هل تتراجع السياحة في مصر بسبب حرب إسرائيل وإيران؟ مؤشرات مبكرة وتأجيل المتحف الكبير

0

في خطوة بدت وكأنها إشارة أولى على تأثر القطاع السياحي المصري بتصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، أعلنت الحكومة المصرية، السبت، تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير إلى الربع الأخير من العام الجاري، بعد أن كان مقرراً في الثالث من يوليو المقبل. وأرجعت الحكومة القرار إلى تداعيات الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، وما رافقها من اضطرابات في حركة الطيران وتزايد القلق الإقليمي.

القرار الذي أعلنه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وأكدته وزارة السياحة والآثار في بيان رسمي، جاء في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لقطاع السياحة، أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد المصري ومصدر رئيسي للنقد الأجنبي. البيان أوضح أن التطورات الإقليمية الراهنة فرضت “إعادة تقييم موعد الافتتاح، بما يضمن سلامة الزائرين وتحقيق الأثر المرجو من هذا الحدث العالمي”.

المتحف الكبير.. مشروع قومي في مهب الريح؟

يمثل المتحف المصري الكبير، الذي بلغت تكلفته نحو مليار دولار، أحد أضخم المشاريع الثقافية والسياحية في تاريخ مصر الحديث، وراهنت عليه الدولة ليكون أيقونة جذب سياحي عالمي، خاصة أنه يوصف بأنه أكبر متحف للآثار في العالم، ويضم نحو 100 ألف قطعة أثرية، بينها مجموعة توت عنخ آمون الشهيرة.

ورغم فتح بعض قاعاته جزئيًا أمام الجمهور، فإن الافتتاح الرسمي كان يمثل تتويجًا لعقدين من العمل المستمر، واستثمارًا لمرحلة تعافٍ تدريجي للسياحة في أعقاب تداعيات الجائحة والتوترات الإقليمية.

وتتوقع الحكومة أن يجذب المتحف ما لا يقل عن 5 ملايين زائر سنويًا، ما يجعل تأجيل افتتاحه – لأسباب تتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية – مؤشرًا لافتًا على مدى حساسية القطاع لتطورات المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

السياحة في مصر.. بين الانتعاش والتحديات

شهدت السياحة المصرية انتعاشًا ملحوظًا في الشهور الماضية رغم التحديات، إذ سجلت البلاد خلال الربع الأول من 2025 نحو 3.9 مليون سائح، بزيادة 25% على أساس سنوي، وفق تصريحات وزير السياحة والآثار شريف فتحي في أبريل الماضي. هذا النمو تحقق رغم استمرار الحرب في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والحرب الروسية الأوكرانية التي أضرت بالسوقين الروسي والأوكراني، وهما من أكبر الأسواق المصدّرة للسياح إلى مصر.

لكن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران غيّر من طبيعة التهديد، من كونه جغرافيًا بعيدًا نسبيًا إلى تهديد مباشر لحركة الطيران الإقليمي والملاحة الجوية، وهو ما ينعكس تلقائيًا على خطط السياحة والاستثمار والزيارات الجماعية.

اضطراب الطيران.. أول المؤشرات

منذ الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، سجل موقع FlightRadar اضطرابات غير مسبوقة في المجال الجوي الإيراني والخليجي، حيث اضطرت شركات طيران عالمية مثل طيران الهند وطيران الإمارات والقطرية لتحويل مسارات رحلاتها لتفادي المجال الجوي الملتهب. بعض الرحلات حوّلت وجهتها إلى القاهرة للتزود بالوقود، وألغيت أخرى أثناء التحليق.

وبينما لم تصدر تحذيرات رسمية من الحكومات الغربية بشأن السفر إلى مصر حتى الآن، إلا أن التخوفات بدأت تدفع بعض المسافرين لتأجيل خطط سفرهم، في انتظار استقرار الأوضاع. ووفق ممارسات التأمين الحالية، فإن المسافر الذي يقرر الإلغاء لا يحق له استرداد قيمة الرحلة ما لم يصدر تحذير رسمي من جهة حكومية.

تشكيل غرفة عمليات ومتابعة دقيقة

وزارة السياحة والآثار المصرية أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات موسعة لمتابعة حركة السياحة في مختلف المقاصد المصرية، والتنسيق مع وزارتي الطيران المدني والخارجية، إلى جانب إدارات الشركات والمنشآت الفندقية والسياحية.

ووفق بيان الوزارة، فإن الغرفة تتابع أوضاع السائحين من الدول التي أُغلقت مجالاتها الجوية، وتنسق بشكل مباشر لضمان سلامة الوافدين وحل أي أزمات محتملة في حركتهم. كما أكدت الوزارة استمرار الرحلات وفق الجداول المقررة، دون إلغاء جماعي أو اضطراب في المقاصد السياحية الداخلية مثل الغردقة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان.

خبير: التأثير النفسي أكبر من الفعلي.. ولكن!

وفي تصريح خاص لـ”نافذة الشرق”، قال الدكتور هشام وهبه، الخبير في شؤون السياحة أمين صندوق غرفة المنشآت السياحية، إن “القطاع السياحي في مصر يمتاز بالمرونة التاريخية تجاه الأزمات، سواء كانت أمنية أو صحية”، لكنه أقر بأن “التهديد الحقيقي هذه المرة هو التأثير النفسي العالمي، إذ إن التوتر بين إسرائيل وإيران يثير قلقًا استباقيًا لدى السائح الأوروبي، ويدفعه لتأجيل رحلته حتى إن لم تكن مصر طرفًا مباشرًا في النزاع”.

وأضاف وهبه: “تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير جاء كقرار استباقي ذكي من الحكومة، يراعي السياق الإقليمي ولا يغامر بحدث عالمي في وقت حساس. لكنه يعكس أيضًا حجم التحديات التي قد تتوسع إذا استمرت الحرب أو تصاعدت إلى مستويات جديدة”.

ما الذي قد يحدث في حال استمرار التصعيد؟

رغم أن مصر ما زالت تُصنف ضمن المقاصد الآمنة نسبيًا، فإن استمرار التصعيد أو امتداده إلى دول خليجية أو إلى البحر الأحمر قد يغير هذه المعادلة. خاصة أن السياحة في مصر تعتمد جزئيًا على الربط الجوي مع أوروبا والخليج، وأي اضطراب في الطيران أو إغلاق للمجالات الجوية سيؤثر على الحجوزات والإشغالات الفندقية.

كما أن أي تحذير رسمي من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة بشأن السفر إلى المنطقة سيكون بمثابة صفعة قوية للقطاع، وهو ما تحاول الحكومة تفاديه بتحركات دبلوماسية واستباقية.

بين الإنذار والفرصة

ورغم الصورة القاتمة، يرى بعض المراقبين أن الأزمة الراهنة قد تكون فرصة لمراجعة خطط الترويج السياحي والاعتماد على أسواق جديدة أقل تأثرًا بالتقلبات السياسية، مثل السوق الصيني والهندي واللاتيني، فضلًا عن السوق العربي الذي يشهد نموا تدريجيًا.

ويبدو أن الحكومة تراهن على أن يكون تأجيل المتحف قرارًا مؤقتًا، وأن تبقى المقاصد السياحية الكبرى في مصر بمنأى عن التوترات، في انتظار ما ستسفر عنه الأسابيع القادمة.

تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل جرس إنذار مبكر لتأثر السياحة المصرية بتداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران، رغم استمرار المؤشرات الإيجابية حتى الآن. المعركة المقبلة للحكومة ستكون في احتواء القلق الدولي وضمان استمرار تدفق السياح، مع ترقب دولي لأي تطورات قد تغير خريطة السفر في الشرق الأوسط بأكمله.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.