لبنان على صفيح ساخن : خطة نزع سلاح حزب الله بين السيادة والإنفجار الداخلى ..
كتب : أحمد سمير
تدخل الساحة اللبنانية مرحلة شديدة الحساسية مع بدء مناقشة خطة الجيش لنزع سلاح حزب الله فى خطوة وصفت بأنها الإختيار الأصعب للدولة , بينما ترى الحكومة أن وضع السلاح بيد الجيش فقط هو ضرورة لإستعادة السيادة والإستقرار .
بينما يعتبر الحزب هذه الخطة لسيت سوى إمتداد لمؤامرة إسرائيلية مدعومة من واشنطن تهدف إلى إضعاف ” المقاومة ” , ومع تصاعد الضغوط الأمريكية والخليجية من جهة وتهديدات الحزب بالتصعيد من جهة أخرى يقف لبنان أمام مفترق طرق قد يحدد ملامح توازن القوى داخلياً وإقليمياً لسنوات مقبله .
تفاصيل خطة الجيش اللبنانى لنزع السلاح ..
قام القائد العام للقوات المسلحة اللبنانية ” رودولف هايكل ” بتقديم خطة نزع السلاح فى الخامس من سبتمبر الماضى إلى مجلس الوزراء اللبنانى حيث وافق المجلس الخطوط العريضه للخطة وتم الإتفاق على بدأ الجيش التنفيذ تدريجياً فى الجنوب خاصة عمليات مسح المستودعات ونقاط الإنتشار التابعة للحزب , بدون تحديد جدول زمنى معلن للتنفيذ تجنباً لحدوث أى توترات طائفية .
وقد إعتمدت الخطة على عدة مراحل :
1ـ جمع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من مناطق جنوب الليطانى وتسليمها للجيش .
2ـ إخلاء أو تفكيك المواقع العسكرية العلنية التابعه لحزب الله .
3 ـ نزع الصواريخ الثقيلة والطائرات المسيرة بإشراف دولى ” اليونيفيل , أو لجنة مشتركة ” .
الجدول الزمنى مرتبط بنهاية 2025 وهو مانصت عليه خريطة الطريق الأمريكية , لكن الحكومة اللبنانية لم تعلن مواعيد دقيقة خوفاً من التصعيد الداخلى , بينما سيتطلب من الجيش إرسال تقارير شهرية إلى البرلمان وسط تحفظات من القوى الشيعية .
آليات جمع الأسلحة وكيفية التعامل مع المقاومة المحتملة من حزب الله ..
قد يجرى هذا الأمر من خلال أمرين :
1ـ تسليم الأسلحة مباشرة للجيش مع تسجيلها وإدخالها فى مخازنه .
2ـ تدمير جزء من ترسانة الأسلحة خاصة الصواريخ بعيدة المدى كى تطمئن إسرائيل .
أما عن حزب الله نفسه فهو لم يوافق حتى الآن بل لمح إلى أن السلاح ” غير قابل للتفاوض ” ما يعنى أن التنفيذ قد يصطدم بمقاومة علنية أو سرية . فبعض التقديرات تتوقع أن يلجأ الحزب إلى إخفاء الأسلحة الإستراتيجية أو نقلها لسوريا مع الإحتفاظ بخلايا سرية .
حزب الله يعتبر الخطة ” مؤامرة إسرائيلية ” ويقدم الحجج للحفاظ على سلاحه ..
الحزب يرى أنها مؤامرة أمريكية , إسرائيلية تسعى إلى حرمان لبنان من عنصر الردع الوحيد ضد الهجمات الإسرائيلية , هذا ما قد كرره قادة الحزب بأن المقاومة هى من منعت من إحتلال إسرائيل للجنوب مرة أخرى وإن التخلى عن السلاح يُعرض لبنان بالكامل إلى الإبتزاز .
معتبراً أن الموافقة على الخطة هى إستجابة مباشرة للشروط الإسرائيلة للإنسحاب من بعض النقاط الحدودية .
مواجهات محتملة بين حزب الله والجيش اللبنانى ..
إنسحاب الوزراء الشيعة من جلسات الحكومة هو مؤشر على الإنقسام الطائفى العميق , إنقسام داخل الجيش اللبنانى نفسه إذ أن نسبة من الجنود والضباط ينتمون إلى الطائفة الشيعية , فى حالة مصادرة السلاح بالقوة قد تنفجر إشتباكات مباشرة وتفتح الباب أمام سيناريو حرب أهلية مشابهه لعام 1975.
رأى الطوائف الدينية فى لبنان لهذا الأمر ..
المشهد الطائفى فى لبنان قد يزداد حدة خاصة حال شعور الشيعة بالعزل أو الإستهداف المباشر .
فالغالبية الشيعية ترى ضرورة وجود السلاح كـ ” ضمان وجودى ” ويعتبرون الخطة إستهدافاً لهم كمكون سياسى .
وعن السنة فأغلب القيادات السنية تؤيد الخطة بإعتبارها خطوة ضرورية لإعادة سيادة الدولة وتقليص النفوذ الإيرانى .
المسيحيون منقسمون القوات اللبنانية , الكتائب يدعمون بشدة بينما التيار الوطنى الحر فهو الأكثر حذرا لكنه ميال للتأييد تحت الضغط الدولى .
ضغوطات دولية وعربية تمارس لتنفيذ الخطة ..
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية ملف نزع السلاح شرط أساسى لإستمرار إمداد لبنان بالمساعدات العسكرية , قيام الكونجرس الأمريكة بالتنوية بوقف التمويل حال عدم تنفيذ الخطة قبل نهاية العام الجارى .
ربطت السعودية الإمارات المساعدات المالية وإعادة الإعمار فى لبنان بتقدم حقيقى فى عملية نزع سلاح حزب الله .
الدعم الإيرانى لحزب الله فى رفض الخطة والتداعيات على نفوذ طهران بالمنطقة ..
تعتبر طهران حزب الله هو رأس الحربة فى مشروعها الإقليمى وترى أن نزع سلاحه هو ضربه إستراتيجية لها , فى ظل ذلك تستمر طهران فى دعمها السياسى والإعلامى وتشجيع خطاب ” المقاومة ” لمواجهة الضغوط الدولية , وفى ظل تضيق الخناق على نقل السلاح عبر سوريا سيظل الدعم المالى واللوجيستى قائماً.
فشل الخطة الموضوعه سوف يعزز من صورة إيران كقوة مؤثرة فى المنطقة ونجحها سوف يعزز قدرتها على الردع ضد إسرائيل .
موقف إسرائيل من الخطة الموضوعه ..
تؤكد إسرائيل على أن نزع سلاح حزب الله هو الشرط الأساسى لسلام دائم , كما هددت بتجديد الحرب حالما شعرت أن الحزب يناور أو يخبىء أسلحة إستراتيجية , ترى تل أبيب أن نجاح تنفيذ الخطة هو إزلة أكبر تهديد صاروخى على الحدود الشمالية لها.
فى المقابل لم تنفذ إسرائيل بعد كل إلتزامتها فى إتفاق 2024, والذى نص على الإنسحاب من النقاط الحدود الشمالية , مايعطى الحزب سبب لرفض الخطة .
من المحتمل وجود مخاطر أمنية عقب تنقيذ الخطة ..
الحدود مع إسرائيل : مع وقوع أى خلاف على آلية التنفيذ قد يؤدى إلى إشتباك جديد مع إسرائيل
الداخل اللبنانى : إندلاع مظاهرات أو مواجهات طائفية على وجه الأخص فى الجنوب والضاحية .
عمليات إرهابية : من خلال بروز مجموعات منشقة رافضه لقرار الحزب وتستمر فى العمل المسلح .
من الممكن أن يؤثر نجاح الخطة على التوترات الإقليمية وخاصة فى غزة , إيران …
بالنسبه إلى غزه يؤدى إلى تقليص الدعم اللوجيستى المقدم إلى فصائل المقاومة الفلسطينية
طهران سوف ينظر إلى الأمر كونه نجاح أمريكى إسرائيلى فى تقليص النفوذ الإيرانى بالمنطقة , نجاح خطة نزع سلاح الحزب تتجاوز لبنان وتمس بنية محور المقاومة بأكملة .
الجدل الذى قد أثارته الخطة ..
هذا الجدل يعكس الإنقسام العميق فى الهوية اللبنانية ويطرح سؤال هام هل لبنان دولة طبيعية بجيش واحد أم ساحة مفتوحة للمقاومة الإقليمية ..؟
التيارات المؤيده للخطه ترفع شعار لا دولة بلا جيش موحد , أما الحزب وحلفاؤه يرون أن لا سيادة بلا مقاومة ..
وفى تصريح خاص للكاتب والمحلل السياسي ” أمين قمورية ” لموقع نافذة الشرق …
أكد فيه : أن الخطة التى أعدها الجيش ظلت سرية والسبب في ذلك كى لا يكون هناك مناقشات بغير ملحها لذلك فتفاصيل الخطة كاملة لم تنشر , وأنها قد حازت على رضا الجميع بما فيهم ” حزب الله ” , وأن لبنان قد حققت ما أرداته واصبح هناك شرعية لعملية نزع السلاح ولم يعد هناك ثلاثية ” شعب , جيش , مقاومة ” , أصبحت لبنان هى المسؤلة عن بسط سيادتها على كل المناطق اللبنانية وأن السلاح الشرعى الوحيد هو الخاص بالمؤسسات الوطنية اللبنانية الجيش وأمن داخلى وما إلى ذلك .
مشيراً : إلى أن الحزب قد شعر بإرتياح مع وجود توقيت محدد لتسليم السلاح ونوعيته , إصرار الدولة على مبدأ ” الخطوة بخطوة ” على حد تعبيره ” نحن ننفذ عندما تنفذ إسرائيل إنسحابها وتطلق الأسرى , وتسمح بإعادة الإعمار وهذا مطلب أساسى للحزب .
مبيناُ : برضا الطرفين الدولة اللبنانية بتحقيق السيادة على كامل أراضيها وحزب الله حقق عدم وجود جدول للتنفيذ ومبدأ الخطوة بخطوة , وأن حزب الله إعتبر الورقة الأمريكية ورقة إسرائيلية , مع عدم الإعتراض على خطة الجيش اللبنانى , بل بالعكس فالعلاقة جيدة مع الجيش اللبنانى والذى أكد بدوره بعدم تنفيذ الخطة إلا بالتوافق وبعد تحقيق كل مايلزمه من تدابير تنقصه .
مضيفا ً : أن أمريكا المسألة غير واضحه وأنه تقف موقف إسرائيل بنفس المطالب لنزع السلاح لحزب الله وفى حالة عدم التنفيذ ستتوقف جميع المساعدات , منع إعادة لبنان للمنظامات الدوليه , وأن الموضوع سيستمر حال بقاء السلاح مع حزب الله , وأن إسرائيل لن ترضى بكل ما تقوله الدولة اللبنانية معتبره إيها أنها بطلة حرب وبالتالى عليها فرض شروطها بالطريقة المناسبة لها وما على الآخرين سوى التنفيذ , مع إستمرار ضغوط الأخيرة إلى أبعد مدى , وتنفيذ العديد من الغارات الجوية , والقصف وعمليات الإغتيال بل من الممكن أن تقوم بعمليات محدوده في بعض المناطق اللبنانية .
لافتاً الإنتباه إلى أن : إيران وحزب الله طرفاً واحد في التوجهات العامه خاصة وأن إيران تعتبر نفسها قد خسرت جوله وليست حرب , وأن الحرب مع أسرائيل لم تنتهى بعد ومن الممكن أن تتجد في أى وقت , الحزب أيضا يعتبر إيران حليفاُ له وأنه قد خسر جوله وليست حرباً , إيران تفضل أن يظل السلاح مع الحزب على الرغم من عدم الفائدة وقت حرب إيران مع إسرائيل , أو إيران قد أفادت الحزب وقت مواجهة حزب الله أمام إسرائيل , ولكن العلاقة بين الطرفين مترابطة ومن المؤكد وجود مناقشات بينهما في المفاوضات , وأنه لن يكون هناك حل نهائى لمسألة سلاح حزب الله قبل أن تضح نتيجة المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران .
موضحاً : أن جزء كبير من سلاح حزب الله قد تم تدميره ولكن المتبقى أيضا جزء أكبر , وأن سلاح حزب الله متواجد في جميع الأماكن ليس فقط مخازن الأسلحة , وقد دمر جزء من الترسانة الصاروخيه له , والمسيرات , وأن الجيش اللبنانى يوميا بالجنوب يحمل كميات كبيره من الأسلحة معبرا على حد قوله ” 40 عام حزب الله يتسلح فلن ينتهى سلاحه بين ليلة وضحاها ” .
مختتما : أن الداخل اللبنانى لن يذهب إلى مواجهة عسكرية فجميع الأطراف قد ” إرتاحت أعصابه ” على حد تعبيره بعد قرار وضع الخطة بهذه الطريقة , وأن حزب الله ليس من الوارد أن يقع في أى مشكلات مع الجيش اللبنانى ولا العكس , وأن الجميع في إنتظار تغيير الوضع .
وفى النهاية خطة نزع سلاح حزب الله ليست مجرد بند أمنى بل معركة هوية وسيادة إقليمية , نجاحها قد يعيد للدولة هيبتها مرة أخرى ويحد من النفوذ الإيرانى , لكنه يحمل بداخله خطر الإنفجار الداخلى وحرب جديده مع إسرائيل بيروت اليوم تقف فى مفترق طرق إما أن تكون دولة مركزية ذات سيادة أو ساحة صراع مستمر.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.