متحدث حركة فتح: اختيار ليبيا أو غيرها لتهجير الفلسطينيين مرفوض.. ولن نعيد النكبة| حوار خاص

29

حوار : عبد الرحمن السيد
عبد الفتاح دولة لـ نافذة الشرق:
نطالب بتفعيل مبادرة السلام العربية كمرجعية، ورفض أي تسويات تنتقص من حقوقنا
الصندوق العربي للتعافي وإعادة الإعمار يدعم صمود الشعب الفلسطيني وتجاوز الأزمة المالية
ترامب أثّر على المشهد العربي.. لكن الدم الفلسطيني أعاد توحيد الموقف العربي حول الثوابت
اختيار ليبيا لتوطين الفلسطينيين مرفوض.. ولا بدائل عن الوطن
رغم العدوان والمخططات.. الفلسطينيون متمسكون بالثوابت ولن يرحلوا

في توقيت بالغ الخطورة، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وتكشّف تقارير دولية عن مخططات تهجير جماعي للفلسطينيين، يفتح عبد الفتاح دولة، المتحدث باسم حركة “فتح”، النار على هذه التحركات، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني “لن يرحل”، وأن التهجير يمثل جريمة تطهير عرقي مرفوضة تمامًا.

وفي حوار خاص، يكشف القيادي الفلسطيني لـ”نافذة الشرق” كواليس قمة بغداد، ويشرح موقف القيادة من الأزمة المالية الخانقة بعد لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويرد بقوة على ما يتردد عن مخططات لإعادة إنتاج النكبة، محذرًا من أن صمت المجتمع الدولي قد يُفهم كضوء أخضر لاستكمال المؤامرة.

وإلى نص الحوار:

كيف رأيت قمة بغداد بالنسبة للقضية الفلسطينية؟

القمة العربية التي عُقدت في بغداد، جاءت في لحظة حرجة من تاريخ القضية الفلسطينية، حيث يخوض شعبنا حرب بقاء في غزة، ويواجه الاحتلال سياسات التطهير العرقي في الضفة والقدس. ما نأمله من القمة ليس فقط تجديد الدعم السياسي، بل الانتقال من الأقوال إلى الأفعال. المطلوب هو دعم حقيقي للمسار السياسي الفلسطيني على أساس الشرعية الدولية، تفعيل مبادرة السلام العربية كمرجعية، ورفض أي تسويات تنتقص من حقوقنا. كذلك، يمكن للقمة أن تلعب دورًا محوريًا في الضغط من أجل وقف فوري لللعدوان والضغط الفوري لادخال المعونات الانسانية والاغاثية، وتمكين السلطة الفلسطينية من ممارسة مسؤولياتها الادارية والامنية في ادارة القطاع، وصولا الى تنفيذ الخطة العربية الإسلامية لاعادة الاعمار ، والدفع لمسار سياسي للحل بالاستناد للشرعية الدولية وحشد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

الرئيس أبو مازن خلال لقائه بالرئيس السيسي في موسكو تطرّق إلى الأزمة المالية، وطالب القمة العربية بمعالجتها. ما الجديد في هذا؟

الرئيس محمود عباس ناقش مع الرئيس السيسي في موسكو أبعاد الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، في ظل مواصلة الاحتلال احتجاز أموال المقاصة، وغياب الدعم الدولي الكافي. والذي يؤثر على قدرة وبنية والتزامات المؤسسات الفلسطينية إن لم يتم التدخل اللازم. لذلك، طالب الرئيس بأن تتناول القمة العربية هذا الملف بشكل عملي، من خلال تفعيل شبكة الأمان المالية العربية، وتوفير دعم عاجل للخزينة الفلسطينية، بما يضمن استمرار الخدمات الأساسية، وبقاء السلطة قائمة كرافعة سياسية نحو الدولة والحرية والاستقلال.
الجديد، ونأمل أن يكون نوعيًا، هو إعلان الأمين العام المساعد للجامعة العربية، السفير حسام زكي، عن إنشاء صندوق عربي للتعافي وإعادة الإعمار. نحن نرى أن هذا الصندوق يمكن أن يشكّل أداة استراتيجية ليس فقط لإعادة إعمار غزة، بل أيضًا لدعم صمود الشعب الفلسطيني وتجاوز الأزمة المالية، إذا ما أُدرج دعم السلطة الوطنية ضمن أولوياته.
لذلك، نأمل أن يتبنى القادة العرب قرارًا عمليًا بتمويل هذا الصندوق وبدء عمله فورًا، مع تخصيص مخصصات عاجلة للحالة الفلسطينية، واعتبارها اختبارًا حقيقيًا لجدية التضامن العربي.

هل ترى أن الجولة الخليجية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان لها تأثير على القمة العربية؟

لا شك أن التحركات الأميركية، سواء خلال إدارة ترامب أو ما تلاها، تركت أثرًا على المشهد العربي العام، خصوصًا من خلال مسار التطبيع ومحاولة تجاوز المبادرة العربية للسلام. لكننا نعتقد أن الظروف الحالية، لا سيما بعد حرب غزة وما تكشف من جرائم الاحتلال، أعادت ضبط البوصلة العربية. هناك اليوم إدراك بأن لا استقرار في الإقليم دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه الموقف العربي والموقف السعودي الشقيق الثابت والمتمسك بمبادرة السلام العربية ويقود جهد سياسبي الى جانب فرنسا لعقد مؤتمر يدفع للحل السياسي القائم على الشرعية الدولية وحل الدولتين. وإذا أثرت جولات ترامب في مرحلة سابقة على بعض المواقف، فإن الدم الفلسطيني النازف اليوم يعيد توحيد الموقف العربي حول الثوابت.

كيف ترى خطة الإدارة الأمريكية المزعومة لتهجير مليون فلسطيني إلى ليبيا؟

نحن في حركة “فتح” نرفض رفضًا قاطعًا أي حديث أو تفكير بخطط تهدف إلى تهجير أبناء شعبنا الفلسطيني، سواء جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية ان صحت التقارير أو من أي جهة أخرى، وأيًّا كانت العناوين التي تُغلّف بها. هذا موقف مبدئي وراسخ، لا يرتبط فقط بحسابات سياسية آنية، بل بجوهر الرواية الوطنية الفلسطينية وبالحق التاريخي والقانوني لشعبنا في أرضه.

إن أي محاولة لإعادة إنتاج سيناريو النكبة، عبر تهجير جماعي جديد، تُعدّ خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف، وتمثل جريمة تطهير عرقي لا يمكن القبول بها أو الصمت عنها. هذه المحاولات لا تستهدف فقط غزة أو الضفة، بل تضرب في عمق الوجود الوطني الفلسطيني وتفتح الباب لمشاريع تصفية شاملة للقضية، ولن يكرر الشعب الفلسطيني مأساة النكبة مرة أخرى ولن يتزحزح عن أرضه وحقه.
لقد عبّر الموقف المصري والأردني بوضوح عن رفض مطلق لأي محاولة لتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم، إدراكًا منهم لما تمثّله هذه المخططات من خطر وجودي على القضية الفلسطينية وعلى الأمن القومي العربي. وكذلك، أكدت الدول العربية كافة في مناسبات عدة تمسكها بمبادرة السلام العربية التي تشترط الانسحاب الكامل مقابل السلام القائم على الشرعية الدولية والقانون الدولي، وترفض التوطين أو التهجير بأي صيغة كانت.
وعلى الصعيد الدولي، هناك إجماع واسع بين الدول الأوروبية، وضمن أطر الأمم المتحدة، على أن الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية لا يمر عبر التهجير أو تصفية حق العودة، بل عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه.
نحن نرى أن مثل هذه “الخطط” لا تندرج في إطار السلام، بل تأتي في سياق هندسة ديموغرافية عنصرية تسعى إلى تفريغ الأرض من أصحابها، وتحويلهم إلى مجرد أرقام في مخيمات الشتات. لكن شعبنا قال كلمته منذ النكبة: لن نرحل.

لماذا قد يتم اختيار دول مثل ليبيا أو غيرها لهذا الغرض؟

اختيار أي دولة عربية، سواء كانت ليبيا أو غيرها، كموقع محتمل لتوطين الفلسطينيين ليس جديدًا، بل هو امتداد لمحاولات سابقة فشلت، وستخفق اليوم أيضًا. من يطرح هذه الأفكار يفعل ذلك من منطلق استعماري قديم يرى في الفلسطيني مجرد أزمة أمنية أو إنسانية يجب تصديرها، لا شعباً صاحب حق ووطن.
نحن نرفض هذا المنطق رفضًا مطلقًا، ونؤكد أن أرض فلسطين هي الوطن الطبيعي والوحيد لشعبنا، وليس من حق أحد ـ لا من داخل المنطقة ولا من خارجها ـ أن يبحث عن بدائل للوطن الفلسطيني أو حلول على حساب سيادة دول عربية شقيقة.
ليبيا، مثل غيرها من الدول العربية، عانت من التدخلات الخارجية، ولا يجوز أن تُستخدم كأداة لمشاريع مشبوهة على حساب الشعب الفلسطيني أو سيادة أراضيها. كما نثق أن أشقاءنا في ليبيا، كما في باقي الأقطار العربية، لن يقبلوا أن يُزجّ بهم في مخطط يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية على حسابهم.

لماذا هذا الإصرار على التهجير؟

الإصرار على التهجير نابع من عقلية استعمارية لم تتغير، ترى في الإنسان الفلسطيني عائقاً أمام مشاريع السيطرة والهيمنة. إن جوهر المشروع الصهيوني كان دائماً يقوم على فكرة “أرض بلا شعب”، ولهذا فإن تهجير الفلسطينيين يُعتبر، من منظورهم، شرطاً لبقاء هذا المشروع.
لكن ما لم يدركه هؤلاء منذ النكبة حتى اليوم، هو أن الشعب الفلسطيني ليس مجرد كتلة بشرية قابلة للنقل أو للاندماج في أي مكان آخر. الفلسطينيون لا يقبلون المساس بحقهم في أرضهم وهويتهم، وهم لم ينسوا قراهم ومدنهم رغم مرور أكثر من سبعة عقود على تهجيرهم.
هذه المحاولات، مهما بدت مدعومة أو مموّلة أو مسنودة سياسياً، ستفشل كما فشلت سابقاتها، لأن الفلسطينيين أنفسهم يرفضونها، ولأن العالم بات أكثر وعيًا بضرورة احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
وعلى منظومة القانون الدولي أن تأخذ إجراءات فعلية في مواجهة هذا المشروع حتى لا يتعامل مع حالة الصمت أو العجز الدولي بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ هذا المخطط أو حتى التفكير به.

كيف ترى مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هذه المخططات والعدوان؟

رغم كل المحاولات لتصفية القضية، ورغم القمع والعدوان، فإننا نرى أن هذه الهجمة على شعبنا ما هي إلا تعبير عن اوهام اليمين المتطرف الذي يحكم دولة الاحتلال بعقلية توراتية تعتقد ان بمقدورها في هذه الظروف تصفية القضيةالفلسطينية واقامة وهم دولة اليهود على حساب الوجود والحق الفلسطيني. فالاحتلال لم يستطع كسر إرادة الفلسطيني، لا بالحرب ولا بالحصار ولا بالتجويع، ولن يستطيع تهجيره مرة أخرى.

مستقبل القضية الفلسطينية يصنعه الفلسطينيون بإرادتهم وبنضالهم. شعبنا موحّد في رفض كل مشاريع التهجير، ومصمم على البقاء فوق أرضه مهما كلّف الثمن. والقيادة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة “فتح”، متمسكة بثوابتنا الوطنية: حقنا في النضال، وحقنا في إقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.
العدوان ومشاريع التهجير لن تُنهي القضية، بل تزيدها حضورًا وعدالة في نظر شعوب العالم، وتكشف زيف الرواية التي تحاول نفي وجودنا. نحن هنا، وسنبقى، وسننتصر.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.