مشادة تحت القبة.. البرلمان يرفض موازنة الضرائب والاقتراض جلسة ساخنة تكشف الانقسام حول مستقبل الاقتصاد المصري

3

عبد الرحمن السيد

في واحدة من أكثر الجلسات سخونة تحت قبة البرلمان خلال العام الجاري، رفض عدد من النواب الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2025–2026، مؤكدين أنها لا تعبّر عن أولويات المواطنين، وتعكس استمرار الاعتماد المفرط على الضرائب والاقتراض دون رؤية واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية.

خلال الجلسة، شهد البرلمان مشادات كلامية حادة، فيما استخدم نواب المعارضة عبارات قاسية ضد الحكومة، متهمين إياها بإعداد موازنة “ورقية” لا تلتزم بها إلا في بند واحد فقط: الضرائب.

النائب محمد عبد العزيز، وكيل لجنة حقوق الإنسان وعضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، قال في تصريح خاص لـ”نافذة الشرق“: “فوائد الدين وحدها بلغت 2.3 تريليون جنيه، بزيادة 25% عن العام الماضي، بينما ارتفعت أقساط الدين إلى 2.08 تريليون جنيه بزيادة 30%. وفي المقابل، انخفض الإنفاق على الاستثمارات من 496 مليار جنيه إلى 435 مليار، بتراجع 12%.”

ويضيف عبد العزيز: “الإيرادات الأخرى التي تشمل موارد الإنتاج والخدمات تراجعت من 600 مليار إلى 455 مليار فقط، أي بانخفاض 24%. نحن أمام موازنة تُحمِّل المواطن العبء دون أن تقدم له عائدًا ملموسًا.”

أما النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ووكيل لجنة القوى العاملة، فقد كان أول من أعلن رفضه الصريح للموازنة. في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، قال: “الموازنة أرقامها لا تنفذ، وأغلبها حبر على ورق. المواطن لا يشعر بأي تحسن، بل على العكس، نسب الفقر ارتفعت إلى أكثر من 32%.”

وأشار منصور إلى أن “الضرائب تمثل 85.1% من الإيرادات، ما يعكس اعتمادًا كليًا على جيب المواطن، بينما الحكومة لا تنفذ حلولًا اقترحناها سابقًا لتوفير تمويل بديل.”

كما لفت إلى تراجع الاهتمام بقطاعات أساسية، موضحًا أن “نسبة مخصصات الصحة كانت 7.4% في موازنة 2021/2022، وانخفضت إلى 5.4% حاليًا. أما التعليم فهبط من 10.6% إلى 6.9%، وهو ما يخالف النسب الدستورية.”

النواب حذروا من جانبهم حذروا من الاستمرار على هذا النهج. يقول النائب إيهاب منصور لـ”نافذة الشرق”: “عندما تذهب 74% من كل 100 جنيه إيرادات إلى سداد فوائد فقط، و66.8% لسداد القروض، فذلك يعني أن الدولة تدور في حلقة مفرغة من الاستدانة دون تحريك عجلة الإنتاج.”

ويضيف: “الفوائد وحدها تجاوزت حاجز الخطر. نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة الدين العام، والتركيز على استثمارات حقيقية ترفع الإيرادات الإنتاجية وليس الجبائية.”

من جانبه، أكد الدكتور أحمد كجوك وزير المالية العمل، أن مشروع موازنة 25/26 تستهدف تحقيق عدة أهداف ومنها دعم الحماية الاجتماعية وخفض الدين والعجز الكلي، مشيرا إلى العمل على نمو الإيرادات بالموازنة الجديدة، لتكون أعلى من المصروفات من خلال التركيز على الاحتياجات الأساسية.

وقال وزير المالية خلال الجلسة العامة بمجلس النواب اليوم الإثنين ، أثناء مناقشة تقرير لجنة الخطة والموازنة بشأن مشروع قانون الموازنة العامة للدولة 25/26 ، إن سبق أن تم إقرار مشروع قانون الموازنة الحكومية العامة والتي تعكس تحسنا في المؤشرات الاجمالية ، مؤكدا استهداف خفض الدين إلى 82% من إجمالي الناتج المحلي.

ولفت إلى انخفاض الإيرادات الضريبية من 85% إلى 34% من إجمالي الإيرادات الحكومة العامة، موضحا أن مؤشرات فوائد الدين تتأثر بارتفاع اسعار الفائدة عالميا وتغير سعر الصرف، مشددا على أن مؤشرات الحكومة العامة تتحسن كمسار.

وقال كجوك :”أوجدنا آلية مؤسسية الجهاز الأداري للدولة لرفع الحد الأدني للأجور يعرف بـ”البي رول” لمتابعة بيانات كل موظف وقطعنا شوط كبير يساعدنا بأن يكون هناك بيانات شهرية ونعمل علي استكمالها بالجهات المتبقية وستكون اكتملت مخصصات زيادة ونسب استثنائية”.

يشار إلى أن الموازنة الجديدة تستهدف رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه، مع اعتماد علاوة دورية بنسبة 10% من الأجر الوظيفي للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بحد أدنى 150 جنيهًا شهريًا، إلى جانب علاوة خاصة بنسبة 15% من الأجر الأساسي للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بحد أدنى 150 جنيهًا شهريًا.

في المقابل، يشير نواب إلى أن أزمة الثقة بين البرلمان والحكومة تتفاقم. يقول النائب إيهاب منصور: “الحكومة لا تنفذ وعودها، حتى قانون التصالح الذي وعدت بإرساله منذ مايو لم يصل بعد. تعويضات نزع الملكية متأخرة منذ ثلاث وأربع سنوات، ولا تُصرف رغم مخالفة ذلك للدستور.”

وفي ختام الجلسة، بدا واضحًا أن البرلمان قد يذهب في اتجاه الضغط على الحكومة لتعديل بنود جوهرية في الموازنة، وسط دعوات من بعض النواب لردها بالكامل. لكن واقع الاقتصاد الضاغط، ومحدودية الخيارات المتاحة، قد يجعل أي تعديل شكليًا أكثر منه جذريًا.

ختامًا، فإن جلسة الموازنة هذا العام لم تكن مجرد نقاش رقمي، بل كشفت عن عمق الأزمة بين السلطات، وعن فجوة تتسع يومًا بعد يوم بين المواطنين وصناع القرار. وبينما يطالب البرلمان بخفض الدين وتحقيق العدالة الاجتماعية، تسعى الحكومة إلى تمرير موازنة تجنبها الانهيار المالي – ولو على حساب رضا الشارع.

ويبقى السؤال: هل يمكن التوفيق بين مقتضيات الواقع الاقتصادي القاسي وتطلعات الناس المشروعة؟ أم أن ما حدث تحت القبة ليس إلا مقدمة لمعارك أشد ضراوة قادمة؟.

يذكر أن إجمالي الموازنة التي قدمتها الحكومة للبرلمان تُقدَّر بنحو ٣,١ تريليون جنيه، بمعدل نمو سنوي ١٩٪، والمصروفات تصل إلى ٤,٦ تريليون جنيه، بزيادة ١٨٪، لافتًا إلى استهداف تحقيق فائض أولي ٧٩٥ مليار جنيه، بنسبة ٤٪ من الناتج المحلي، وخفض دين أجهزة الموازنة العامة إلى ٨٢,٩٪.

ومن المقرر التصويت علي الموازنة العامة الجديدة، في الجلسات العامة المقبلة؛ لا سيما أن إقرارها قبل نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو المقبل، التزام دستوري، لافتًا إلى أن تطبيق الموازنة الجديدة يبدأ في الأول من يوليو من كل عام .

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.