من بنغازي إلى الخرطوم.. هل أطاح حفتر بثقة القاهرة بتحالفه مع حميدتي؟(خاص)

0

كتبت بسمة هاني

أثار الحديث عن لقاء سري جمع بين المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، زعيم قوات الدعم السريع السودانية، ضجة في أروقة السياسة الإقليمية، خاصة في ظل غياب أي تنسيق مسبق مع القاهرة، رغم حساسية ملف السودان بالنسبة للأمن القومي المصري.
في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، علّق الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، على هذا التحرك المفاجئ، مؤكدًا أن الخطوة تمثّل تحوّلًا لافتًا في العلاقة بين حفتر والقاهرة، وتطرح علامات استفهام حول دوافعها وتداعياتها الاستراتيجية.

ما الذي حدث؟

قال زهدي إن المعلومات الواردة حتى الآن تستند إلى تقارير غير مؤكدة رسميًا، لكنها متقاطعة من مصادر استخباراتية وإعلامية، وتشير إلى لقاء تم في موقع غير معلن داخل ليبيا بين حفتر وحميدتي، تخللته مناقشات أمنية ولوجستية مرتبطة بالحدود الجنوبية، وربما ترتيبات ميدانية في إقليم دارفور والجنوب الليبي.

وأشار زهدي إلى أن هذا اللقاء، إذا صحّت تفاصيله، تم خارج دائرة التنسيق مع القاهرة، وهو ما يجعل منه تطورًا بالغ الخطورة في توقيت إقليمي دقيق.

لماذا يُعد التحرك صادمًا لمصر؟

شدد زهدي على أن القاهرة تنظر لحمدان دقلو باعتباره طرفًا غير مضمون، بل ومصدر تهديد مباشر لاستقرار السودان والمنطقة ككل، خاصة في ظل تقارير تربطه بميليشيات عابرة للحدود، وشبكات تهريب وسلاح مدعومة من أطراف مناوئة لمصر.

وأضاف أن مصر تعتبر نفسها الراعي الأساسي لأي ترتيبات تخص السودان، والتحرك الأحادي في هذا الملف يمثل مساسًا بدورها ووزنها الإقليمي، فضلًا عن كونه يضعف المحور الثلاثي “القاهرة – شرق ليبيا – الجيش السوداني”، الذي تبنته مصر منذ بداية الأزمة السودانية لضمان وحدة الدولة ومنع تفككها.

هل هي سابقة؟ وهل يتحرك حفتر دون تنسيق عادةً؟

لفت زهدي إلى أن حفتر سبق وأن أدار ملفات ليبية بمعزل عن القاهرة، خاصة في تواصله مع موسكو وأبو ظبي، إلا أن هذه المرة مختلفة، لأنها تتعلق بملف شديد الحساسية يمس العمق الاستراتيجي المصري.

وأوضح أن تجاوز مصر في ملف السودان يعتبر تجاوزًا لـ”الخطوط الحمراء المصرية”، ما يزيد من حساسية الموقف ويدفع نحو مراجعة شاملة للعلاقة.

ما دوافع حفتر للتحرك نحو حميدتي؟

نوّه زهدي إلى عدة اعتبارات تقف خلف هذا التحرك:

أولًا، تأمين الجنوب الليبي، في ظل تمدد الجماعات المسلحة والميليشيات المتحالفة مع أطراف سودانية غير نظامية.

ثانيًا، تحقيق مكاسب اقتصادية محتملة من تجارة الذهب والسلاح، إذ إن مناطق النزاع في دارفور والجنوب السوداني تمثل سوقًا مفتوحة للتجارة غير المشروعة.

ثالثًا، إرسال رسائل ضغط غير مباشرة للقاهرة، في ما يشبه محاولة لانتزاع دعم أو مكاسب سياسية إضافية من الجانب المصري.

رابعًا، تأثير أطراف إقليمية وربما دولية، تحاول استقطاب حفتر وإبعاده عن المحور المصري، كجزء من سباق النفوذ داخل ليبيا والسودان.

كيف سيكون تأثير هذه الخطوة على العلاقة مع القاهرة؟

أكّد زهدي أن العلاقة بين القاهرة وحفتر دخلت مرحلة “الاختبار الحقيقي”، حيث بدأت مظاهر التوتر تظهر بوضوح في الأوساط السياسية المصرية.

وأوضح أن ثقة القاهرة في حفتر بدأت تتآكل تدريجيًا، مشيرًا إلى أن “مصر قد تعيد تقييم حجم ونوعية الدعم العسكري والاستخباراتي المقدم له”.

كما أشار إلى احتمال تحركات مصرية مضادة في الجنوب الليبي، سواء عبر دعم خصوم حفتر أو تكثيف العمليات الاستخباراتية.

ولفت إلى أن القاهرة ستحرص أكثر على تثبيت علاقتها مع قيادة الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان، كخيار استراتيجي بديل وأكثر استقرارًا.

هل أنهى حفتر علاقته بمصر فعليًا؟

أكّد زهدي أن الحديث عن قطيعة كاملة “سابق لأوانه”، لأن الطرفين لا يزالان مرتبطين بشبكة معقدة من المصالح:

حفتر لا يمكنه التخلي عن القاهرة بالكامل، نظرًا إلى أنها تمنحه غطاءً سياسيًا إقليميًا وشبكة دعم استخباراتي لا يمكن الاستغناء عنها.

ومصر بدورها ترى في حفتر فاعلًا مهمًا في معادلة استقرار شرق ليبيا، ولكنها لن تتردد في مراجعة هذه العلاقة إن ثبت وجود نوايا لإعادة التموضع خارج التحالف القائم.

ماذا تقول مصادر القاهرة؟

قال زهدي إن مصادر قريبة من دوائر صنع القرار المصري تحدثت عن “استياء صامت” من الخطوة التي أقدم عليها حفتر، وقد تم إيصال هذا الانزعاج عبر قنوات دبلوماسية وأمنية غير مباشرة.

وأضاف أن مصر تعتبر التحالف مع حميدتي خطوة غير محسوبة العواقب، بل رهانًا خاسرًا، نظرًا لطبيعة قوات الدعم السريع وتحالفاتها المريبة.

ورأى أن القاهرة بصدد مراقبة الخطوات التالية لحفتر عن كثب، مع استعداد لاتخاذ إجراءات احترازية في حال استمر في هذا النهج المنفرد.

قال الدكتور رامي زهدي إلى أن ما يجري يعكس هشاشة التحالفات في الإقليم، وزيادة تعقيد المشهد الليبي السوداني.
وأشار إلى أن القاهرة مطالَبة اليوم بإعادة تموضع استراتيجي، يعيد ضبط علاقتها مع حفتر، ويوسّع من أدوات تأثيرها في العمقين الليبي والسوداني، مع الحفاظ على خطوطها الحمراء الواضحة تجاه أمنها القومي.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.