مصر بين النيران.. كيف تتعامل القاهرة مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران؟

2

عبد الرحمن السيد

مع كل صاروخ ينطلق وكل منشأة تُقصف في قلب إيران، يزداد القلق في الشرق الأوسط من أن تكون المنطقة على أعتاب حرب إقليمية شاملة لا تبقي ولا تذر. وفي خضم هذا المشهد المتأزم، تبرز مصر كواحدة من أبرز الدول الفاعلة، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها السياسية، ولكن أيضًا لما تملكه من وزن دبلوماسي وحساسية أمنية تجعلها تتابع عن كثب تطورات الحرب بين إسرائيل وإيران، وتتحرك بمرونة بين خطوط النار، باحثة عن تهدئة تضمن بقاء المنطقة على قيد الاستقرار.

إدانة سريعة وتحذير مصري مبكر

في أول رد فعل رسمي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا حاد اللهجة أدانت فيه الغارات العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية فجر الجمعة، ووصفتها بأنها تمثل “تصعيدًا إقليميًا سافرًا بالغ الخطورة”، وانتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

وجاء في البيان أن مصر تتابع بقلق بالغ تطورات هذا الصراع المتسارع، وتستنكر “العمل غير المبرر” الذي من شأنه إشعال الأزمة بشكل أوسع، محذرة من أن مثل هذه التحركات قد تقود إلى “فوضى عارمة” تهدد مقدرات شعوب المنطقة.

لكن لم يقتصر الموقف المصري على الإدانة فحسب، بل تضمن رسالة مبدئية طالما أكدت عليها القاهرة في تعاملها مع أزمات الإقليم: لا حل عسكري لأي من الأزمات في المنطقة. إذ شددت الخارجية المصرية على أن “غطرسة القوة لن تحقق الأمن لأي دولة، بما في ذلك إسرائيل”، مؤكدة أن السلام لا يأتي إلا من خلال احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

موقف استراتيجي ثابت.. وفلسطين جوهره

السياسي المصري ونائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية، المهندس علاء عبد النبي، عبّر عن رؤية واضحة تعكس ثوابت الموقف المصري، قائلًا إن “الضربات الإسرائيلية ضد إيران مؤشر خطير على انفلات الوضع الإقليمي”، لافتًا إلى أن “تجاهل المجتمع الدولي لجرائم إسرائيل في غزة” هو ما دفع المنطقة نحو الهاوية.

وأكد عبد النبي، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق، أن القاهرة تتحرك بدافع من مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية تجاه فلسطين، وليس فقط كموقف سياسي تقليدي. وقال إن “مصر لطالما حذرت من توسع رقعة الصراع”، و”ما حدث اليوم يؤكد صحة هذه التحذيرات”، في إشارة إلى أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان أمرًا متوقعًا نتيجة التصعيد غير المسبوق خلال الشهور الماضية في غزة والضفة الغربية، وفي جنوب لبنان واليمن.

كما شدد على أن مصر لا تزال تبذل جهودًا دبلوماسية لوقف نزيف الدم الفلسطيني وتأمين المساعدات لغزة، مؤكداً أن حل الدولتين هو المسار الوحيد للسلام، ومطالبًا القوى الدولية بضرورة التدخل العاجل للجم التصعيد.

خطر الحرب الشاملة.. وتحذير من الانزلاق

القلق المصري لم يأتِ من فراغ، بل من إدراك استراتيجي لعواقب الحرب المحتملة بين قوتين بحجم إسرائيل وإيران. في هذا السياق، حذّر حزب المستقلين الجدد من أن هذه الحرب ستكون ذات عواقب وخيمة إقليميًا ودوليًا، مؤكدًا أن مصر تتحرك بحكمة لاحتواء الانفجار.

وقال الدكتور هشام عناني، رئيس الحزب، إن بيان الخارجية المصرية عكس رؤية دقيقة بأن “الحلول العسكرية لا تصنع استقرارًا، بل تحمل تهديدًا كبيرًا لشعوب المنطقة”. وأوضح أن الرد الإيراني على الهجمات متوقع، وأن اتساع رقعة الصراع جغرافيًا وزمنيًا بات مرجحًا بقوة، خاصة مع دخول أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة بدعم أحد الجانبين.

وأشار عنان، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق، إلى أن مفاوضات إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي، الممتدة لأكثر من عشرين عامًا، لم تحقق أي اختراق فعلي، بل زادت من تمسك إيران بخيارها النووي كاستراتيجية طويلة المدى. وهذا ما يجعل خطر الانفجار الإقليمي قائمًا، وقد يكون طويل الأمد.

وأكد الحزب دعمه الكامل لموقف القيادة المصرية، داعيًا كافة الأحزاب والقوى السياسية والشعب المصري إلى التماسك والتوحد في هذه المرحلة الحرجة التي تتطور فيها الصراعات بوتيرة غير مسبوقة.

استعدادات القاهرة.. بين الدبلوماسية والتأهب الأمني

لا يمكن فصل التحركات المصرية الدبلوماسية عن استعدادات القاهرة الأمنية والعسكرية، خاصة أن مصر دولة جوار مباشر للعديد من بؤر التوتر، وتملك حدودًا بحرية وبرية مفتوحة على أكثر من جبهة. في هذا السياق، تركز الدولة المصرية على عدة محاور رئيسية استعدادًا لتداعيات الحرب:

  1. تأمين الجبهة الشرقية على الحدود مع غزة وسيناء، وتعزيز الرقابة على المعابر لمنع تهريب السلاح أو تنقل الجماعات المسلحة.
  2. تكثيف التعاون الاستخباراتي مع شركاء دوليين وإقليميين لرصد أي تحركات مريبة قد تهدد الأمن القومي المصري.
  3. رفع جاهزية القوات البحرية في البحر الأحمر والبحر المتوسط لمواجهة أي محاولات لزعزعة أمن الملاحة، خاصة مع التوتر المتصاعد في مضيق هرمز والبحر الأحمر.
  4. تحركات دبلوماسية نشطة عبر اتصالات مباشرة مع أطراف إقليمية كالسعودية وتركيا وإيران، ودولية مثل الولايات المتحدة وروسيا، لتنسيق الجهود واحتواء التصعيد.

رؤية مصر.. سلام حقيقي لا سلام هش

على مدار السنوات الماضية، لم تتزحزح مصر عن موقفها من أن السلام الحقيقي في المنطقة لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وتعتقد القاهرة أن ما يجري من تصعيد، سواء في غزة أو ضد إيران، ما هو إلا نتيجة مباشرة لغياب العدالة وغياب الحل السياسي الشامل.

وفي ظل الانقسام الدولي حول ما إذا كانت إسرائيل تدافع عن نفسها أو تنتهك قواعد القانون الدولي، ترى مصر أن الصمت العالمي عن الجرائم المرتكبة في غزة شجع إسرائيل على التوسع في عدوانها الإقليمي، وهو ما يتطلب وقفة دولية حاسمة.

مصر في قلب المعادلة

في وقت تتشابك فيه الخيوط وتضيق فيه مساحات المناورة، تبقى مصر اللاعب المحوري الأبرز في المعادلة الإقليمية، لما تملكه من قدرة على الجمع بين أوراق الضغط والدبلوماسية، والتمسك بخط الاعتدال دون التفريط في المبادئ.

وفي وجه صراع إسرائيلي إيراني مفتوح على كل الاحتمالات، تتحرك القاهرة ليس فقط لحماية أمنها القومي، بل لإنقاذ المنطقة بأكملها من منزلق خطير قد يعيد رسم خرائط جديدة، لكن بثمن فادح لا يتحمله أحد.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.