مصر بين الفتاوى والقانون.. تنظيم جديد لضبط الفتاوى الدينية لأول مرة فى مصر

2

كتب: عبد الرحمن السيد

بعد سنوات من غياب الضوابط الملزمة، وفي مواجهة سيل الفتاوى الشاذة والعشوائية، أقر مجلس النواب المصري قانون تنظيم الفتوى الشرعية، في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحول نحو ضبط الخطاب الديني وتحصين المجتمع من الفتن الفكرية والدينية التي انتشرت عبر الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي. القانون الجديد لا يستهدف فقط منع غير المتخصصين من تصدر المشهد، بل يسعى أيضًا إلى تقنين آلية الإفتاء العامة والخاصة، وفرض رقابة مؤسسية على منابر الفتوى، بما يضمن عودة المرجعية الدينية إلى مكانها الصحيح وفي مقدمتها “الأزهر الشريف”.

دوافع إصدار القانون.. مواجهة الشذوذ وضبط الخطاب

يقول الدكتور أسامة العبد، وكيل لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، إن “إصدار القانون تأخر كثيرًا، فكنا بحاجة إليه منذ سنوات طويلة”، مضيفًا في تصريحاته لـ موقع نافذة الشرق ـ أن “مصر بلد الأزهر الشريف، المعروف عالميًا بالوسطية والاعتدال، وقد خدم الإسلام لأكثر من ألف عام، فلا يمكن أن نسمح بأن يظهر من يعكر صفو المجتمع بفتاوى شاذة أو متطرفة خارجة عن الإطار المشروع”.

ويضيف العبد أن “القانون جاء ليحصر الفتوى الشرعية في جهات بعينها تمتلك العلم والورع والخبرة؛ وهي هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء، واللجان التي يتم إنشاؤها داخل الأزهر والأوقاف وفق شروط واضحة”.

من له حق الفتوى؟

بحسب المادة الثالثة من القانون، فإن الفتوى الشرعية العامة لا يجوز أن تصدر إلا عن هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية. أما الفتوى الخاصة فيجوز صدورها كذلك عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، واللجان التي تنشأ بوزارة الأوقاف بالتنسيق مع الأزهر ودار الإفتاء، شرط توافر معايير علمية ودينية محددة.

القانون لم يكتفِ بتحديد الجهات، بل وضع شروطًا دقيقة لمن يحق له الإفتاء، من بينها: ألا يقل السن عن 30 عامًا، أن يكون خريج كلية شرعية من جامعة الأزهر، وأن يكون معروفًا بالتقوى والاستقامة، وألا يكون قد صدر ضده حكم تأديبي، بالإضافة إلى ضرورة اجتياز برامج تدريبية معتمدة من هيئة كبار العلماء.

الفتوى والإرشاد.. الفصل بين المفهومين

نص القانون على الفصل بين الفتوى الشرعية والإرشاد الديني، لتفادي الخلط الذي تكرر كثيرًا خلال السنوات الماضية. فبينما تُعد الفتوى إبداء لحكم شرعي في نازلة عامة أو خاصة، فإن الإرشاد يهدف إلى التوجيه والتوعية العامة دون إصدار أحكام شرعية مُلزمة. وبهذا، أتاح القانون مساحة للعمل الدعوي والوعظي، مع حصر الفتوى في نطاقها المؤسسي فقط.

الرقابة على الفتوى في الإعلام والسوشيال ميديا

من أهم بنود القانون، ما ورد في المادة السابعة التي تُلزم وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي بعدم نشر أو بث الفتاوى إلا من جهات مرخص لها. كما تشترط المادة أن يكون ضيف البرامج الدينية ممن نص عليهم القانون، وإلا تُحاسب الوسيلة الإعلامية وفق القانون.

لكن الكاتب الصحفي حمدي رزق، عضو الهيئة الوطنية للصحافة، يطرح زاوية أخرى مهمة في تصريحاته لـ “نافذة الشرق”، قائلًا: “إذا استضافت وسيلة إعلامية أحد المأذون لهم بالإفتاء وقال بفتوى شاذة أو مخالفة للإجماع، فإن الوسيلة لا تُحاسب؛ لأنها استضافت شخصًا مرخصًا له من هيئة كبار العلماء، ومن ثم فالمسؤولية تقع على عاتق الشخص نفسه، لا الوسيلة”.

لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات مشروعة: “كيف ستعرف الوسائل الإعلامية الأشخاص المرخص لهم؟ هل ستكون هناك قوائم؟ وهل ستصدر تراخيص رسمية؟ ومن الجهة التي ترشح الأسماء؟”. ويرى رزق أن تلك التفاصيل تحتاج توضيحًا أكثر في اللائحة التنفيذية للقانون حتى لا تُفهم على وجه خاطئ.

العقوبات.. حبس وغرامة لغير الملتزمين

جاءت المادة الثامنة لتضع حدًا واضحًا للفوضى، حيث تنص على معاقبة كل من يخالف أحكام المادتين (3) و(7) – الخاصة باختصاص الإفتاء وضوابط النشر – بالحبس لمدة لا تزيد على 6 أشهر، وغرامة تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتُضاعف العقوبة في حالة التكرار.

ولم يغفل القانون عن تحميل المسؤولية للمؤسسات، حيث نص على مسؤولية الشخص الاعتباري (الصحيفة أو القناة أو الموقع) عن أي تعويضات تُقضى بها إذا وقعت المخالفة من أحد العاملين لديه وباسمه ولصالحه.

تحديات التطبيق.. هل تنجح الآليات؟

رغم الترحيب الواسع بالقانون داخل المؤسسات الدينية، إلا أن ثمة تحديات أمام التطبيق، في مقدمتها ضرورة سرعة إصدار اللائحة التنفيذية التي ستحدد آليات الرقابة، وقوائم المؤهلين، وإجراءات منح وسحب التراخيص، فضلًا عن طرق المراقبة الإلكترونية في زمن الإنترنت المفتوح.

ومن أبرز النقاط المستحدثة في القانون:

حرمان من لم يجتز البرامج التدريبية من التقديم مرة أخرى إلا بعد مرور عامين.

ربط إلكتروني بين لجان الإفتاء ومركز الأزهر العالمي للفتوى لتقديم الدعم اللازم.

تشكيل لجان متابعة من هيئة كبار العلماء لضمان الالتزام بضوابط الإفتاء.

أثر القانون على المجتمع.. حماية من الفتن

يرى الدكتور أسامة العبد أن القانون “يحمي مصر من الانزلاق في فتن كبيرة، ويعيد للفتوى هيبتها ويمنع تسرب الفكر المتطرف باسم الدين”. ويؤكد أن “القانون ليس فقط لمنع غير المؤهلين، بل لحماية المجتمع من التدليس والانحراف، وتنقية المنابر الدينية والإعلامية من الدخلاء”.

أما حمدي رزق، فيختم بالقول: “القانون مهم جدًا، لكن التطبيق هو الفيصل. إذا أحسنت الدولة ضبط قوائم المؤهلين وتوفير قاعدة بيانات شفافة، سننجح في تنظيم الفتوى بشكل مؤسسي دون المساس بحرية الرأي والدعوة”.

قانون تنظيم الفتوى في مصر لا يعد فقط استجابة لتحديات الحاضر، بل هو استثمار في المستقبل الديني والثقافي للمجتمع المصري والعربي. ومع أن نجاحه مرهون بسرعة التنفيذ ووضوح الإجراءات، إلا أنه خطوة جادة نحو إعادة بناء الثقة في المرجعية الدينية، وإعادة الاعتبار للعلماء الحقيقيين الذين يحملون راية الدين الوسطي السمح.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.