واشنطن ونيودلهي على المحك.. هل تدفع الرسوم الجمركية الهند إلى تنويع مصادر السلاح

4

كتبت: سارة محمود
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 أغسطس 2025، فرض رسوم جمركية عقابية هائلة على الهند، بنسبة 25%، لتُضاف إلى التعريفات السابقة، بنسبة 25% أيضاً، والتي فرضتها الإدارة الأمريكية على نيودلهي، نهاية يوليو من العام الجاري، ودخلت حيز النفاذ في السابع من أغسطس الماضي؛ ليصل إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الهندية من قبل الولايات المتحدة نحو 50%، وهي من بين أعلى الرسوم الجمركية المفروضة على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، في تصعيد للولايات المتحدة ضد حليفتها الآسيوية.

ومع وجود صفقات دفاعية بين الولايات المتحدة والهند بقيمة تقارب 40 مليار دولار، يثار التساؤل حول ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب ستعرقل خطة الهند لشراء الأسلحة الأمريكية.

وفي حوار خاص ل”نافذة الشرق” أشار الخبير في الشؤون الآسيوية إسلام شحته، أن التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب لم تقتصر على السلع المدنية فقط، بل انعكست على المناخ الاقتصادي ككل، مما أدى إلى توتر في العلاقات التجارية والدبلوماسية بين واشنطن ونيودلهي. هذا التوتر يخلق بيئة غير مستقرة تعيق التقدم في المفاوضات المتعلقة بصفقات السلاح، حيث تصبح الهند أكثر حذرًا في الاعتماد على مورد قد يغير قواعد اللعبة فجأة.
بالإضافة إلى ذلك، أي ارتفاع في تكلفة المنتجات الأمريكية نتيجة التعريفات قد ينعكس على عقود الدفاع نفسها، ما يجعلها أكثر تكلفة على المدى البعيد ويؤدي إلى إعادة تقييم الصفقات التي تبلغ قيمتها ٤٠ مليار دولار.

وأضاف الخبير أن القرار في جوهره يحمل بعدًا اقتصاديًا مباشرًا، لكن لا يمكن فصله عن البعد السياسي. واشنطن تسعى لإعادة ضبط الميزان التجاري مع شركائها، والهند واحدة من أكبر الأسواق الناشئة، وبالتالي فإن الضغط عبر الرسوم الجمركية أداة لإجبار نيودلهي على فتح أسواقها بشكل أوسع أمام الشركات الأمريكية.
لكن هناك بعد استراتيجي أيضًا، حيث تريد أمريكا تذكير الهند بأنها رغم التعاون الدفاعي، فإنها ليست في مأمن من السياسات الحمائية الأمريكية، وهو ما يضع ضغوطًا على نيودلهي لتقديم تنازلات في ملفات أخرى.

كما أوضح شحته أن الهند تاريخيًا كانت من أكبر مستوردي السلاح الروسي، ورغم تقاربها مع أمريكا مؤخرًا إلا أن موسكو ما زالت تزودها بأنظمة حيوية مثل “إس-400”. لذا من الممكن أن تعود الهند لتوسيع شراكاتها مع روسيا إذا شعرت بأن واشنطن غير مستقرة في التزاماتها.
أما أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، فهي تقدم بدائل مغرية من حيث التكنولوجيا والمرونة السياسية، كما ظهر في صفقات مقاتلات “رافال”. هذا يعزز احتمالية أن تنوع نيودلهي مشترياتها بين الغرب والشرق لضمان التوازن الاستراتيجي.

وعقب الخبير على أن هذه الصفقات ليست مجرد أرقام أو تجارة مربحة، بل هي جزء من شبكة أوسع من التحالفات السياسية والعسكرية. عندما تشتري الهند سلاحًا أمريكيًا، فإنها لا تشتري فقط معدات، بل تدخل ضمن إطار تدريبات مشتركة، نقل تكنولوجيا، وتبادل استخباراتي.
بمعنى آخر، صفقات السلاح تُستخدم كأداة لبناء الثقة وتعزيز الروابط الاستراتيجية بين الدول، وهي انعكاس للتحالفات الكبرى في مواجهة قوى أخرى مثل الصين وروسيا.

وأضاف أنه من أحد المخاطر الجوهرية في اعتماد الهند على أمريكا هو أن الأسلحة الحديثة تحتاج لصيانة وتحديث مستمر، وهو ما يجعل نيودلهي رهينة للإمدادات الأمريكية. أي خلاف سياسي أو فرض عقوبات مستقبلية قد يؤدي إلى توقف قطع الغيار، ما يشل جزءًا كبيرًا من قدراتها العسكرية.
وأن هذا الخطر ليس افتراضيًا فقط، فقد عانت دول أخرى مثل تركيا من عقوبات أمريكية أثرت على أنظمة التسليح لديها. وبالتالي، تظل المخاطرة قائمة بأن تجد الهند نفسها في وضع مشابه إذا تغير المزاج السياسي في واشنطن.

وعند سؤال الخبير عن أنه من الممكن أن تعيد العقوبات أو التعريفات هذه رسم الخريطة الدفاعية للهند…. كان جوابه: “بالتأكيد، مثل هذه الأزمات قد تكون نقطة تحول في السياسة الدفاعية الهندية. إذا استمرت واشنطن في الضغط عبر الاقتصاد، فإن نيودلهي ستدفع بقوة نحو استراتيجية “تنويع الموردين” وربما تسريع برنامج التصنيع العسكري المحلي”.
وأضاف: “إعادة رسم الخريطة الدفاعية قد تعني توازنًا جديدًا بين الموردين الأمريكيين، الروس، والأوروبيين، إضافة إلى تعزيز الصناعات الوطنية عبر مبادرات مثل (صُنع في الهند). هذه التحولات ستقلل تدريجيًا من الاعتماد على أي طرف خارجي بمفرده”.

ما يحدث مع الهند هو انعكاس لطريقة ترامب في إدارة الملفات الدولية، وقد أخذت العلاقة بين البلدين منعطفاً جديدا نحو الفتور وهي مؤشرات تدل على تحول أوسع في أولويات واشنطن من تحالفات طويلة الأمد إلى صفقات سريعة ومرنة.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.