مصر تحمي آثارها وتروّج كنوزها للعالم بقيادة السيسي

10

كتب: اسلام ماجد

منذ فجر التاريخ، ظلّت آثار مصر محط أنظار العالم، لكن هذا الانبهار تحوّل في بعض الأوقات إلى مطمع، حيث بدأت تتكرر مشاهد استنساخ الآثار المصرية، خصوصًا تماثيل الملك توت عنخ آمون، التي ظهرت نُسخ منها في معارض عالمية دون إذن واضح أو رقابة صارمة. هذا النوع من “السطو المُقنع” على التراث المصري لا يهدد فقط الهوية الثقافية، بل يفتح بابًا واسعًا لاستغلال القيمة الرمزية للحضارة المصرية لصالح أسواق أخرى، تُحوّل عظمة التاريخ إلى سلعة بلا روح.

لكن في المقابل، لا يمكن إنكار ما قامت به الدولة المصرية في السنوات الأخيرة من جهود حثيثة لتوظيف هذا التراث اقتصاديًا بشكل مشروع ومدروس. فالحكومة تحت قيادة الرئيس السيسي أطلقت عددًا كبيرًا من المشروعات الكبرى التي تهدف إلى إعادة إحياء المواقع الأثرية وتطوير البنية التحتية السياحية، من أبرزها مشروع “طريق الكباش” الذي أعاد ربط معابد الكرنك بالأقصر في مشهد تاريخي مبهر، جذب أنظار العالم إلى عظمة مصر القديمة.

كما تم افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية والمتحف المصري الكبير، وهما من أكبر وأهم الصروح الثقافية في الشرق الأوسط، بل والعالم. هذان المشروعان لا يعيدان فقط عرض الكنوز الأثرية بطريقة عصرية، بل يسهمان في تشكيل صورة حضارية لمصر الحديثة كدولة تعرف قيمة تاريخها وتُحسن استثماره.

زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر واصطحابه من قِبل الرئيس السيسي في جولة خاصة بالمواقع التراثية، لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت رسالة سياسية وثقافية واضحة. فقد عكست مدى الاهتمام العالمي بمصر كقوة حضارية وسياحية، كما قدّمت صورة إيجابية للدولة المصرية وهي تُعيد تقديم حضارتها برؤية معاصرة.

ولعل أبرز ما يميز الطرح المصري الرسمي في ملف السياحة هو التوازن بين الترويج الخارجي الواعي والحفاظ الداخلي الحازم، فمصر تسعى إلى جذب السائح دون أن تفقد هويتها أو تتحول آثارها إلى سلعة استهلاكية. وتمثلت هذه الرؤية في التشريعات الجديدة التي نظّمت عمليات التصوير داخل المواقع الأثرية، وتحديد الرسوم، ومنع الاستخدام المسيء أو المبتذل لتاريخ الفراعنة.

كذلك أطلقت وزارة السياحة والآثار عددًا من المبادرات الرقمية التي تهدف إلى الترويج للآثار المصرية بطريقة تفاعلية عبر الإنترنت، مثل جولات الواقع الافتراضي والتطبيقات الذكية التي تعرض تاريخ المعالم الأثرية بلغات متعددة.

إن الرهان الحقيقي اليوم ليس فقط على بيع تذاكر دخول المتاحف، بل على تحويل مصر إلى وجهة ثقافية عالمية متكاملة. وهذا ما يحدث على الأرض، حين تتحول الأقصر وأسوان وسقارة والقاهرة الإسلامية إلى محطات جذب لملايين الزوار الذين يبحثون عن تجربة مختلفة، لا مجرد صور عابرة أمام تمثال.

وفي ظل التحولات العالمية في أنماط السياحة، بات واضحًا أن مصر لا تراهن فقط على ما تمتلكه من آثار، بل على ما تفعله للحفاظ عليها، وتقديمها للعالم بثوب جديد.

وفي تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أكد الأستاذ أشرف صحصاح، الخبير السياحي والقائم بأعمال مجلس إدارة غرفة شركات السفر والسياحة، أن الفترة الأخيرة أثبتت بوضوح أن كلًّا من القطاعين العام والخاص يشكلان طرفين أساسيين في نجاح منظومة السياحة بمصر، مشددًا على أنه من غير العدل تحميل الحكومة وحدها كامل المسؤولية، خاصة وأن القطاع الخاص يمتلك من الإمكانيات والخبرات ما يؤهله لإدارة المشروعات السياحية بكفاءة عالية.

وتعليقًا على استنساخ بعض القطع الأثرية المصرية في معارض دولية خارج البلاد، شدد صحصاح على أن جميع الآثار الفرعونية تنتمي إلى مصر بنسبة 100%، ولا يجرؤ أي طرف على نسبتها إلى نفسه أو إلى دولة أخرى، مؤكدًا أن أي قطعة أثرية فرعونية تظهر في أي مكان حول العالم تظل ملكًا لمصر، وتُعد في حد ذاتها مصدرًا مهمًا للترويج السياحي، وتعزز من شهرة مصر العالمية. وأوضح أن بعض الدول تقوم بعمل محاكاة معمارية للأهرامات، إلا أن العالم كله يعلم يقينًا أن الأهرامات لا توجد إلا في مصر، ولا يمكن منحها هوية أخرى أو نسبها لغير أصحابها الحقيقيين.

وأضاف أن مصر تُعد “متحفًا مفتوحًا” بما تملكه من مواقع أثرية وتراثية موزعة على مختلف المحافظات، إلا أن ما ينقصنا فعليًا هو الاستثمار في التسويق في المناطق الآخرى والترويج السياحي بالأساليب الحديثةلها.

ولفت صحصاح إلى أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووفده المرافق برفقة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المناطق التراثية في القاهرة، وعلى رأسها حي الحسين، حملت رسالة قوية للعالم بأن مصر بلد الأمن والأمان والاستقرار. وقال إن هذه الزيارة، كانت كفيلة بتحقيق أثر ترويجي لم تكن ملايين الدولارات التي تُنفق في التسويق قادرة على تحقيقه، مؤكدًا أن الصورة التي نقلها الرئيس السيسي عن مصر خلال هذه الزيارة تعكس الوجه الحقيقي لشعب مضياف، ووطن آمن يمتلك تاريخًا عظيمًا.

الأستاذ أشرف صحصاح، الخبير السياحي والقائم بأعمال مجلس إدارة غرفة شركات السفر والسياحة

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.