نمو القطاع الخاص في مصر.. هل يكفي وحده لمواجهة شبح الديون؟
عبد الرحمن السيد
في الوقت الذي تواجه فيه مصر واحدة من أعقد الأزمات المالية في تاريخها الحديث، تتجه الأنظار نحو القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، ووسيلة للدولة لتقليل الاعتماد على التمويل العام، في ظل ارتفاع الديون وخدمة الدين الخارجي. ومع تعاظم الضغوط على الموازنة العامة، وتزايد أعباء السداد خلال عامي 2024 و2025، يثور التساؤل: هل يستطيع القطاع الخاص أن يتحمل وحده عبء دعم الاقتصاد؟ وهل تنجح الدولة في تعويض عجز الموارد العامة من خلاله؟
قطاعات تنتعش.. رغم الضغوط
رغم التحديات، شهدت الأشهر الماضية نموًا ملحوظًا في عدة قطاعات يقودها القطاع الخاص، وهو ما يعكس مرونة نسبية أمام التباطؤ الاقتصادي العالمي.
في مقدمة هذه القطاعات، يبرز قطاع الطاقة المتجددة، الذي أصبح جاذبًا لاستثمارات خليجية وآسيوية كبيرة، خاصة في مشروعات الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة والعريش. كما شهد قطاع التكنولوجيا المالية (الفينتك) طفرة في عدد الشركات والخدمات.
أيضًا، شهد قطاع النقل واللوجستيات توسعًا لافتًا، خاصة بعد دخول تحالفات استثمارية لتطوير الموانئ، مثل اتفاقيات موانئ أبو ظبي لتطوير ميناءي السخنة والدخيلة، بالإضافة إلى شراكات في مجال الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية مع شركات هندية وصينية.
كذلك، يشهد القطاع الصناعي تحركات مهمة على صعيد التصنيع المحلي، أبرزها اتفاقات لتصنيع السيارات الكهربائية، ومكونات الطاقة الشمسية، ضمن خطة الدولة لزيادة الصادرات وتقليل الواردات.
شراكات جديدة تدفع الأمل
شهد السوق المصري خلال الفترة الماضية دخول شركاء استراتيجيين في عدد من القطاعات الحيوية، ضمن توجه الدولة لفتح المجال أمام القطاع الخاص. أبرز هذه الشراكات:
استثمار إماراتي بقيمة تتجاوز 200 مليون دولار في ميناء السخنة.
توقيع تحالف مصري–هندي اتفاقًا لإقامة مدينة دوائية متكاملة.
مشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل عدد من أصول الدولة عبر صندوق مصر السيادي.
اتفاقيات جديدة بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركات صينية لإنتاج مكونات السيارات والطاقة.
هذه الخطوات تعكس استراتيجية واضحة تقوم على تحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع إعطاء الأفضلية للمستثمرين القادرين على إدارة وتشغيل الأصول بكفاءة وربحية.
أعباء ديون تتزايد
في المقابل، لا تزال أزمة الديون الخارجية تمثل تحديًا كبيرًا أمام الدولة. وبحسب أحدث بيانات البنك المركزي، فإن حجم الديون المستحقة حتى نهاية 2025 يقترب من 42 مليار دولار، تشمل سندات دولية، وودائع خليجية، وأقساطًا لمؤسسات دولية.
وتُظهر تقارير صندوق النقد الدولي أن نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي ارتفعت من 32% في 2020 إلى ما يزيد على 45% بنهاية 2024، ما يفرض ضغوطًا مضاعفة على السياسة المالية للدولة، ويزيد الحاجة إلى موارد تمويلية غير تقليدية.
أدوات تمويل جديدة.. وخطط للإنقاذ
من أجل إدارة هذه الأعباء، تتبنى الدولة حزمة من الأدوات المالية البديلة، أبرزها:
الصكوك السيادية: تم إصدار أول صك إسلامي العام الماضي بقيمة 1.5 مليار دولار، وسط توقعات بمزيد من الإصدارات.
سندات التنمية المستدامة: والتي من المنتظر استخدامها في تمويل مشروعات البنية الأساسية الخضراء.
برنامج الطروحات الحكومية: ويتضمن طرح نسب من 35 شركة مملوكة للدولة، سواء من خلال البورصة أو عبر مستثمرين استراتيجيين.
وثيقة ملكية الدولة: التي تهدف إلى تقليص دور الدولة في عدد من القطاعات، وفتح المجال بشكل أوسع للقطاع الخاص.
تصريحات مطمئنة من الدولة
في هذا السياق، يؤكد مسؤولون أن الدولة تدرك حجم التحديات، وتسعى لإدارة الدين بطريقة أكثر مرونة. وأوضح وزير المالية في تصريحات له هذا العام أن الحكومة تعمل على:
مد آجال السداد عبر اتفاقات إعادة هيكلة.
التحول نحو قروض ميسرة بدلاً من الاقتراض من الأسواق المفتوحة.
تحويل بعض الودائع الخليجية إلى استثمارات في مشروعات استراتيجية.
كما أعلن صندوق النقد الدولي في مراجعته الأخيرة أن مصر اتخذت خطوات إيجابية لخفض عجز الحساب الجاري، وتعزيز الاحتياطي النقدي.
تصنيفات ائتمانية حذرة
على مستوى التصنيفات الائتمانية، أبقت وكالات كبرى مثل “ستاندرد آند بورز” و”موديز” و”فيتش” على تقييم مصر عند مستويات منخفضة، مع نظرة حذرة للمستقبل.
فقد خفّضت “فيتش” نظرتها لمصر إلى “سلبية” في منتصف 2023، قبل أن تعود إلى “محايدة” في ضوء التمويلات الخليجية. فيما أبقت “موديز” تصنيف مصر عند Caa1، لكنها حذّرت من ضغوط الدين الخارجي. وتعكس هذه التصنيفات حجم التحديات التي تواجهها الدولة في استعادة ثقة الأسواق الدولية.
القطاع الخاص.. بين الطموح والواقع
في حديثه لـ”نافذة الشرق”، قال النائب أحمد سمير، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الشيوخ، إن الحكومة تنظر للقطاع الخاص باعتباره “قاطرة التنمية” خلال المرحلة المقبلة، مؤكدًا أن وثيقة ملكية الدولة وضعت هذا التوجه في إطار استراتيجي واضح.
وأضاف: “القطاع الخاص لديه القدرة على خلق فرص عمل، وتعزيز التصدير، وتقليل العجز التجاري. وهو الأقدر على مواجهة التحديات الاقتصادية، شريطة منحه بيئة تنافسية حقيقية، وإزالة المعوقات البيروقراطية”.
وفيما يتعلق بملف الدين، قال سمير إن الدولة تدرك حجم العبء، وتسعى لاستغلال أصولها بشكل استثماري يحقق عائدًا ماليًا عبر شراكات مع مستثمرين استراتيجيين، أو من خلال طرح حصص في البورصة المصرية، ما يحقق الفائدة للطرفين.
تحديات الاستثمار الأجنبي
رغم هذه التوجهات، لا تزال هناك تحديات حقيقية تعوق تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أهمها:
عدم استقرار سعر الصرف، ما يزيد من مخاطر تحويل الأرباح.
تكلفة التمويل المرتفعة داخليًا.
مخاوف المستثمرين من تعثر الدولة في التزاماتها الخارجية.
تأخر إصدار الرخص الصناعية أو تخصيص الأراضي.
وأشار النائب أحمد سمير إلى أن تجاوز هذه العقبات يتطلب إصلاحات هيكلية أعمق، وتحفيزًا جادًا للاستثمار من خلال تخفيف الأعباء الضريبية والجمركية، وتسريع وتيرة تخصيص الأصول.
وتبقى مسؤولية الدولة قائمة في إدارة الدين العام بحكمة، وتوجيه الإيرادات نحو دعم القطاعات الإنتاجية، لا الاستهلاكية، بالتوازي مع دعم القطاع الخاص ليصبح شريكًا فاعلًا في التنمية، لا مجرد أداة لحل أزمة مؤقتة.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.