قرار الحظر الأمريكي.. معاناة يمنية على أبواب الهجرة والفرص الضائعة

18

كتب: إسلام ماجد

بين مطارات مغلقة وأحلام مؤجلة، وجد الآلاف من اليمنيين أنفسهم فجأة في مواجهة واقع قاسٍ، بعدما دخل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بحظر دخول مواطني عدد من الدول، بينها اليمن، حيز التنفيذ. القرار الذي استند إلى اعتبارات أمنية وسياسية أثار جدلًا واسعًا، وألقى بظلاله الثقيلة على مستقبل اليمنيين الراغبين في السفر أو الالتحاق بعائلاتهم داخل الولايات المتحدة.

القرار الذي بدأ تطبيقه مطلع الأسبوع، شمل 12 دولة، بينها أربع دول عربية، بحجة “حماية الولايات المتحدة من تهديدات أمنية وإرهابيين أجانب”، بحسب ما ورد في الإعلان الرئاسي. إلا أن تداعياته تجاوزت الأطر الأمنية إلى حدود إنسانية عميقة، خصوصًا مع استمرار الحرب والأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة في اليمن.

وثائق إضافية وتعقيدات جديدة

التعقيدات لم تقتصر على إيقاف المقابلات فحسب، بل امتدت إلى فرض متطلبات جديدة، بحسب ما كشفه عبد الرحمن برمان، المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، الذي قال إن بعض المتقدمين طُلب منهم وثائق غير معتادة، مثل اختبارات الحمض النووي (DNA) ومستندات إضافية كانت تُطلب سابقًا فقط في الحالات النادرة.

برمان أوضح أن هناك من تم رفض طلباتهم بشكل مباشر، خاصة ما يتعلق بتأشيرات السياحة والدراسة والزيارات العائلية، ما يعكس حجم التأثير الواسع لهذا القرار على مختلف فئات اليمنيين، داخل الولايات المتحدة وخارجها.

الطلاب والفائزون في القرعة.. ضمن الخاسرين

من أكثر الفئات تضررًا جراء هذا القرار، بحسب برمان، هم الطلاب اليمنيون، بمن فيهم من حصلوا على تأشيرات دراسية سابقة، وكذلك الفائزون في برنامج الهجرة العشوائية (القرعة الأمريكية)، إذ لن يتمكنوا من دخول الولايات المتحدة رغم استيفائهم المعايير.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى حاملي الإقامة الدائمة (Green Card)، الذين كانوا سابقًا قادرين على استقدام أزواجهم وأبنائهم، إلا أن هذه المعاملات جُمّدت حاليًا، مما يعقّد مساعي لمّ الشمل العائلي.

مخاوف المقيمين والمهجرين

ورغم أن اليمنيين الحاصلين على الجنسية الأمريكية أو الإقامة الدائمة لا يتأثرون مباشرة من حيث الإقامة والمعيشة، فإن المخاوف تتصاعد لدى من لا يقيمون بشكل دائم داخل الولايات المتحدة، بل يتنقلون للحفاظ على وضعهم القانوني فقط. حيث بدأت سلطات المطارات، بحسب برمان، بتدوين ملاحظات في جوازات بعض المسافرين اليمنيين العائدين إلى الولايات المتحدة، تُشير إلى أنهم “غير مقيمين”، ما يضعهم أمام خطر فقدان إقامتهم مستقبلاً إذا لم يُظهروا استقرارًا فعليًا داخل البلاد.

الرد اليمني.. دون صدى

الحكومة اليمنية بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي، إذ سارعت لتقديم طلب رسمي للإدارة الأمريكية لاستثناء مواطنيها من الحظر، في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، إلا أن الرد الأمريكي لم يأتِ، والقرار دخل حيز التنفيذ بعد أربعة أيام فقط من إصداره، ما أضاع على آلاف العائلات فرصًا طال انتظارها.

تداعيات إنسانية مفتوحة

القرار الأميركي يعكس تحولًا واضحًا في سياسة الهجرة التي تتبعها واشنطن في السنوات الأخيرة، لكنه يطرح في المقابل تساؤلات حول الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بشعب يعيش حربًا متواصلة وظروفًا لا تُطاق.

اليوم، تقف آلاف العائلات اليمنية على أعتاب المجهول، فيما تُغلق أمامهم نوافذ الأمل الواحدة تلو الأخرى، في انتظار تغيير سياسي قد يُعيد الأمور إلى نصابها، أو يفتح ثغرة في جدار المعاناة الممتد.

وفي سياق متصل، أكدت الدكتورة وئام عثمان، أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإدراج جماعة الحوثي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، يأتي امتدادًا لقرارات متعددة اتخذتها الإدارة الأمريكية تجاه ما يعرف بـ”الفواعل من غير الدول المسلحة”، وهي كيانات تقول سلامة إنها “صناعة غربية في أوقات مختلفة بهدف استخدامها كأدوات غير مباشرة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية”.

وأشارت الدكتورة وئام إلى أن “قرار ترامب يعكس ازدواجية واضحة في المعايير، فهو في الوقت الذي يدّعي فيه العمل من أجل السلام، كما ورد في خطابه الرسمي، يواصل اتخاذ خطوات تصعيدية تهدف إلى إرضاء حلفائه، وعلى رأسهم إسرائيل، حتى وإن أظهر على السطح خلافات سياسية مع قادتها”.

وأضافت: “الخطوة الأمريكية بشأن اليمن والحوثيين تُعبّر بوضوح عن تحالف استراتيجي ثابت مع إسرائيل، مهما حاولت الولايات المتحدة تصدير صورة الحياد أو إظهار تباينات مرحلية، خاصة في ظل زيارات سياسية متكررة لدول الخليج كانت تهدف في ظاهرها إلى التهدئة، لكنها في الحقيقة تؤكد أن ما يجري ليس سوى مسرحية هزلية تُستخف من خلالها عقول شعوب المنطقة”.

وحول تأثير هذا القرار على الجالية اليمنية في الولايات المتحدة، أوضحت الدكتورة وئام سلامة أن “أعداد اليمنيين المقيمين في أمريكا كبيرة وتُقدّر بالملايين، لكن في ظل الواقع الحالي لا يُتوقع أن تلعب هذه الجالية دورًا مؤثرًا للضغط على الإدارة الأمريكية، خصوصًا في ظل تصاعد سياسات الترحيل والانتهاكات بحق المهاجرين غير النظاميين، وهو ما جعل الجالية تركز جهودها على حماية نفسها ومصالحها أولًا”.

وتابعت: “من غير المرجح أن تتحرك الجالية اليمنية أو تسعى لتغيير هذا القرار بشكل فعّال، لا سيما في ظل الأوضاع الداخلية الصعبة التي تواجهها، سواء داخل الولايات المتحدة أو في وطنها الأم. كما أن إدارة ترامب لطالما استخدمت هذه الكيانات، مثل الحوثيين أو حتى حماس وحزب الله، كأدوات للضغط ثم عادت لتتخذ قرارات تصفوية تجاهها، وهو ما يؤكد أن هذه السياسات جزء من نمط أمريكي ممنهج في التعامل مع الجماعات المسلحة في المنطقة”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.