من عمق الظل إلى قلب المعركة.. كيف أعادت عملية إسرائيل الخاطفة تشكيل المشهد بين تل أبيب وطهران؟ (خاص)

0

كتب : إسلام ماجد

في لحظة فارقة من عمر الصراع في الشرق الأوسط، فجّرت إسرائيل مفاجأة من العيار الثقيل بشنها واحدة من أوسع العمليات العسكرية الجوية في تاريخها الحديث ضد إيران، تحت اسم “الأسد الناهض”، في الساعات الأولى من فجر الجمعة 13 يونيو 2025، لتفتح بذلك جبهة مواجهة شاملة لم تعد مقتصرة على استهداف البرنامج النووي الإيراني، بل امتدت إلى عمق المؤسسة العسكرية والاقتصادية الإيرانية، في مشهد يُنذر بتغيرات استراتيجية كبيرة في المنطقة.

الهجوم الإسرائيلي، الذي وُصف بأنه غير مسبوق من حيث التنسيق والقوة، شاركت فيه أكثر من 200 طائرة حربية، من بينها مقاتلات “إف-35” المتطورة، ونُفذ عبر خمس موجات جوية متتالية، استهدفت نحو 100 موقع داخل إيران، من بينها منشآت نووية استراتيجية في نطنز، وفوردو، وآراك، وبارشين، بالإضافة إلى مراكز تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة.

لكن الأثر الأخطر كان في نتائج الضربة المباشرة، والتي أسفرت عن مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم القائد حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان محمد باقري، وتسعة من العلماء النوويين البارزين، ما أثار تساؤلات كبيرة حول حجم الاختراق الاستخباري الإسرائيلي داخل بنية النظام الإيراني.

إيران ترد بـ”الوعد الصادق”.. ومخاوف من التصعيد الشامل

إيران، بدورها، لم تتأخر في الرد، إذ أطلقت عملية سُميت بـ”الوعد الصادق 3″، شملت أكثر من 150 صاروخًا بالستيًا، ومئة طائرة مسيّرة، اخترق بعضها الدفاعات الإسرائيلية والأميركية، وأصاب مدنًا إسرائيلية من بينها تل أبيب وحيفا.

وجاءت هذه المواجهة في توقيت شديد الحساسية، إذ تصادف مع اقتراب انتهاء المهلة التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، ومع إعلان عمان استضافة جولة مفاوضات جديدة، كانت قد أُدرجت ضمن محاولات أميركية متأخرة لاحتواء التصعيد.

الحرب المفتوحة الحالية لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت تتويجًا لتصعيد طويل بين الجانبين، كان نتنياهو حذر منه منذ سنوات، وجعل من استهداف البرنامج النووي الإيراني هدفًا استراتيجيًا لحكوماته المتعاقبة، رفض خلالها التسويات السلمية، واعتبر أن أي اتفاق مع إيران هو تهديد وجودي لإسرائيل.

تصفية الحلفاء تمهيدًا للضربة الكبرى

الضربات الإسرائيلية المتعددة، منذ سنوات، استهدفت قيادات نووية ومواقع عسكرية وعلماء بارزين في طهران ودمشق وبيروت. ومع تولي ترمب رئاسته مجددًا مطلع 2025، ومع تراجع نفوذ حلفاء إيران بعد إسقاط النظام السوري وتحجيم حزب الله، بدا الطريق ممهدًا أمام إسرائيل لتوجيه الضربة الكبرى التي لطالما هددت بها.

لكن الملفت في هذه الجولة من التصعيد، هو اتساع نطاق أهداف العملية الإسرائيلية لتشمل البنية التحتية الاقتصادية، ومراكز النفط والطاقة في إيران، وهو ما يكشف عن نية معلنة لدى حكومة نتنياهو في الذهاب أبعد من تفكيك البرنامج النووي، وصولًا إلى إسقاط النظام، عبر إنهاكه اقتصاديًا وتفجير الأوضاع داخليًا.

رسائل ترمب لإيران.. والاحتمالات المفتوحة

أما ترمب، فقد بدا واضحًا أنه يستخدم العملية كوسيلة ضغط لإجبار إيران على التفاوض بشروطه هو، إذ سبق أن وجه إنذارًا مباشرًا للمرشد علي خامنئي، عبر وسيط إماراتي، هدده فيه بـ”عواقب مدمرة” إن لم تستجب طهران لمطالب واشنطن، وفي مقدمتها وقف تخصيب اليورانيوم وتفكيك البرنامج النووي.

لكن ما حدث بعد انقضاء مهلة الستين يومًا دون اتفاق، كان رسالة ميدانية لا لبس فيها، إذ نفذت إسرائيل هجومها الواسع بدعم أميركي لوجستي وتقني واضح، حتى وإن حاول ترمب الظهور بمظهر المراقب.

الهجوم الإسرائيلي جاء تتويجًا لاستراتيجية متكاملة لتفكيك ما يُعرف بمحور المقاومة، إذ سبقته عملية منهجية لتفكيك حلفاء طهران في المنطقة، بدءًا من حزب الله، الذي تعرض لضربات موجعة، وانتهاءً بسقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، مما ترك إيران دون أذرع فاعلة في الإقليم.

والسؤال الآن، لم يعد عمّا إذا كانت إسرائيل قادرة على استكمال هذه الحرب وحدها، بل عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستُضطر إلى الانخراط المباشر في مواجهة عسكرية شاملة، إذا أخفقت إسرائيل في تدمير البرنامج النووي بالكامل، وخاصة منشأة فوردو المدفونة عميقًا تحت الأرض.

في المقابل، تبدو إيران عازمة على المقاومة، وإن كان ذلك بثمن باهظ من الخسائر الاقتصادية والعسكرية والبشرية. فهي لا تزال تحتفظ بقدرات ردع معتبرة، ويبدو أن المشهد مرشح لمزيد من التصعيد، مع دخول المنطقة مرحلة مفصلية يصعب التنبؤ بنهاياتها.

وبينما تتعالى دعوات التهدئة الدولية، وتتحرك بعض العواصم العربية والغربية لمحاولة احتواء التصعيد، تبقى الحقيقة أن ما بعد “الأسد الناهض” ليس كما قبله، وأن الشرق الأوسط يدخل مجددًا نفقًا مظلمًا من العنف والمجهول.

وفي سياق متصل أكد الدكتور أيمن سمير، الخبير في الشؤون الدولية، في تصريحات خاصة لنافذة الشرق، أن إيران اعتمدت منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية على مبدأ “اعرف عدوك” فعملت على تأسيس أذرع وميليشيات تابعة لها في المنطقة العربية لتكون بمثابة حائط صد متقدم تشغل إسرائيل عنها وتتصدى لأي تهديد خارجي قد يواجهها سواء من إسرائيل أو من أطراف إقليمية أخرى. ولفت إلى أن هذه الأذرع شملت حزب الله في لبنان، والنظام السوري، وحركة حماس في غزة، إضافة إلى الحوثيين الذين برزوا بعد سيطرتهم على صنعاء عام 2014. وأكد أن إسرائيل بدأت عقب أحداث 7 أكتوبر 2023 باستهداف هذه الأذرع، مروجة في المجتمع الدولي لرواية مغلوطة بأنها تدافع عن نفسها، مستندة على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، رغم أنها قوة احتلال ولا يحق لها ذلك قانونًا.

وأضاف سمير أن إسرائيل بدأت بإضعاف حماس ثم حزب الله ثم الحوثيين، واستهدفت لاحقًا النظام السوري، ثم بدأت التمهيد لضرب ما تسميه “رأس الأفعى” وهو إيران نفسها. وأشار إلى أن إسرائيل نفذت في أبريل 2024 هجومًا جويًا على منشآت إيرانية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ كروز، ونجح الهجوم بدرجة فاقت تقديرات الجيش الإسرائيلي، وهو ما شجعها على تكرار الهجوم مرتين في أكتوبر من العام ذاته.

وأكد أن إسرائيل ركزت في هذه الضربات على تدمير البنية التحتية التي تعتمد عليها الصواريخ الإيرانية الباليستية، خاصة خطوط الوقود الصلب، مما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس للتصريح بأن الساحة أصبحت مهيأة لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وقال إن إيران أصبحت بلا حارس، وأن الطائرات الإسرائيلية تستطيع الذهاب والعودة دون عوائق.

وأوضح الدكتور أيمن سمير أن المتغير الأكبر جاء بسقوط النظام في سوريا، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية في السابق تضطر للالتفاف عبر الحدود السورية التركية للوصول إلى إيران، أما الآن فباتت تستطيع التوجه شرقًا مباشرة عبر أراضٍ لا توجد بها أي دفاعات جوية، سواء في سوريا أو العراق، لتصل إلى طهران عبر مسافة أقصر لا تتعدى 1600 كيلومتر.

وأشار إلى أن إيران برغم هذه الضربات قادرة على امتصاص الصدمة، نظرًا لمساحتها الجغرافية الكبيرة، وقدرتها على إعادة ترتيب صفوفها وتعيين قادة جدد، خاصة أن القائد الأعلى هناك هو المرشد وليس رئيس الجمهورية، وهو من يملك صلاحية تعيين القيادات العسكرية.

وأكد أن إيران كانت تعلم أن هناك حربًا قادمة، وقد بدأت منذ سنوات في نقل جزء من برنامجها النووي وأسلحتها إلى أماكن بديلة، حتى أن بعض الصواريخ التي أطلقتها مؤخرًا لم تنطلق من الأراضي الإيرانية بل من غواصاتها، وهي القوة التي لم تستهدفها إسرائيل حتى الآن.

واختتم الدكتور سمير تصريحاته بالتأكيد على أن إيران لا تزال تملك أوراقًا لم تستخدمها بعد، وأن خيار الرد على إسرائيل يبقى مفتوحًا بقوة. وأوضح أن العودة إلى المفاوضات في الوقت الراهن قد تكون في صالح إيران أكثر مما يتصور البعض.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.