كتبت: هدير البحيري
أعلن نائب رئيس الاتحاد الدولي للغاز ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للغاز والطاقة، خالد أبو بكر، فوز مصر رسميًا بمنصب نائب رئيس الاتحاد، على أن تتولى الرئاسة الكاملة في عام 2028، لتصبح أول دولة من أفريقيا والعالم العربي تتولى هذا المنصب منذ تأسيس الاتحاد عام 1931.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي أوضح فيه أبو بكر أن مصر أعلنت نيتها الترشح في فبراير 2024، وتم التصويت خلال الجمعية العمومية السنوية التي استضافتها القاهرة في أكتوبر من العام نفسه، وسط تنظيم دقيق وإجراءات شفافة نالت إشادة واسعة من الوفود المشاركة، في استضافة خُطط لها منذ ثلاث سنوات ضمن استراتيجية مصرية متكاملة لتعزيز دورها في صناعة الغاز عالميًا.
وأشار إلى أن الفوز المصري يمثل تتويجًا لمسيرة طويلة من الحضور الفعال داخل الاتحاد، حيث تتمتع القاهرة بتاريخ يمتد لأكثر من 36 عامًا من المشاركة، شغلت خلالها مقاعد بمجلس الإدارة لمدة 12 عامًا متواصلة، وترأست عددًا من اللجان الفنية خلال الـ15 عامًا الأخيرة. كما مثلت مصر قارة أفريقيا من خلال منصب المنسق الإقليمي لمدة 13 عامًا، ما عزز من حضورها ومصداقيتها داخل أروقة الاتحاد.
وأوضح أن مصر تمتلك استراتيجية طاقة طموحة تستهدف الوصول إلى 42% من الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء بحلول 2030، من خلال أكثر من 24 مشروعًا بقدرة 6 جيجاوات لكل منها تم تنفيذها حتى عام 2023، إلى جانب 24 جيجاوات إضافية قيد التنفيذ منذ 2022. كما تمضي الدولة بخطى واثقة نحو التحول إلى مركز عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مستفيدة من موقعها الجغرافي وبنيتها التحتية المتقدمة وقدرتها على جذب الاستثمارات الضخمة.
وأشار أبو بكر إلى أن رئاسة مصر للاتحاد تأتي في وقت يشهد فيه قطاع الغاز العالمي تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التقلبات الاقتصادية، وضغوطات الاستدامة، والتطورات الجيوسياسية. وشدد على أن مصر ستعمل خلال ولايتها على تطوير السياسات العالمية للغاز، وتعزيز أمن الطاقة، وتحفيز الاستثمارات، وتحقيق توازن بين الاستدامة والقدرة على تحمل التكاليف، بالتعاون الوثيق مع الرئاسة الإيطالية الحالية للاتحاد.
وفي السياق ذاته، كشف أبو بكر عن بدء الإعداد مبكرًا لاستضافة مصر لمؤتمر الغاز العالمي عام 2031، والذي يتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد، متعهدًا بتنظيم حدث استثنائي يعكس ريادة مصر الإقليمية والدولية.
وعرف أبو بكر الاتحاد الدولي للغاز باعتباره منظمة غير ربحية تأسست في سويسرا عام 1931، ويقع مقره التنفيذي حاليًا في لندن.
واختتم المهندس خالد أبو بكر تصريحه مؤكدًا: “نحن لا نمثل مصر فقط، بل نمثل أفريقيا والشرق الأوسط في لحظة تحول عالمية. سنعمل على صياغة سياسات طاقة عادلة، وتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، والمساهمة في بناء مستقبل طاقي أكثر أمانًا واستدامة للبشرية جمعاء”.
ويضم الاتحاد أكثر من 140 عضوًا من 70 دولة، من بينهم جمعيات قومية وشركات كبرى، ويغطي ما يقرب من 90% من صناعة الغاز عالميًا.
وتوقف عند تجميد عضوية روسيا مؤقتًا في أعقاب الحرب الأوكرانية كدليل على تأثر القطاع بتقلبات السياسة الدولية.
أما من الناحية التنظيمية، فيقود الاتحاد فريق إدارة تنفيذي يرأسه حاليًا الإيطالي أندريا شتيغر، ويضم عددًا من اللجان الفنية المتخصصة مثل النقل، والتخزين، والغاز الطبيعي المسال، ويشارك في كل لجنة ما بين 50 إلى 60 عضوًا من مختلف الدول.
وقد لعبت مصر دورًا محوريًا داخل هذا الإطار، واشترطت منذ بداية الترشح أن تكون شريكًا فاعلًا في القيادة التنفيذية، لا أن تكتفي بدور رمزي حتى تسلمها الرئاسة رسميًا في 2028.
من جانبه، أكد السكرتير العام للجمعية المصرية للغاز والطاقة والمدير العام لفريق الرئاسة المصري للاتحاد، المهندس محمد فؤاد أن الجمعية تبنت رؤية موسعة تشمل تقنيات الطاقة منخفضة الكربون ومصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب الغاز الطبيعي.
وأعلن عن إطلاق مجلس استشاري يضم قادة القطاعين العام والخاص، وشركاء دوليين، لتقديم رؤى استراتيجية متكاملة تدعم برامج التحول الطاقي.
وفي الإطار ذاته، أشار نائب رئيس اللجنة التنسيقية وعضو اللجنة التنفيذية في الاتحاد، المهندس، كريم شعبان إلى أن فريق العمل المصري يسعى إلى ضمان تكامل اللجان الفنية، وتوافق مبادرات الاتحاد مع أولويات الدول الأعضاء.
وأضاف أن مصر بدأت فعليًا إعداد برنامج شامل لمؤتمر الغاز العالمي 2028، إلى جانب مشاركتها في تصميم جلسات مؤتمر أبحاث الغاز، في تعاون وثيق مع لجان البحث والتطوير والابتكار.
وتعتمد مصر في حملتها لقيادة الاتحاد على شعار “التوافق من أجل مستقبل مستدام”، والذي يجسد التزامها بثلاث ركائز أساسية: الاستدامة، أمن الطاقة، والقدرة على تحمل التكاليف.
يمثل تولي مصر رئاسة الاتحاد الدولي للغاز في عام 2028 تحولاً نوعيًا في مكانتها الدولية، ويعكس إدراكًا عالميًا بدورها المتنامي في سوق الطاقة.
فمن جهة، تمنح الرئاسة مصر صوتًا قياديًا في صياغة السياسات العالمية لصناعة الغاز، وتمكنها من التأثير في ملفات استراتيجية تتعلق بأمن الطاقة والانتقال إلى مصادر نظيفة.
ومن جهة أخرى، يفتح هذا الدور الباب أمام جذب استثمارات ضخمة إلى السوق المصري، ويعزز مكانتها كمركز إقليمي لتجارة وتسييل وتوزيع الغاز، خاصة في ظل امتلاكها لبنية تحتية متقدمة تربط بين ثلاث قارات.
كما تُعد الرئاسة فرصة لتعميق التعاون مع الشركاء الدوليين، وتوسيع النفوذ المصري في منتديات الطاقة العالمية، خصوصًا في وقت يشهد فيه القطاع تحولات حاسمة مرتبطة بالمناخ والابتكار التكنولوجي.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية إضافية باعتبارها الأولى من نوعها لدولة عربية أو أفريقية، ما يمنح مصر دورًا تمثيليًا عن قارتها في كبرى ملفات الطاقة العالمية.
قالت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، وعضو هيئة التدريس بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إن فوز مصر برئاسة الاتحاد الدولي للغاز يُعد تتويجًا مستحقًا لما تمتلكه من خبرة تراكمية تفوق نصف قرن في صناعة الغاز الطبيعي.
وفي حوار خاص لـ”نافذة الشرق”، أكدت الملاح أن مصر تبرز كنموذج فريد في الاستخدام المتكامل للغاز الطبيعي، ليس فقط في التصدير، بل أيضًا في القطاعات الحيوية مثل الكهرباء، الصناعة، النقل، المنازل، المستشفيات، والمؤسسات التعليمية، بفضل كوادرها الفنية والهندسية المتخصصة التي تؤهلها لقيادة صناعة الغاز على المستويين الإقليمي والدولي.
وأضافت الملاح أن فوز مصر لم يكن صدفة، بل جاء بعد حملة دبلوماسية وإعلامية منظمة سبقت الترشح الرسمي لرئاسة الاتحاد في 2028، وهو منصب يُحسم عبر تصويت الدول الأعضاء، ما يعكس حجم الدعم والثقة في مكانة مصر في قطاع الطاقة.
ولفتت إلى أن هذا التقدم يمثل بداية مرحلة جديدة من القيادة الإقليمية في صناعة الغاز، مشددة على أن “الغاز ليس في حد ذاته العنصر الأهم، بل القدرة على تصنيعه وتطويره وتوظيفه في مشروعات استراتيجية”.
وأكدت أن رئاسة مصر للاتحاد، بالتزامن مع استعدادها لاستضافة مؤتمر الغاز العالمي عام 2031، ستعزز صورتها كقوة إقليمية في مجال الطاقة، وتوفر زخمًا استثماريًا كبيرًا للسوق المحلي.
وفي ما يتعلق بالثقة الدولية، أشارت الملاح إلى أن مؤسسات التمويل الكبرى، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، تدرك جيدًا ثقل مصر الاقتصادي، وهو ما ينعكس في استمرارها في تقديم التمويل والدعم، بدءًا من قرض 2017، وصولًا إلى الشريحة الأخيرة في 2025، مع ترقب شريحة جديدة قريبًا.
واعتبرت أن هذا التمويل يُعد شهادة دولية على استقرار الاقتصاد المصري، خاصة في ظل ما تمر به دول الجوار من أزمات وحروب، آخرها النزاع الإيراني–الإسرائيلي والأوضاع غير المستقرة في سوريا وليبيا.
وفي ختام تصريحاتها، شددت الملاح على أن مصر ستستثمر موقعها كنائب لرئيس الاتحاد، ثم كرئيسة مقبلة، في دعم الدول الأفريقية الفقيرة في الطاقة، من خلال توفير إمدادات الغاز الطبيعي والطاقة النظيفة، وتصميم برامج تمويلية ميسرة تساعد هذه الدول على تبني تقنيات الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، بما يعزز مكانة مصر كمحور إقليمي للطاقة وأداة فاعلة في التنمية القارية.
وفي المقابل، قال الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال، سمير رؤوف، في حوار خاص لـ”نافذة الشرق”، إن تولي مصر رئاسة الاتحاد الدولي للغاز يُعد تطورًا نوعيًا في مكانتها العالمية بقطاع الطاقة، لكنه في الوقت ذاته يُلقي على عاتق الدولة تحديات فنية ولوجستية كبيرة، خاصة في ما يتعلق بأسطول ناقلات الغاز الطبيعي.
وأوضح رؤوف أن تطوير أسطول ناقلات الغاز يُعد ضرورة ملحة إذا كانت مصر تطمح للعب دور محوري في تصدير الغاز، مشيرًا إلى أن عدد الناقلات الحالي لا يزال محدودًا، ويجب زيادته بشكل يتناسب مع طموحات مصر كمركز إقليمي للطاقة.
ولفت إلى أن “ملف العبارات سيكون من أبرز محاور التحرك المصري خلال المرحلة المقبلة لما له من تأثير مباشر على الاقتصاد”.
وأضاف أن تطوير هذا الأسطول قد يتم عبر شراكة متعددة الأطراف تشمل الدولة والقطاع الخاص والأفراد، مشيرًا إلى إمكانية استخدام أدوات تمويلية متنوعة مثل البورصة.
وتابع قائلًا: “مصر اليوم على خريطة الغاز العالمية، والمرحلة تتطلب توليفة تمويلية مبتكرة تُشرك القطاع الخاص والأفراد لتسريع وتيرة النمو”.
وتوقع رؤوف أن تشهد الفترة المقبلة توسعًا في طرح رخص استكشاف جديدة، لا سيما في المناطق البحرية، مشددًا على أن إشراك القطاع الخاص في هذه الرخص من شأنه أن يفتح المجال أمام نمو اقتصادي أوسع، سواء من خلال الطرح في البورصة أو عبر شراكات مع شركات كبرى.
وردًا على سؤال حول فرص مصر في الحصول على تسهيلات تمويلية أو شراكات جديدة في ظل رئاستها المرتقبة للاتحاد، أكد رؤوف أن ذلك “وارد وبقوة”، مشيرًا إلى فرص تعاون حقيقية مع مؤسسات دولية مثل البنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، وصندوق النقد الدولي، إلى جانب تكرار نماذج ناجحة للتعاون مع شركات كبرى مثل شركة “إيني” الإيطالية، و”بريتش بتروليوم”، وعدد من الشركات الأمريكية التي أعربت عن اهتمامها خلال المنتديات السابقة للطاقة في مصر.
وأوضح أن التطورات الجيوسياسية – لا سيما التوترات المتصاعدة في مضيق هرمز – دفعت العديد من الدول، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة توجيه استراتيجياتها في قطاع الطاقة نحو منطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا أن مصر تقف أمام “فرصة ذهبية” لتعزيز موقعها في هذا التحول، خاصة في ظل النمو المتوقع في مشروعات الهيدروجين الأخضر.
وفي ختام تصريحاته، أكد رؤوف على أن مشاركة القطاع الخاص في استثمارات الغاز والطاقة المتجددة قد تصل إلى نحو 30-35% خلال السنوات المقبلة، مما سينعكس إيجابيًا على الإنتاجية، ويرفع قدرة السوق المصري على المنافسة على المستويين الإقليمي والدولي.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.