاصة والغارات الجوية، ما يزيد فرص التعطيل لكنه يتطلب معلومات استخباراتية دقيقة.
أما السيناريو الثالث فيعتمد على استنزاف طويل الأمد للبنية التحتية والإمدادات والكوادر العلمية، بينما يظل خيار الضربة النووية التكتيكية مستبعدًا حاليًا لما قد يسببه من تصعيد كارثي.
بالإضافة إلى إستهداف مواقع استراتيجية مثل فوردو يحمل رسائل متعددة: إثبات الجاهزية، ردع إيران، اختبار دفاعاتها، طمأنة الحلفاء، ورسم خطوط حمراء. رغم امتلاك إسرائيل قدرات عسكرية واستخباراتية متقدمة، إلا أن البيئة السياسية لا تزال غير مهيأة لضربة استباقية شاملة بسبب مخاطرها العالية، لذا تظل التحركات الحالية في إطار التكتيك والردع المحدود.
وتابع أما في حال تطور النزاع لضربة نووية، فإسرائيل تملك دفاعات جوية متقدمة وردًا انتقاميًا قويًا، لكن الرد الإيراني المتوقع سيكون شاملًا عبر الصواريخ والوكلاء والهجمات السيبرانية، ما يجعل الحسابات الاستراتيجية للضربة معقدة وخطيرة للغاية.
هل إسرائيل مستعدة لتحمل كلفة ضربة شاملة؟
يوضح إلياس حنا لنافذة الشرق أن إسرائيل قادرة عسكرياً على الرد والصمود، لكنها ستواجه خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة منذ عقود.
بينما على الصعيد الاقتصادي فإن الإقتصاد الإسرائيلي بات مهدداً بإنهيار الأسواق، توقف التجارة، واستهداف البنية التحتية الحيوية.
سياسيًا: قد تواجه عزلة وضغوطًا دولية كبيرة.
اجتماعيًا: الجبهة الداخلية ستتعرض لاختبار حقيقي وسط دمار واسع النطاق.
دور السياسة الداخلية في التصعيد
كما شدد حنا على نتنياهو والمستوى السياسي يعتبرون إيران تهديدًا وجوديًا، ويبني شرعيته على منعه و قد يستخدم الملف الإيراني لتوحيد الداخل أو كغطاء للأزمات، لكنه لا يغامر دون غطاء عسكري ودولي.
بينما المعارضة السياسية تتفق على خطورة إيران، لكنها تختلف حول الأسلوب والتوقيت لكن تفضل التنسيق مع واشنطن وتجنب التصعيد غير المحسوب.
فيما يدعم الرأي العام الإسرائيلي الحزم تجاه إيران، لكنه يخشى حربًا شاملة قد تطال العمق الإسرائيلي.
كما حذر من أن التصعيد دون خطة خروج وتنسيق أمريكي يرى أن الحرب مع إيران ستفتح جبهات متعددة لم تُختبر منذ 1973.
ما موقف المجتمع الدولي من التهديدات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة حول المنشآت النووية؟
يوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط و الأمن الأوروبي يمان الشواف لنافذة الشرق أن موقف المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية داعم بشكل واضح لإسرائيل في استهدافها المنشأت النووية الإيرانية وقيادات عسكرية وهو محاولة للضغط على طهران فيما يميل الموقف الأوروبي للتهدئة وتجنب التصعيد أكثر ويدعو لمسار المفاوضات والحوار تجنباً لجر المنطقة إلى صراع مفتوح ستكون تداعياتها خطيرة جداً
هل العالم يتعامل الآن مع التصعيد كـ”حافة هاوية” فعلية؟ أم أنه ما زال تحت السيطرة؟
وأضاف أنه حتى اللحظة لا يمكن القول أن التصعيد وصل لمرحلة الهاوية أو الحرب الشاملة وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة تؤكد ذلك بأن الباب مازال مفتوحا ً أمام طهران لقبول الشروط الأمريكية والتوقيع عليها .
إلى أي مدى يمكن أن تتدخل القوى الكبرى (أمريكا – روسيا – الصين) لمنع حرب شاملة في المنطقة؟
كيف تنظر أوروبا إلى احتمالية استهداف فوردو
و أشار إلى أن تدخل الدول الكبرى الولايات المتحدة الأمريكة فوق الطاولة لا تتدخل لكن حقيقة الأمر ما كان لإسرائيل أن تجرؤ على هذه العمليات دون ضوء أخضر أمريكي ودعم أمريكي تحت الطاولة .
بخصوص الموقف الروسي أو الصيني من الواضح دعم الصين لإيران وهذا تجلى في طائرة المساعدات التي وصلت طهران لدعم الأخيرة .
استهداف فوردو ربما يزيد التصعيد أكثر ويدفع إيران لاستخدام صواريخ أكثر تأثيراً في العمق الإسرائيل ويطيل الصراع بينهما .
وهل هناك مساعٍ للتهدئة من أي طرف دولي؟
هل تعتقد أن العالم أصبح بالفعل في مرحلة ما قبل “الانفجار النووي السياسي” إن صح التعبير؟
و أختتم تصريحاته قائلاً أن التطور العسكري الأخير هو انفجار خطير في المنطقة وتصعيد ستكون نتائجه سلبية سواء على إسرائيل أو إيران ووقف هذا التصعيد الأن في يد إيران في حال قبول الأخيرة بالشروط الأمريكية وفي نهاية المطاف هذا ما يتوقع حدوثه ما تقوم به طهران الأن هو محاولة حفظ ماء الوجه عسكرياً وسياسياً خصوصاً بعد الخسائر التي تكبدتها إيران واستهداف شخصيات عسكرية رفيعة المستوى وسياسياً بانسحابها من المفاوضات في سلطنة عمان موضحاً أنها محاولة لحفظ ماء الوجه عسكرياً وسياسياً بعد خسائرها الكبيرة لكن في نهاية المطاف سترضخ للشروط الأمريكية هذا السيناريو الوحيد أمام طهران في حال أرادت تجنب هذا الصراع المفتوح ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في العمق الإيراني.
رغم تعقيد المشهد وتضارب الحسابات، تبقى منشأة فوردو رمزًا لمعادلة الردع وكابوسًا لأي تحرك عسكري غير محسوب فإستهدافها يعني كسر الخطوط الحمراء ودخول المنطقة فعليًا في عصر “اللاحرب واللاسلم”، حيث الكل يتأهب، والشرارة بانتظار من يشعلها أولًا.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.