وباء في الظل.. الكوليرا تضرب السودان وتُهدد الملايين وسط صمت دولي

32

كتبت : ضحى ناصر

بين دوي المدافع وصراع الجيش والميلشيات المسلحة وسقوط القتلى والجرحى وهروب العديد من المواطنين لدول الجوار أطل عدواً جديداً برأسه ليزيد معاناة السودانين الذين إختاروا البقاء في بلدهم رافضين التخلي عن موطنهم الحبيب كان هذا العدو هو ” وباء الكوليرا ” ذلك المرض اللعين الذي راح يفتك بأجساد الضعفاء ممن سحقتهم الحرب بين شقي رُحاها في بلد يفتقد أبسط مقومات التطور العلاجي حتى راح يعانى مواطنيه من أمراض ودعتها البشرية منذ قرنٍ على الأقل كوباء الكوليرا وحمى الضنك وغيرها من الأوبئة التي لاتنشط إلا في أشد البيئات إفتقاراً للمستشفيات و الإمدادات الطبية الوسائل العلاجية الحديثة .

إنهيار المنظومة الصحية في السودان بين التقصير الحكومي وغياب الدور الدولي

و قد دفعنا كل ماسبق للتساؤل حول السبب في تردي الأوضاع الطبية والمعيشية بالسودان ومن يقف وراءه في زمن ماقبل الحرب ومابعدها، ففي منتصف إبريل الماضي أعلنت منظمة الصحة العالمية فى بيان لها، أنه وبعد مرور عامان على إندلاع النزاع فى السودان، ها هو النظام الصحى في البلاد قد وصل إلى نقطة الإنهيار.

وأضافت المنظمة في بيانها ، إنه مع اقتراب موسم الأمطار، تتفاقم المخاطرُ الصحية تفاقمًا شديدًا إذ تواجه البلاد خطرًا داهمًا من فاشيات الأمراض، وتصاعد معدلات سوء التغذية، وانهيار الخدمات الصحية، في وقتٍ قُيِّدت فيه إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية بشكلٍ خطيرٍ ويتناقص تمويل قطاع الصحة إلى مستويات مقلقة.

حيث بات اليوم، أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ومنهم 20 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الخدمات الصحية.

ومع ذلك فإن الحصول على الرعاية والمساعدات صار أمرًا شبه مستحيل بالنسبة إلى الملايين منهم بسبب إنعدام الأمن والنقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة والإمدادات الطبية وتكرار الهجمات على المرافق الصحية والعاملين الصحيين. ومن ثَم، خرجت المستشفيات من الخدمة أو أنها تعمل بشكل جزئي فقط.

لتصبح محصلة هذه الظروف الصعبة أن الناس يفقدون حياتهم بسبب الأمراض وسوء التغذية والإصابات المرتبطة بالنزاعات والنقص المستمر في الأدوية الأساسية واللقاحات والخدمات المُنقِذة للحياة.

و يعكس هذا البيان الحالة المتردية التي وصلت إليها المنظومة الصحية في السودان، والتي لايمكن معها التغاضي عن تقصير حكومى إمتد لعقود في صورة التمويل والميزانية المحدودة للقطاع الصحي إذ تشير العديد من التقارير إلى فترة حكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير شهدت نقص واضح في تخصيص الموارد الكافية لتوفير النظام الصحي المناسب ، حيث كان الإنفاق على الصحة منخفضًا مقارنة بالحاجة الفعلية.

وقد أدى تراجع الدعم المالي إلى إنخفاض قدرة المستشفيات والمراكز الصحية على تقديم خدمات جيدة، بسبب نقص في الأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى تدهور ظروف عمل الأطباء والممرضين، مما دفع الكثير منهم للهجرة إلى الخارج بحثًا عن فرص عمل أفضل، وهو ما أدى بالتالي إلى حدوث نقص شديد في الكوادر الطبية المؤهلة داخل السودان جراء الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة، وهى إحدى أبرز النتائج التي ترتبت على الحروب الأهلية مستمرة خلال حكم البشير، مثل الحرب في دارفور وجنوب السودان (قبل الانفصال)، والتي أدت كذلك إلى دمار البنية التحتية الصحية في المناطق المتأثرة.

من جهته فقد أوضح في تصريحات خاصة لنافذة الشرق الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي و مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة النيل مؤسسة في الدراسات الأفريقية والإستراتيجية محمد عز الدين أن النظام السوداني السابق قد أهمل في توفير الرعاية والتوعية الصحية للوقاية من هذه الأمراض للشعب السوداني، ما أدى إلى إنتشار العديد من الأوبئة الغريبة حتى على دول العالم الثالث كالتيفوئيد والكواليرا .

لافتاً إلى أن النظام السوداني السابق كان لايملك خطة معينة لتطوير منظومة الرعاية الصحية بل كان يعتمد على إسلوب مناعة القطيع أي أن على كل مواطن أن يتولى معالجة نفسه أو مقاومة المرض .

و أضاف أنه و على الرغم من جهود المنظمات الصحية الدولية لإحتواء الأزمات الصحية المتفاقمة في إفريقيا بشكل عام ومناطق النزاعات وليس في السودان فحسب هي جهود كبيرة للغاية ولكن تم تقليص جهود تلك المنظمات وتخفيض مخصصاتها لدول كالسودان والصومال ودول القرن الإفريقي، وهو مايؤدي إلى تردي الأوضاع الصحية في السودان وغيره من المناطق الملتهبة بالصراعات، ما يساهم في الحد من الكشف عن حالات الإصابة بالوباء ومعالجتها قبل تفشيه ما أدى إلى إنتشار الكوليرا بشكل متسارع .

ما الذي يحتاجه السودانيون الآن

و أشار إلى أن غياب المجتمع الدولي عن مساعدة السودان يولد حالة من القلق البالغ خاصةً مع الحاجة المُلحة لمقاومة الأوبئة من داخل بؤرة إنتشارها وهو ما لم يتحقق لغياب الفرق الصحية الدولية عن السودان وهو مايهدد بحدوث كارثة عالمية نظراً لخطورة إنتشار الوباء إلى دول الجوار .

ولفت عز الدين إلى أنه على الشعب السوداني أن يتكاتف لإعادة تشغيل المؤسسات الصحية لمقاومة المرض و القضاء عليه، و كذلك على المنظمات الصحية الدولية و المنظمات القارية كالإتحاد الإفريقي و غيره من المنظمات الإفريقية التي يتعين عليها أن تمنح السودان ولو بعض المساعدات ليواجه تلك الأزمة الكبيرة التى يواجهها .

تفشي الكوليرا في السودان وتداعياته على مصر

وحول الإجراءات التي تتخذها مصر للحيلولة دون تفشي الكوليرا على أراضيها و سبل الوقاية والعلاج التي يجب إتباعها يوضح دكتور أحمد سمير البهواشي إستشاري الباطنة و الحميات و الأمراض المعدية في تصريحات خاصة لنافذة الشرق

أنه وفي خضم حرب أهلية مستمرة منذ ٢٥ شهراً، يواجه السودان كارثة صحية غير مسبوقة بانتشار وباء الكوليرا الذي حصد أرواح ١٥٤٠ شخصاً خلال ٣ أيام فقط في ولاية الخرطوم ، وفقاً لنقابة أطباء السودان . مع تدمير ٨٠٪ من المرافق الصحية في مناطق النزاع وانهيار البنية التحتية للمياه، أصبح المرض ينتشر كالنار في الهشام، مهدداً الدول المجاورة وعلى رأسها مصر التي تستعد لموجة لجوء سودانية جديدة.
و أوضح الدكتور أحمد سمير البهواشي العديد من الأسباب لتفشي في السودان هو وجود بيئة مثالية للوباء والتي جاءت كالتالي:

١.تدمير البنية التحتية:
إذ نجم عن قتال القوات المتحاربة ١٥٥ مستشفى في الخرطوم، وتعرضت محطات المياه والكهرباء لهجمات متكررة، مما قطع المياه النظيفة عن ٧٠٠٠٠٠ شخص في أم درمان وحدها فلجأ المدنيون لشرب مياه الآبار الملوثة بمياه الصرف الصحي، خاصة في منطقة الصالحة المحاصرة .
٢. الكثافة السكانية والنزوح:

فيما يعيش النازحون في مخيمات مكتظة تفتقر لمرافق الصرف الصحي، بينما سجلت الخرطوم ٩٠٪ من الإصابات الجديدة، وفقاً لوزارة الصحة السودانية .
٣. انهيار النظام الصحي: بينما تعانى المستشفيات السودانية من نقص حاد في المحاليل الوريدية والأدوية، مع تعرض المتطوعين للاعتقال عند نشر صور للمصابين .

ولفت البهواشي إلى أن نحو ٨٠٪ من المصابين تظهر عليهم أعراض خفيفة، لكنهم ينشرون الوباء دون علمهم. – ١ من كل ١٠ حالات تتطور إلى جفاف حاد يقتل خلال ٢-٦ ساعات فقط.

كيف تنتقل الكوليرا

يوضح الدكتور أحمد سمير البهواشي أن الميكروب المسبب لمرض الكوليرا ينتقل عبر شرب مياه ملوثة ببراز المصابين (مصدر 90% من الإصابات).

“كوب ماء واحد يكفي لقتل قرية” منظمة الصحة العالمية – تناول أطعمة مغسولة بماء ملوث (خاصة الخضروات النيئة). – الذباب في المناطق الوبائية.

أعراض المرض :
لافتاً إلى أن تصيب بكتيريا “ضمة الكوليرا” (Vibrio cholerae) الأمعاء، مسببة إسهال مائي شديد يشبه “ماء الأرز” فقدان 20 لتراً من السوائل يومياً ، و القيء المتكرر وجفاف حاد يظهر عبر جفاف الفم، غور العينين، انخفاض ضغط الدم.

بالإضافة إلى تقلصات عضلية بسبب فقدان الأملاح. – صدمة جفافية تؤدي للوفاة خلال ساعات إذا لم تُعالج .

تشخيص الكوليرا يعتبر سباق مع الموت:

و أعتبر البهواشي أن التشخيص بالفحص السريري (الطوارئ) يعتبر سباقاً مع الموت مشيراً إلى أن التشخيص المخبري (التأكيدي) يبدأ من مسحة مستقيم سريعة لكشف مستضدات البكتيريا – الدقة 85-90% – الوقت المستغرق 15 دقيقة زرع عينة البراز لتنمية البكتيريا في وسط خاص – الدقة 99% – الوقت المستغرق 24-48 ساعة PCR بالكشف عن الحمض النووي للبكتيريا – الدقة 100% – الوقت المستغرق ساعتان.

العلاج: معركة ضد الزمن

و أشار البهواشي إلى أن أهم طرق العلاج هي محاليل الإماهة الفموية (ORS) أو محاليل معالجة الجفاف بالفم ، فهي خط الدفاع الأول لتعويض السوائل (تكلفتها زهيدة وفعالة بنسبة أعلى من ٩٥٪ )

  • السوائل الوريدية: للحالات الشديدة التي تفقد الوعي. – المضادات الحيوية: التي يقوم بوصفها المتخصصون في علم الأمراض المعدية و الحميات لتقليل مدة الإسهال .

الوقاية:

  1. ضمان مياه شرب آمنة: غلي الماء أو تعقيمه بأقراص الكلور.
  2. النظافة الشخصية: غسل اليدين بالماء والصابون بعد استخدام المرحاض وقبل الأكل.
  3. سلامة الغذاء: تجنب الخضروات النيئة غير المقشرة، والطعام غير المطهو جيداً.
  4. اللقاحات الفموية: مثل “دوكورال” (فعال بنسبة ٨٥٪% لمدة ٦ أشهر) .

مصر تتخذ الإجراءات الإستباقية اللازمة لمنع دخول الكوليرا إلى أراضيها

و أشاد البهواشي بالإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة والسكان تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي للحيلولة دون تفشي الوباء بين السودانيون المتواجدون على أرضها ومنهم إلى مواطنيها قائلاً بفضل الله سبحانه و تعالى و حفظه لمصر و شعبها ، ثم جهود القيادات المصرية ،

و أضاف أن مصر أكدت خلوها من الكوليرا، وتمتلك منظومة ترصد وبائي متقدمة . – تشديد الفحص الصحي في منافذ الدخول البرية (أرقين، قسطل) والجوية . – مراقبة الوافدين من مناطق وبائية عبر فرق الطب الوقائي. – توفير مصل الكوليرا الفموي ( دوكورال) وهو أحد اللقاحات الفموية الفعالة ضد الكوليرا التي رخصتها منظمة الصحة العالمية و يمكنك الحصول عليه من هيئة المصل واللقاح التابعة لوزارة الصحة المصرية، حيث يتوفر التطعيم بسعر ٨٠ جنيًها مصرياً.

وهكذا، لا يقف وباء الكوليرا في السودان عند كونه أزمة صحية فحسب، بل هو مرآة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني وسط حرب طاحنة ونظام صحي منهار وتجاهل دولي مقلق. وبينما يسابق الأطباء الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تظل الحاجة ملحّة لتكاتف الجهود الدولية والإقليمية، ليس فقط لإيقاف انتشار الوباء، وإنما لإنقاذ بلد بأكمله من الانهيار الكامل. فالصمت أمام معاناة ملايين الأبرياء لن يفضي إلا إلى اتساع رقعة الكارثة، وعندها لن تكون حدود السودان كافية لاحتواء الخطر.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.