من طهران إلى غزة: حسابات الحرب ومآلات التسوية في الشرق الأوسط

1

كتبت : ضحى ناصر

أحيا إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إيران و إسرائيل بعد حرب إستمرت لمدة إثنتي عشرة يوماً دون خروج طرفاً منتصراً إلى الأذهان الحديث عن غزة ومجريات المفاوضات التي تقودها كل من مصر والإمارات العربية المتحدة مع شركاءهما الدوليين و على رأسهم الولايات المتحدة للتوصل إلى إتفاق شامل وعادل بشأن وقف إطلاق النار وحل الدولتين وإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه و الإفراج عن الرهائن و هي كل ملفات بقيت عالقة جراء التوترات الأخيرة التي شهدتها المنطقة .

مدى التزام إسرائيل بتحذيرات ترامب بشأن وقف إطلاق النار

و عن ذلك يقول الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي محمد الليثي في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أنه منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هناك خطة تمويه وتنسيق بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي لشن هجمات على إيران وكانت المفاوضات النووية التي جرت في سلطنة عمان هي إحدى عناصر التمويه في تلك الخطة .

وأضاف : و عليه فإن إسرائيل ليست ملتزمة بتحذيرات الرئيس الأمريكي بل على العكس ترامب هو من يُظهر إلتزاماً مشيراً إلى أنه في حال إتخذت إسرائيل قراراً بقصف إيران مجدداً فسترحب الولايات المتحدة بذلك .

ردود الفعل الإسرائيلية على أداء الحكومة في الحرب

وبهذا الصدد أكد الليثي على أن الداخل الإسرائيلي يموج بالغضب من الصورة التي جاءت عليه الحرب مع إيران، و ذلك على الرغم من التأييد الشعبي للحرب على إيران.

و أوضح أن أداء إسرائيل خلال تلك الحرب جاء ضعيفاً بشكل أوحى بأن حكومة تل أبيب غير قادرة على حماية رعاياها مشيراً إلى أنه على الرغم من كثرة الحديث عن منظومة الدفاع الإسرائيلية وتفوقها وهو ما ساهم في طمأنة الإسرائيلين لسنوات حتى جاءت تلك الحرب لتهدم تلك الصورة، لاسيما بعد سقوط عدد من القتلى والجرحى
بالإضافة إلى تدمير عدد من المنشآت التي إستهدفتها الضربات الصاروخية الإيرانية، وكذلك إختراق عدد من المسيرات الإيرانية الأجواء الإسرائيلية دون أن يتم إعتراضها .

وتوقع الليثي أن ترتفع نسبة الإصابات بالأمراض النفسية بين صفوف الإسرائيلين مشيراً إلى أن وزارة الصحة الإسرائيلية قد أعلنت في الأيام الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية أن الخطوط المخصصة لتلقي الدعم النفسي تواجه ضغطاً غير مسبوق بلغت نسبته نحو 300% .

ترحيب مصري بوقف النار وإمكانية إعادة ملف غزة للمفاوضات

و أشار إلى أنه و رغم التوترات الإقليمية بين إسرائيل و إيران إلا أن غزة لم تغب عن القضايا الهامة التي تتصدر أولويات مصر، مضيفاً أن مصر لطالما كانت ولاتزال هي الوسيط الأول الذي يسعي إلى التوصل إلى إتفاق عادل وشامل بين الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي.

خيارات الفصائل الفلسطينية واستجابة حكومة نتنياهو

و أكد الليثي أنه لم يحدث حتى الآن مايمكن إعتباره إستعداد من قِبل الفصائل الفلسطينية لتقديم تنازلات خاصةً مع إستمرار تواجد الحكومة الإسرائيلية في موقعها .

و أضاف أن الحكومة الإسرائيلية بصورتها الحالية هي أكبر حكومة يمنية منذ إعلان قيام إسرائيل، وهي تتبنى مبدأ إستمرار الحرب حتى القضاء على حماس وتدمير أسلحتها ، حيث يسقط مئات الفلسطينين يومياً جراء تلك الذريعة .

كما شدد على أن حكومة نتنياهو بكل أعضاؤها و على رأسها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وهما أبرز المتمسكين بالفكر اليميني المتطرف.

موقع غزة في المشهد الإقليمي الحالي

و لفت إلى أن الحرب الإيرانية مع غزة قد سحبت أنظار العالم عن غزة، لما له من تأثير بالغ على الإقتصاد العالمي، لاسيما بعد إعلان إيران قبل أيام عن إستعدادها لإعلاق مضيق هرمز، بينما لم تحدث الحرب على غزة أي تأثيرات تهدد مصالح القوى الدولية .

مكانة غزة في أجندة واشنطن وتل أبيب

وعن ذلك يقول المحلل السياسي الأمريكي أدريان كالاميل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق في تقديري، فقد ترامب تركيزه على غزة بعد أن أمّن الإفراج عن الرهائن الأمريكيين المتبقين، خاصةً مع اقتراب مواجهة محتملة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو ما تطلّب شهورًا من التحضير.

و أضاف أعتقد أن ترامب يريد حلاً لهذا الصراع، لكنه لا يعرف كيف يصل إليه، واستخدام قطر كوسيط لم يكن أبدًا هو الحل. إسرائيل لا يمكنها السماح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها في غزة، وقطر ملتزمة ببقاء هذه الجماعة الإرهابية.

كيف تُنهي واشنطن ممارسات إسرائيل الإقليمية خاصةً بعد الحرب مع إيران

و أكد كالاميل على إعتقاده بأنه يجب أولاً أن نعترف بأن ما حدث لم يكن مجرد عملية إسرائيلية، وكانت احتمالات تطوره إلى حرب إقليمية أوسع دائمًا محدودة. ترامب اتبع مسارًا مزدوجًا من الدبلوماسية والتحرك العسكري، وقد تصرفت إسرائيل عندما أصبح المسار الدبلوماسي، الذي يعود إلى ولايته الأولى، غير قابل للتحقيق بوضوح، وكانت هناك حاجة للدعم الأمريكي فيما يخص منشأتي “نطنز” و”فوردو”. في الواقع، ما قامت به إسرائيل والولايات المتحدة حال دون اندلاع حرب إقليمية أوسع، كان من المحتمل أن تتجه نحو التصعيد النووي.
و أضاف يجب أيضًا أن نأخذ في الحسبان ما حدث خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث كانت هناك حرب ظل بين إيران وإسرائيل مرتبطة ببرنامج النظام النووي، وقد نجد أنفسنا أمام نفس السيناريو في السنوات القادمة. لقد تم تأخير البرنامج النووي الإيراني لسنوات، لكنه لم يُدمَّر بالكامل كما زعم “جي. دي. فانس” على قناة فوكس نيوز بعد إعلان اتفاق السلام المفترض على حسابات الرئيس في وسائل التواصل. طهران ستحاول بكل الطرق عرقلة عمليات التفتيش والتحقق والتفكيك حتى يغادر ترامب منصبه، وحينها ستضطر إسرائيل للتصرف بمفردها لتقويض ما تبقى من البرنامج النووي.

هل يرى المواطن الأمريكي أن الرئيس ترامب قد أخلف وعده بإنهاء الحروب

و بيّن أن الأمريكيون بطبعهم مسالمون، لكنهم للأسف يفتقرون إلى فهم تاريخي عميق، ويعتقدون أن السلام هو الوضع الطبيعي الدائم. لكن في التاريخ المُدوّن بأكمله، لم يكن هناك سوى تسعة وعشرين عامًا من السلام المتواصل على مستوى العالم، وخلال باقي الوقت كانت هناك حرب كبرى أو أكثر مشتعلة في مكان ما. كان تروتسكي محقًا حين قال: “قد لا ترغب في الحرب، لكن الحرب ترغب بك”. وأعتقد أن ترامب يفهم ذلك، وإلا لما تصرّف ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

و شدد على أن رئيس الولايات المتحدة مسؤول عن حماية الأمريكيين من التهديدات الداخلية والخارجية، ولذلك لم يخالف أي وعود، فهذه لم تكن حربًا، تمامًا كما لم تكن ضربة قاسم سليماني في مطار بغداد حربًا. الأصوات التي عارضت الضربة على منشأة “فوردو” وروّجت لاحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، هي ذاتها التي قالت نفس الكلام بعد مقتل سليماني مضيفاً أن هذا هو مبدأ “السلام من خلال القوة”، حتى لا تنخرط أمريكا في حرب فعلية. أما سياسة الترضية، فهي من تدعو إلى العدوان و”الحروب التي لا تنتهي”.

ماهي نظرة القيادة الأمريكية للموقف المصري

و أوضح كالاميل أن القيادة السياسية الأمريكية بحاجة إلى إعادة تقييم عاجلة لعلاقتها مع قطر، وأن تدرك بسرعة أن الولايات المتحدة يجب أن تتعاون مع مصر.

و أضاف : للأسف، أنفقت قطر مليارات الدولارات على عمليات نفوذ داخل أمريكا، وصوّرت نفسها كدولة داعمة لجماعات الإسلام السياسي وكأنها الحل للعديد من مشاكل المنطقة. ومن الواضح أن جزءًا من هذه العمليات كان يهدف إلى عزل مصر داخل أروقة واشنطن

هل هناك محاولة لجرّ مصر للصراع بعد رفضها خطة التوطين

و أعتبر كالاميل تلك المزاعم واحدة من أكثر الادعاءات سخافةً معتبراً إياها جزء من عملية تقوم بها جماعات الإسلام السياسي و الدوحة بهدف خلق مسافة بين ترامب والرئيس السيسي مؤكداً أن قطر ستظل دائمًا تسعى لهدف بعيد المدى يتمثل في السيطرة عبر أذرعها من الجماعات على مصر.

و في ظل مشهد إقليمي معقّد تتقاطع فيه المصالح وتتشابك فيه التحالفات، يبدو أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ليس إلا محطة مؤقتة في صراع ممتد، تتداخل فيه حسابات الداخل الإسرائيلي، والطموحات الإيرانية، والمواقف الأمريكية التي تتأرجح بين الردع والدبلوماسية. وبين هذا وذاك، تظل غزة حاضرة في كل الملفات، وإن تراجع الاهتمام الدولي بها لصالح صراعات أكثر تأثيراً على المصالح الكبرى.

لكن يبقى الرهان قائماً على الجهود المصرية والإماراتية لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأولويات، وتثبيت وقف إطلاق النار الشامل والعادل، وسط واقع معقّد يحتاج إلى إرادة سياسية تتجاوز الحسابات الضيقة والرهانات المؤقتة. وفي هذا السياق، فإن مستقبل غزة لا يتوقف فقط على صواريخ تُطلق، بل على مواقف تُراجع، وتحالفات تُعيد ترتيب أولوياتها، إذا ما أُريد للسلام أن يكون أكثر من مجرد هدنة عابرة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.