من وثيقة سياسة ملكية الدولة إلى السردية الوطنية.. هل تنجح الحكومة في التقاء اقتصاد الدولة والمواطن؟

2

كتب -عبد الرحمن السيد

“من الدولة إلى المواطنط: كيف تخلق السردية الوطنية نقطة التقاء للاقتصاد المصري؟

في خطوة وُصفت بأنها «إعادة تعريف لدور الدولة في الاقتصاد»، أطلقت الحكومة المصرية «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» بوصفها رؤية استراتيجية متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص كمحور رئيسي للنمو وخلق فرص العمل، وتطوير بيئة الأعمال والاستثمار.

هذه السردية، بحسب ما أكدته وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الدكتورة رانيا المشاط، تأتي في إطار التحول نحو اقتصاد أكثر انفتاحًا ومرونة، وتقوم على الانتقال التدريجي من الدور التشغيلي المباشر للدولة إلى دور تنظيمي ممكن وشريك استثماري، بما يسهم في تحسين كفاءة تخصيص الموارد وتعظيم العائد من الأصول العامة.

وثيقة ملكية الدولة.. المرجعية الأساسية للسردية

تضع الوزيرة وثيقة «سياسة ملكية الدولة» في قلب هذه الرؤية؛ فهي المرجعية التي تحدد إطار تدخل الدولة في مختلف القطاعات. وبموجب الوثيقة، تُميز الحكومة بين القطاعات التي تستمر الدولة في إدارتها لأسباب استراتيجية، وتلك التي يفسح فيها المجال أمام القطاع الخاص، سواء من خلال الشراكة أو التخارج الكلي أو الجزئي.

وبهذا الربط، تصبح السردية الوطنية بمثابة «مظلة سياسية واقتصادية» تترجم الوثيقة إلى خطط وبرامج، وتوفر إطارًا عامًا لتصور شكل الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة، كما يشير النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـ«نافذة الشرق».

يقول بدراوي: «هناك فارق بين وثيقة سياسة ملكية الدولة والسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية. الوثيقة تتعلق بما تملكه الدولة من منقولات وأصول وأموال ثابتة وعقارات، ومن المفترض أن تطرحها للقطاع الخاص. أما السردية فتتحدث عن شكل الاقتصاد خلال السنوات المقبلة، وهل سيكون حرًا أم موجّهًا، وما مستوى تدخل القطاع الخاص، ومدى ملاءمة السياسات الاقتصادية للسياسات المالية».

ويرى بدراوي أن نجاح السردية مرهون بأخذ ملاحظات الحوار الوطني والمجتمعي حتى تتحول إلى شكل تنفيذي: «لو استطاعت الحكومة دمج تصورات الشعب سيحدث نقطة الالتقاء بين اقتصاد الدولة واقتصاد المواطن، وهي نقطة حاسمة في الفترة المقبلة؛ فاقتصاد الدولة لابد أن يحتوي اقتصاد المواطن».

هيكل متكامل لتفعيل الرؤية

بحسب المشاط، يتكامل في تنفيذ السردية ثلاث جهات رئيسية تلعب أدوارًا متخصصة ومترابطة:

وحدة الشركات المملوكة للدولة بمجلس الوزراء، التي تأسست بموجب قانون الشركات المملوكة للدولة أو التي تساهم فيها، وتتولى تقييم الشركات العامة وفق معايير الجدوى الاقتصادية والملاءمة السوقية وفرص مشاركة القطاع الخاص، إلى جانب إعداد خرائط طريق للتخارج أو إعادة الهيكلة وتحديد الأصول القابلة للنقل إلى الصندوق السيادي أو الإدراج في برنامج الطروحات.

الصندوق السيادي المصري، الذي يُمثل الأداة الاستثمارية للدولة لإدارة الأصول العامة وفقًا لمبادئ الكفاءة والعائد الاقتصادي، ويعمل على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال الشراكات طويلة الأجل وإعادة إحياء العلامات التجارية الوطنية وتعظيم القيمة المضافة للأصول.

وحدة الطروحات الحكومية، التي تضطلع بتحديد أساليب الطرح المناسبة والتنسيق مع الجهات المعنية لتعيين المستشارين وبنوك الاستثمار، بما يضمن التنسيق الفعال لتحقيق أهداف الوثيقة وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص والتخصيص الأمثل لموارد الدولة.

إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية

تمتد الرؤية كذلك إلى إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية. فقد كشفت المشاط عن مراجعة 59 هيئة اقتصادية من أصل 63 هيئة بهدف تعظيم العائد الاقتصادي ورفع كفاءة الأداء وتقليل التداخل في الاختصاصات وترشيد الإنفاق العام. وتشمل المسارات المقترحة تحويل بعض الهيئات إلى هيئات عامة، أو دمجها، أو تصفيتها، بما يعكس إرادة سياسية واضحة لتعزيز الكفاءة المؤسسية وتهيئة تلك الكيانات لتصبح أكثر جذبًا للاستثمار.
وتشير السردية الوطنية إلى أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار يعمل على تطوير مؤشر «سياسة ملكية الدولة» بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية، ليكون أداة كمية ومنهجية لقياس مدى التقدم في تطبيق السياسة، ليس فقط على مستوى الخطوات التنفيذية بل أيضًا على مستوى الأثر الفعلي على الاقتصاد، بما يضمن وجود آلية متابعة موضوعية وشفافة تدعم اتخاذ القرار وتوجه السياسات المستقبلية.

من الوثيقة إلى السردية.. من الفكرة إلى التطبيق

يرى خبراء أن السردية الوطنية تمثل محاولة لجعل وثيقة سياسة ملكية الدولة أكثر ديناميكية ووضوحًا للمجتمع والقطاع الخاص. فبينما تحدد الوثيقة «الإطار القانوني» لتدخل الدولة في الاقتصاد، تأتي السردية لتحدد «الإطار السياسي والاقتصادي» لشكل هذا التدخل وأولوياته خلال السنوات المقبلة.
لكن التحدي الأكبر، كما يوضح بدراوي، يكمن في التنفيذ: «وثيقة سياسة ملكية الدولة جزء من السردية الوطنية، لكن الوثيقة لم تحقق أهدافها لأن العبرة في أي تصور ورؤية هو في آليات التنفيذ؛ فالطموحات تظل أحلامًا في عقول الحكومات حتى تنتقل من مرحلة الأفكار والسرديات إلى واقع ينعكس على رفاهية المواطن وتحسن مستويات الخدمات المقدمة».

«سردية اقتصادية» تفتقد «الحبكة السياسية»؟

من جانبه، يرى عمرو نبيل، نائب رئيس حزب الإصلاح والنهضة، أن الحكومة قدمت تصورًا اقتصاديًا فيه مستهدفات ومؤشرات كمية وتكامل بين القطاعات الاقتصادية وتحديد للأولويات وأسبابها وطرحتها للحوار المجتمعي، وهو أمر إيجابي. لكن نبيل يلفت إلى «مشكلة سياسية كبرى» في هذه السردية الاقتصادية، تتمثل في غياب «التوقيت السياسي».

ويقول: «الدول والحكومات تعرض تصورات اقتصادية بهذا الحجم في إطار سياسي واضح؛ كبرنامج انتخابي لمرشح رئاسي أو حزبي، أو برنامج حكومة يعرض على البرلمان بعد تشكيلها أو تعديلها. أما عندنا، فقد مرت الانتخابات الرئاسية، وبعدها انتخابات مجلس الشيوخ، ونحن مقبلون على انتخابات مجلس النواب، ثم نطرح تصورًا اقتصاديًا بالغ الأهمية في فترة ما بين الانتخابات من دون تعديل وزاري أو إطار سياسي محدد!».

ويضيف: «عرض تصور اقتصادي بهذه الأهمية على مجرد حوار مجتمعي لا يغني سياسيًا ولا يُثمن من جوع سياسي. فالمحاسبة والمساءلة السياسية إذا لم تكن على المسار الاقتصادي، فستكون على ماذا؟».
ويرى نبيل أن «الحوارات المجتمعية» في مصر للأسف غير ممثلة للفئات والطبقات المختلفة ولا يُعوَّل عليها سياسيًا أو مجتمعيًا، كما أن الانتخابات السياسية لدينا خالية من البرامج الاقتصادية، وبالتالي كان من الأجدى استهداف هذه التصورات الاقتصادية للمواسم الانتخابية ليجد الناخبون ما يحاسبون ويقيّمون على أساسه.

كما انتقد نبيل قرار الحكومة بتعيين منسق مستقل من الخبراء الاستشاريين لمحاور السردية بدلًا من جهة حكومية: «هذا أمر غريب سياسيًا. ما موقف المنسق المستقل من الإطار السياسي؟ وما علاقته بالحكومة؟ وعندما نحتاج إلى التواصل مع السردية الاقتصادية، إلى من نتوجه؟».

بين الطموح والواقع

تظهر السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية كمحاولة جادة لتطوير نموذج جديد لدور الدولة في الاقتصاد، يعتمد على الشراكة مع القطاع الخاص وإعادة هيكلة الأصول والهيئات وتعزيز الكفاءة المؤسسية، مع آليات متابعة كمية لقياس التقدم. وهي في الوقت ذاته تترجم وثيقة سياسة ملكية الدولة من مجرد إطار قانوني إلى رؤية اقتصادية متكاملة.

غير أن التحدي الحقيقي يبقى في القدرة على الانتقال من «السردية» إلى «السياسة العامة الفاعلة»، ومن «الرؤية» إلى «النتائج الملموسة». وهو ما يتوقف على دمج مخرجات الحوار المجتمعي في السياسات، وربط التصور الاقتصادي بإطار سياسي واضح يضمن المحاسبة والمساءلة، بما يخلق الثقة لدى المواطن والمستثمر في جدية الحكومة وقدرتها على التنفيذ.

تمثل السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية فرصة لمصر لإعادة رسم علاقتها بالاقتصاد، وتعزيز مكانة القطاع الخاص، وإعادة تعريف دور الدولة، لكنها أيضًا اختبار لقدرة الحكومة على جعل «الوثيقة» و«السردية» معًا خطة عمل واقعية تنعكس على حياة المواطن والاقتصاد الوطني.

في هذا الصدد، يشير الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إلى نقطة مهمة جداً لابد أن يكون الخبراء والمواطنون على علم بها، مُوضحاً أنه تشرف على مدار الشهر الماضي، بالتواجد في قمتين، بالنيابة عن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الأولى هي قمة التيكاد باليابان، وهي قمة التعاون الياباني الأفريقي، وتلتها، قمة شنغهاي للتنمية في الصين، بتواجد عدد كبير جداً من زعماء العالم والدول.

وقال رئيس الوزراء: “كل كلمات رؤساء دول العالم بلا استثناء تحدثت عن عدم وضوح الرؤية، كما تضمنت الإشارة إلى أن ما يتم خلال هذه الفترة هو فقط إدارة أزمات لم يشهدها العالم منذ 100 عام أو تحديدًا منذ الحرب العالمية الثانية، وأنه تسود حالة عدم وضوح وضبابية شديدة للغاية، ويضاف إلى كل هذا أعباء اقتصادية كبيرة خاصةً للدول الناشئة والتي تظهر في صورة تضخم للدين وزيادة أعباء خدمة الديون العالمية”.

وأضاف أن هناك مطالب لإعادة صياغة الدور الذي تقوم به المؤسسات الدولية، بدءًا من الأمم المتحدة مرورًا بكل مؤسسات التمويل الدولية، مع التأكيد على أنه لابد من إجراء إصلاحات خاصة بهذه المؤسسات لكي تتمكن من مواكبة تحديات كثيرة لا تستطيع هذه المؤسسات التعامل معها.

وتابع الدكتور مصطفى مدبولي: “كان الحديث بوضوح شديد من كل هؤلاء الزعماء؛ أنه لن تستطيع دولة بمفردها أن تصمد في مواجهة هذه التحديات الكبيرة، وهذا ملخص من كل زعماء دول العالم الذين تحدثوا خلال هذه المؤتمرات والقمم”.

واستطرد: “نحن هنا نتحدث عن دول عظمى، ليست دولا صغيرة التي يمكن أن توصف أحوالها بأنها نامية أو فقيرة”.

وأوضح رئيس الوزراء أن دور الحكومة برغم هذا التحدي الكبير في ظل ظروف شديدة الاضطرابات؛ أن تضع رؤية للدولة المصرية، وهذا ما تعمل عليه الدولة منذ فترة طويلة، حيث ينصب تركيزنا اليوم على كيفية الاستفادة من الجهد الذي بذلته الدولة وتحديدًا في قطاعات البنية الأساسية واللوجيستية التي مكنتنا من التركيز في القطاعات الإنتاجية بصورة أكبر.

وقال رئيس مجلس الوزراء: “ولكي نستطيع اليوم أن نركز على ما قاله كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، بشأن إنشاء هذه المصانع، فضلاً عن جذب الاستثمارات، كما أشار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، أوكد أن هذا ما كان ليتم، إذا لم نركز في السنوات الماضية على تطوير البنية الأساسية في مصر”.

واستطرد الدكتور مصطفى مدبولي: “لا يُمكن أن يأتي أي مستثمر أجنبي إلى الدولة لضخ استثمارات أو إنشاء مصانع والاستثمار في مُنشآت وقطاعات وخدمات كالسياحة؛ دون أن يكون هناك بنية أساسية؛ من طرق وطاقة ومياه وغاز وصرف صحي، فكل هذا هو ما جعل مصر مؤهلة اليوم ليكون لديها فرصة كبيرة جداً لتحقيق طفرة في عملية التنمية والنمو”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.