قانون الانتخابات الجديد.. عودة التوازن أم إعادة تدوير القوى القديمة؟
أثار مشروع قانون الانتخابات الجديد، الذي أبقى على النظام الانتخابي الحالي بواقع 50% للقائمة المغلقة المطلقة و50% للنظام الفردي، جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والحزبية. وبينما أعلنت بعض الأحزاب موافقتها على القانون، باعتباره ضرورة دستورية لا تحتمل التأجيل، رفضت أخرى الإبقاء على نظام القائمة المغلقة المطلقة، معتبرة أنه يهدد التعددية ويُعيد إنتاج نفس القوى التقليدية التي تُهيمن على المشهد السياسي.
مضمون القانون.. تقسيـم جديد ونظام انتخابي قديم
ينص مشروع القانون على إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وفقًا لمعدلات الزيادة السكانية، تطبيقًا للفقرة الثالثة من المادة 102 من الدستور، والتي تشترط مراعاة التمثيل العادل للسكان والمحافظات. كما يُبقي القانون على النظام الانتخابي القائم، بواقع 50% للقائمة المغلقة المطلقة و50% للفردي، دون إدخال أي تعديل في آلية الاقتراع أو طبيعة القوائم.
وتم تقسيم الجمهورية إلى أربع دوائر انتخابية بنظام القائمة المغلقة، بواقع 102 مقعد لكل من دائرتي “جنوب ووسط الدلتا” و”شمال ووسط وجنوب الصعيد”، و40 مقعدًا لكل من “قطاع شرق الدلتا” و”قطاع غرب الدلتا”.
النائب عاطف المغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، أكد أن مشروع القانون جاء استجابة لاستحقاقات دستورية، لا سيما ما يتعلق بالانحراف المعياري وزيادة عدد السكان، محذرًا من أن إجراء الانتخابات دون تعديل في التقسيم كان سيفتح الباب للطعن على دستورية النتائج.
وأوضح المغاوري”، في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، أن النظام الانتخابي الحالي كان أحد ثلاثة مقترحات طُرحت على طاولة الحوار الوطني، بينها نظام “50% قائمة نسبية و50% فردي”، ونظام مختلط يجمع القائمة النسبية والمغلقة والفردي. وأضاف: “رغم أن حزب التجمع يدعم نظام القائمة النسبية لتحقيق التعددية، إلا أننا وافقنا على الإبقاء على القائمة المغلقة المطلقة، نظرًا لضيق الوقت واقتراب موعد الاستحقاق الدستوري”.
لماذا رحبت بعض الأحزاب بالقانون؟
أحزاب مثل “التجمع” و”مستقبل وطن” و”حماة الوطن” و”الشعب الجمهوري” أبدت ترحيبها بالإبقاء على النظام الحالي، معتبرة أنه يحقق الاستقرار ويمنع تفتيت الأصوات، خاصة في ظل غياب كوادر جاهزة لدى كثير من الأحزاب الصغيرة لخوض الانتخابات بنظام نسبي.
وترى هذه الأحزاب أن القائمة المغلقة المطلقة تُسهم في تعزيز الانضباط داخل التحالفات، وتسمح للأحزاب الكبرى بصياغة قوائم متجانسة سياسيًا، ما ينعكس إيجابيًا على الأداء البرلماني لاحقًا. كما يُسهل هذا النظام، من وجهة نظرهم، مهمة إدارة العملية الانتخابية، مقارنة بالنظام النسبي الذي يحتاج إلى استعداد لوجيستي وتشريعي أكبر.
لكن في المقابل، يرى المعارضون للقانون أن هذه الأحزاب المستفيدة من الوضع القائم لديها مصلحة مباشرة في الإبقاء عليه، لأنه يُكرّس نفوذها ويُقلل من فرص الأحزاب الصغيرة والمستقلين في دخول البرلمان.
معارضة واضحة من أحزاب الإصلاح والتنمية والدستور
في المقابل، عبرت أحزاب وتيارات معارضة عن رفضها لمشروع القانون، وعلى رأسها حزب الإصلاح والتنمية. النائب أيمن أبو العلا، نائب رئيس الحزب، أكد أن القائمة المطلقة لا تحقق العدالة السياسية ولا تعكس الإرادة الشعبية، وتُقصي الأحزاب الصغيرة والمستقلين من المشهد السياسي.
وقال أبو العلا في تصريحات خاصة لـ “نافذة الشرق”، إن “هذا النظام يُجبر الناخب على التصويت لقائمة كاملة دون أن يكون له الحق في اختيار أو استبعاد أسماء منها، وهو ما يُفقد الانتخابات معناها الحقيقي، ويجعل البرلمان انعكاسًا لتحالفات مغلقة، لا لتنوع الشارع المصري”.
وأشار إلى أن نظام القائمة النسبية هو الأنسب لضمان التعددية، لأنه يمنح فرصًا متكافئة لجميع القوى والتيارات، ويُتيح للناخب أن يرى صوته يُترجم إلى تمثيل فعلي داخل البرلمان، مضيفًا: “نحن بحاجة إلى برلمان يُمثل الشارع بحق، لا برلمان يتم إعادة تشكيله من أعلى”.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العدل، من جانبهم، أبدوا رفضهم للقانون، معتبرين أن استمرار النظام الحالي يُهدد بتآكل فرص التمثيل الحقيقي، ويُعيد نفس الأسماء والمجموعات التي فرضت هيمنتها في الدورات السابقة.
هل يعيد القانون تدوير القوى التقليدية؟
سؤال يطرحه كثيرون: هل يعكس القانون الجديد عودة للتوازن بين التمثيل الفردي والقوائم، أم يُعيد تدوير نفس القوى السياسية المسيطرة؟ في ظل الإبقاء على النظام الحالي، يرى مراقبون أن فرص التغيير السياسي تبقى محدودة، وأن كثيرًا من المقاعد ستعود للوجوه نفسها، خاصة في ظل تحالفات انتخابية واسعة ومغلقة تُشكَّل مسبقًا.
النائب عاطف المغاوري يرى أن النظام الحالي لا يُغلق الباب أمام التنافس، ويقول: “من الممكن أن تكون هناك أكثر من قائمة، سواء من الأحزاب أو المستقلين. ولن يُرشح في القوائم إلا من أثبت الجدارة”.
لكن هذا الرأي لا يلقى قبولًا لدى أطراف أخرى، ترى أن تشكيل القوائم المغلقة يتم في الغرف المغلقة، ولا يعكس التنافس الحر، بل يُوزع المقاعد وفق تفاهمات مسبقة بين أحزاب بعينها، غالبًا ما تكون قريبة من السلطة، وهو ما يُقلل من فرص التجديد السياسي الحقيقي.
يبقى قانون الانتخابات، بين من يعتبر القانون خطوة ضرورية لاستحقاق دستوري لا يقبل التأجيل، ومن يرى أنه مجرد إعادة إنتاج للقديم، يبقى السؤال مفتوحًا حول مستقبل التعددية السياسية في مصر، وما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستُفرز برلمانًا يعكس حقيقة الشارع المصري، أم مجرد نسخة جديدة من مشهد مُعاد تدويره.
ومن المنتظر أن تجرى الانتخابات البرلمانية الفترة المقبل، وينص الدستور على أن تكون الانتخابات قبل شهرين من انتهاء الفصل التشريعي، وبهذا تكون انتخابات مجلس الشيوخ في شهر أغسطس على أقصى تقدير، فيما تكون انتخابات مجلس النواب في شهر نوفمبر على أقصى تقدير أيضا، لأن مجلس الشسيوخ بدأ الفصل التشريعي الأول في الأول من أكتوبر 2020 بينما بدأ الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب في شهر يناير من عام 2021.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.