هل تراوغ إسرائيل وتخرق اتفاقية السلام بعد الانتشار العسكري لمصرعلى الحدود؟

3

كتب: محمد عبد الوهاب

شرعت مصر في تعبئة أدواتها السياسية والدبلوماسية للتصدي لمخططات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. وقد أشار معلقون عسكريون عبر قنوات مصرية إلى أن الجيش المصري بدأ بالفعل في تعزيز وجوده العسكري داخل سيناء.

وفي هذا السياق، دعا وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد المجيد صقر، يوم الثلاثاء، قوات الجيش الثالث الميداني إلى “الحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، حتى تظل القوات المسلحة قادرة على تنفيذ المهام والمسؤوليات المكلفة بها تحت مختلف الظروف”، وفقاً لبيان صدر عن المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد غريب عبد الحافظ.

أما ترامب، فقد لوّح يوم الاثنين بوقف المساعدات الأمريكية لكل من الأردن ومصر، في حال رفضتا استقبال الفلسطينيين، وذلك بعد أن رفضت الدولتان مقترحاته المتعلقة بتهجير سكان غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، بحسب ما ورد في تصريحاته.

ولم يتوقف ترامب عند هذا الحد، بل كشف عن خطة جديدة تتضمن “شراء غزة وامتلاكها بالكامل”، حيث قال في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثّت يوم الاثنين إن “الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة، لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير”.

من جانبه، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء، على أهمية إعادة إعمار قطاع غزة “دون تهجير سكانه الفلسطينيين”، وفقاً لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية، أشار إلى تفاصيل مكالمة هاتفية أجراها السيسي مع رئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن.

وأوضح البيان أن الرئيس السيسي أكد لرئيسة الوزراء على “ضرورة الشروع في عمليات إعادة إعمار قطاع غزة، بما يضمن جعله قابلاً للحياة، مع الحفاظ على سكانه الفلسطينيين في أماكنهم، وصون حقوقهم ومقدراتهم على أرضهم”.

وفي السياق ذاته، أبلغ وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، نظيره الأمريكي، ماركو روبيو، خلال زيارته إلى واشنطن يوم الاثنين، بتأييد الدول العربية للفلسطينيين في رفضهم خطة ترامب لتهجيرهم من غزة والسيطرة عليها، حسبما نقلت وكالة رويترز.

كما أكد الوزير المصري على ضرورة تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني “المشروعة”، وفي مقدمتها “إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل ترابه الوطني”.

وفي بيان صدر في يوم لاحق، ذكرت وزارة الخارجية المصرية أن عبد العاطي شدد خلال زيارته لواشنطن على أهمية “التعاون المصري-الأمريكي في تحقيق السلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استناداً إلى مقررات الشرعية الدولية، وحل الدولتين، وتبادل الأسرى والرهائن بمراحله الثلاث، إلى جانب ضرورة بدء عملية التعافي المبكر وإعادة الإعمار”.

وفي حديثه مع BBC، قال بهاء الدين محمود، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ترامب “لن يتمكن من تنفيذ خططه في غزة أو الشرق الأوسط دون موافقة مصر، ولن تُجدي ضغوطه المتعلقة بالمساعدات العسكرية أو الاقتصادية”.

وأوضح محمود أن “جزءاً كبيراً من المساعدات الأمريكية يعود إلى الولايات المتحدة عبر الاستعانة بخبرائها ومدربيها، كما أن حجم هذه المساعدات محدود جداً، ولا يُعد محورياً في الاقتصاد المصري، ولن يُمثل أزمة إذا تدخلت دول عربية أخرى لتعويض هذا الدعم”.

اتفاقية السلام: “ورقة ضغط قوية” في يد مصر

إلى جانب المساعي المصرية الرسمية والدبلوماسية الرامية إلى إحباط مخططات ترامب بشأن تهجير سكان غزة، ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن مسؤولين مصريين أبلغوا مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، بأن القاهرة ستقوم بـ”إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل” إذا استمرت الولايات المتحدة في الضغط باتجاه تنفيذ هذه الخطة، أو إذا قررت قطع المساعدات.

وصرّح بهاء الدين محمود مع BBC بأن اتفاقية السلام تُعد “ورقة ضغط قوية” في يد مصر ضمن مفاوضاتها مع ترامب بشأن مستقبل غزة والقضية الفلسطينية بوجه عام.

وأضاف أن الإسرائيليين “لا يرغبون إطلاقاً في إنهاء السلام مع مصر، خاصة في ظل القلق من تصاعد الأوضاع العسكرية مجدداً في غزة”.

وأشار إلى أن هذا القلق تجلى في احتجاجات شهدتها تل أبيب يوم الثلاثاء، رفضاً لتعليق اتفاق وقف إطلاق النار أو تجميد صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.

كما تحدّثت تقارير إسرائيلية عن تداعيات الأزمة الحالية على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مسؤولين مصريين قولهم إن اتفاق السلام “أصبح مهدداً”.

وأفادت الصحيفة أن أحد هؤلاء المسؤولين المصريين أكد أن الرسالة “وصلت إلى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ووزارة الخارجية، وأعضاء الكونغرس”، فيما قال مسؤول آخر إن الرسالة نفسها أُبلغت لإسرائيل وحلفائها في أوروبا، وعلى رأسهم بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.

من جهته، قال هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب، في تصريحات في BBC إن مصر “بدأت فعلياً الاستعداد لاحتمال إلغاء أو على الأقل تعليق العمل باتفاقية السلام مع إسرائيل”، مشيراً إلى وجود “جيش كامل في سيناء الآن”.

وأضاف أن “التحركات المصرية بدأت بزيادة عدد الجنود في سيناء، ونقل أسلحة ثقيلة إلى هناك، وهو ما أثار قلقاً كبيراً لدى الإسرائيليين”، حسب وصفه.

وتابع الجمل قائلاً: “المخططات الأمريكية-الإسرائيلية لا تتوقف عند حدود غزة”، موضحاً أن “لدى الولايات المتحدة طموحات تمتد نحو المنطقة بأكملها، وقد تشمل مستقبلاً سيناء، نظراً لما تتمتع به من مساحة واسعة، وموقع سياحي شهير، وثروات طبيعية كبيرة”.

وفي تحليل نشره على موقع “Jewish News Syndicate”، تساءل المحلل الإسرائيلي ياكوف بيلان، الباحث بمركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، عن أسباب “استمرار مصر في تعزيز وجودها العسكري في سيناء”.

وأوضح أن إسرائيل “كانت قد وافقت على دخول قوات مصرية إلى سيناء في إطار مكافحة الإرهاب، لكن الوضع الحالي يشير إلى وجود تشكيلات عسكرية ضخمة جاهزة للقتال”.

وأضاف أن مصر “أنشأت ثلاثة مطارات على الأقل، أحدها مخصص للطائرات المقاتلة، وبدأت بتخزين كميات ضخمة من الوقود”.

كما كشف عن قيام مصر ببناء “أنفاق تخزين كبيرة في سيناء، لأغراض استراتيجية تتعلق بالمعدات العسكرية، إلى جانب إنشاء معابر وأنفاق تتيح للقوات العسكرية التحرك والوصول إلى سيناء خلال ساعات قليلة”، حسب تعبيره.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.