مصير الجوار في مرآة بوتين: كيف يرى الرئيس الروسي حرب أوكرانيا وتداعياتها على محيطه الإقليمي

1

كتب محمد عبد الوهاب

الحرب الروسية الأوكرانية ليست مجرد صراع حدودي، بل تعكس صدامًا أوسع بين قوى دولية حول النفوذ الجيوسياسي، في هذا السياق، تُطرح تساؤلات كثيرة حول دوافع روسيا الحقيقية، ومسؤولية القيادة الأوكرانية في تصعيد المواجهة، وتأثير الغرب في استمرار النزاع وتحول أوكرانيا إلى ساحة لتصفية الحسابات وفي هذا السياق، يوضح الباحث السياسى نزار نزال ، أبعاد هذه الحسابات.

زيلينسكي دمر أوكرانيا.. وروسيا تحارب لتقليم أظافر الناتو”

أكد الدكتور نزار نزال، الباحث السياسي في قضايا الصراع، أن الروس بشكل عام ليسوا شعبًا استعماريًا، مشيرًا إلى أن روسيا كدولة لا تتبنى سياسة استعمارية توسعية مثل بعض القوى الغربية. وأوضح أن طبيعة الحضارة الروسية والمجتمع الروسي تفرض على القادة بذل أقصى جهودهم للمحافظة على موقع روسيا في القمة.

وفي تصريحات خاصة لموقع “نافذة الشرق”، أوضح الدكتور نزار أن ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استهداف أوكرانيا هو “غباء الرئيس الأوكراني زيلينسكي”، على حد وصفه، مؤكدًا أن الأخير “رمى نفسه في العباءة الأوروبية وكان يعتمد كثيرًا على أوروبا والولايات المتحدة”، وهي دول – بحسب نزال – تشهد اليوم تراجعًا في التأثير والدور العالمي.

كما أشار نزار نزال إلى أن روسيا تسعى لتحقيق أهداف متعددة من تدخلها العسكري، أبرزها ما يراه الروس “حقًا تاريخيًا” في السيطرة على شرق نهر الدنيبر، باعتباره منطقة يسكنها ناطقون باللغة الروسية ويدينون بنفس المذهب الأرثوذكسي، تمامًا كما هو حال الروس. وأكد أن غالبية السكان في تلك المناطق أرثوذكس، ويرتبطون حضاريًا وثقافيًا بروسيا.

وشدد نزال على أن هدف بوتين الأساسي ليس احتلال أوكرانيا، بل تحجيم دور حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنع تمدده على الحدود الروسية. وقال إن بوتين لا يريد وجودًا عسكريًا غربيًا قرب حدوده، وهذا ما دفعه إلى اتخاذ إجراءات عسكرية.

وأضاف أن بوتين سيواصل الحرب ما دام زيلينسكي على رأس السلطة في أوكرانيا، وأن أي انتخابات قد تُفرز شخصية جديدة “واقعية”، ربما تفتح بابًا لحل سياسي، إلا أن الوضع سيظل معقدًا في حال استمرار القيادة الحالية. واختتم نزار تصريحاته بالتأكيد على أن زيلينسكي “دمّر شعبه بالاعتماد على الغرب”، وأنه كان بإمكانه تفادي الحرب والخسائر لو سعى إلى التفاهم مع روسيا ودول الجوار.

جاء في تصريحات الدكتور نزار نزال لموقع “نافذة الشرق” موقفًا نقديًا واضحًا من القيادة الأوكرانية، وفي الوقت نفسه تقدم تفهمًا لوجهة النظر الروسية، التي غالبًا ما تُهمل في التحليلات الغربية. ويقدم لكم موقع نافذة الشرق تلخيص أبرز محاور روسيا والأستعمار.

أولًا: روسيا وقضية الاستعمار

أشار نزال إلى أن الروس ليسوا شعبًا استعماريًا بطبيعتهم، وهو رأي يجد بعض التأييد في التاريخ الحديث، حيث لم تكن روسيا الإمبراطورية، ولا حتى الاتحاد السوفييتي، معروفة باتباع سياسات استعمارية تقليدية في العالم الثالث. غير أن هذا لا يمنع من الإقرار بأن روسيا استخدمت القوة والنفوذ السياسي والعسكري للسيطرة على مناطق نفوذ، خاصة في الفضاء السوفييتي السابق، مثل جورجيا، القرم، وأوكرانيا اليوم.

ثانيًا: زيلينسكي والاعتماد على الغرب

يرى نزال أن الرئيس الأوكراني أخطأ في قراءة التوازنات الدولية، حين قرر الاعتماد الكلي على أوروبا وأمريكا، معتقدًا أن هذه القوى ستضمن له الحماية الكاملة ضد روسيا. لكن الواقع أثبت أن الدعم الغربي له حدود سياسية وعسكرية، خاصة مع تعاظم الأزمات الداخلية في الغرب (كالحرب في غزة، وأزمة الطاقة، وتراجع شعبية الحكومات الغربية)، ما أدى إلى ضعف زخم الدعم الغربي لأوكرانيا في مراحل لاحقة.

ثالثًا: البعد الثقافي والديني في النزاع

يركز نزال على الجانب الثقافي واللغوي والديني في فهم دوافع الروس، معتبرًا أن سكان شرق أوكرانيا – خاصة مناطق الدنيبر – هم ناطقون بالروسية وأرثوذكس، وبالتالي فهم قريبون حضاريًا من روسيا أكثر من أوروبا الغربية. هذا التصور شائع في الفكر الروسي، الذي يرى أن الهوية الروسية تمتد خارج حدودها الحالية لتشمل الشعوب ذات الأصول والثقافة المشتركة.

رابعًا: الهدف الرئيسي – مواجهة الناتو

من أبرز النقاط التي تطرّق إليها نزار، أن روسيا لا تهدف إلى احتلال كامل الأراضي الأوكرانية، بل إلى منع توسع الناتو نحو حدودها. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، توسع الحلف ليشمل معظم دول أوروبا الشرقية، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. لذلك، فإن التحركات الروسية تنبع من حسابات أمنية استراتيجية بحتة، لا من رغبة في التوسع.

خامسًا: مستقبل الصراع وقيادة أوكرانيا

يعتقد نزال أن بقاء زيلينسكي في السلطة يعني استمرار الحرب، لأنه غير قادر – أو غير راغب – في تقديم تنازلات سياسية أو الدخول في تفاهمات مع روسيا. ويرى أن التغيير السياسي في أوكرانيا قد يكون المفتاح الوحيد لإنهاء النزاع. وفي هذا السياق، يرى نزال أن وجود شخصية “واقعية” على رأس السلطة قد يُفضي إلى وقف التصعيد، أو على الأقل إلى مفاوضات جديدة.

سادسًا: قراءة أخلاقية وسياسية للدور الغربي

أحد أهم محاور خطاب نزال يتمثل في تحميل الغرب مسؤولية استمرار النزاع، حيث يرى أن أوروبا والولايات المتحدة شجعتا أوكرانيا على تحدي روسيا، دون تقديم ضمانات حقيقية. بل إن الغرب – في نظره – قد استغل الأزمة لإضعاف روسيا اقتصاديًا وسياسيًا، دون أن يهتم فعليًا بمصير الشعب الأوكراني.

هل من أفق لحل قريب؟

الصراع الروسي الأوكراني بات أكثر تعقيدًا مما يظهر على السطح. فهو ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو صراع حضارات، وتنافس استراتيجي بين الشرق والغرب، وصراع على الهوية والقرار السياسي في أوروبا الشرقية.

الجدير بالذكر أن تصريحات نزال تميل إلى تفهم الموقف الروسي، فإنها في الوقت ذاته تُبرز حالة الفشل في القيادة السياسية الأوكرانية الحالية، وعجز الغرب عن تقديم حل دائم. وربما يكمن الحل الحقيقي في إعادة صياغة التوازن الإقليمي، بعيدًا عن سياسات الاصطفاف المطلق خلف الغرب أو الشرق، وإنما من خلال حوار متوازن واقعي يراعي مصالح الجميع ويوقف نزيف الدماء.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.