قطر بين الغضب والوساطة.. خبراء يكشفون دلالات الضربة الإسرائيلية في الدوحة
كتب: إسلام ماجد
في تطور غير مسبوق، امتدت المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحركة حماس إلى العاصمة القطرية، الدوحة، حيث أعلنت الحركة مقتل خمسة من أعضائها في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مباني سكنية شمال المدينة. وبينما أكدت حماس أن وفدها التفاوضي، الذي كان مجتمعاً لمناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار، خرج سالماً، بررت إسرائيل الضربة، معتبرةً أنها استهدفت قادة الحركة المتورطين في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تصعيد خارج حدود المعركة
هزت الغارة، التي وقعت بعد ظهر الثلاثاء، أرجاء الدوحة. وأكد شهود عيان سماع ما لا يقل عن ثمانية انفجارات متتالية في حي كتارا، تبعها تصاعد أعمدة دخان كثيفة. وفي غضون دقائق، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها الكاملة عن الهجوم. ووصف جيش الاحتلال وجهاز “الشاباك” الضربة بأنها “عملية دقيقة استهدفت قيادة حماس”، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن 15 طائرة مقاتلة شاركت في إطلاق عشر قذائف خلال ثوان معدودة. وبحسب تسريبات إسرائيلية، كان من بين المستهدفين القيادي البارز خليل الحية وكبير المفاوضين زاهر جبارين.
في المقابل، أعلنت حماس أسماء القتلى، وهم: همام الحية (نجل خليل الحية)، جهاد لباد، عبد الله عبد الواحد، مؤمن حسونة، وأحمد المملوك.
قطر بين الغضب والخسارة
الدوحة، التي تستضيف المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012، وجدت نفسها في قلب العاصفة. وأعلنت وزارة الداخلية القطرية مقتل أحد أفراد قوى الأمن الداخلي “لخويا”، العريف بدر سعد الدوسري، إلى جانب إصابة آخرين. كما أكدت في بيان لاحق استشهاد مواطن آخر، مؤمن جواد حسونة، مشيرة إلى استمرار عمليات البحث عن مفقودين. ووصفت الحكومة القطرية الضربة الإسرائيلية بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي” و”اعتداء جبان”، مؤكدة التزامها بالتنسيق مع شركائها الدوليين للتحقيق في الحادث.
موقف أمريكي مرتبك
وجدت الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لكل من قطر وإسرائيل، نفسها أمام معضلة دبلوماسية. وأعرب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن “عدم رضاه” عن الغارة، قائلاً: “نحن نريد استعادة الرهائن، لكننا لسنا سعداء بالطريقة التي حدثت بها”. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن إسرائيل أخطرت الجيش الأمريكي بخططها قبل الهجوم، لكن البيت الأبيض والبنتاغون قدما روايات متناقضة حول طبيعة التنسيق، ما يعكس حالة ارتباك داخل الإدارة الأمريكية.
حماس: محاولة فاشلة لإفشال المفاوضات
وصفت حركة حماس الغارة بـ”الجريمة البشعة”، مؤكدة أن وفدها التفاوضي نجا من محاولة اغتيال مباشرة. وأضافت الحركة أن “استهداف المفاوضين أثناء مناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار يكشف بوضوح أن إسرائيل لا ترغب في التوصل إلى أي اتفاق، وتسعى لإفشال كل الجهود الدولية”. كما حملت الولايات المتحدة “مسؤولية مشتركة” عن الهجوم، معتبرة أن الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل يمنحها غطاءً لمواصلة التصعيد.
ردود فعل دولية متباينة
أثار الهجوم سلسلة من المواقف الدولية المتباينة. واعتبر رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، الضربة “رسالة واضحة للشرق الأوسط بأن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أهدافها أينما كانت”. في المقابل، وصف رئيس وزراء ماليزيا، أنور إبراهيم، الضربة بأنها “عمل عدواني همجي”، معلناً تضامن بلاده الكامل مع قطر. وعلى المستوى العربي، صدرت إدانات متفرقة دعت إلى ضبط النفس ووقف استهداف المدنيين.
خبراء يوضحون الموقف
في سياق متصل، أكد الدكتور سيد غنيم، الأستاذ الزائر بالأكاديمية الملكية العسكرية في بروكسل، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن الهجوم على قطر لم يكن ليحدث دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة. وأشار إلى أن الهدف الأساسي هو زيادة الضغط على حركة حماس لإجبارها على إطلاق سراح الرهائن والقبول بشروط التفاوض الإسرائيلية. وأضاف غنيم أن العملية تعكس تجاوزاً سياسياً من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، إذ نُفذت على أراضي دولة خليجية حليفة لواشنطن، مما قد يُفسر كرسالة تحدٍ لسيادة قطر واستقلاليتها.
ولم يستبعد غنيم أن تكون قطر قد أُخطرت مسبقاً بالعملية أو اختارت تجنب اعتقال قادة حماس بنفسها لتفادي أزمة دبلوماسية، لكنه شدد على أن هذه الفرضية تحتاج إلى تأكيد رسمي. وأوضح أن تداعيات الضربة لن تقتصر على المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بل قد تمتد إلى تعطيل جهود التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وربما تبطيء مسار “اتفاقات إبراهام” التي وقّعتها الإمارات والبحرين مع تل أبيب، معتبراً أن هذه الغارة ستلقي بظلال ثقيلة على العلاقات الإقليمية في المرحلة المقبلة.
من جانبه، أوضح الدكتور أيمن الرقيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن وفداً من حماس عاد من تركيا إلى الدوحة لمناقشة مقترح وساطة أمريكي يُعرف بـ”ترامب”، يهدف إلى إقرار هدنة طويلة الأمد في غزة. وأشار إلى أن قطر نصحت الوفد بقبول المقترح، وسادت أجواء إيجابية خلال النقاشات. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وفقاً لمصادر متابعة، أصدر تعليماته بتنفيذ عملية اغتيال استهدفت قيادات سياسية في حماس لتفادي ضغوط داخلية متزايدة على حكومته. وحذّر الرقيب من أن هذه العملية، التي لا تزال تفاصيلها غير مؤكدة بشكل كامل بين نجاح الاغتيال أو فشله، قد تفتح الباب أمام تصعيد جديد بين إسرائيل وحماس في المدى القريب.
و تشكل الغارة الإسرائيلية على الدوحة نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع بين إسرائيل وحماس، حيث تجاوزت حدود غزة لتصل إلى قلب دولة خليجية حليفة، مما يثير تساؤلات حول تداعياتها على الاستقرار الإقليمي. وبينما تستمر الإدانات الدولية والعربية، يبقى مصير المفاوضات معلقاً، مع مخاطر تصعيد جديد قد يعيد رسم ديناميكيات المنطقة. وفي ظل التوترات المتزايدة، تظل قطر أمام تحدٍ كبير للحفاظ على دورها كوسيط دبلوماسي، بينما تواجه إسرائيل ضغوطاً متصاعدة لتبرير عملياتها التي تنتهك السيادة الوطنية لدول أخرى. ومع استمرار الغموض حول تفاصيل العملية، يترقب العالم الخطوات القادمة في هذا الصراع المعقد.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.