أزمة استيراد السيارات.. قوانين تعطل المنافسة
يواجه سوق السيارات المصري تحديا وراء الأخر منذ أكثر من عامين، ما بين طموحات الحكومة لتوطين صناعة محلية تحد من نزيف العملة في استيراد السيارات ومكوناتها وما بين تنافس احتد ووصل لدرجة الصراع بين وكلاء يعانون من قلة المبيعات وسعيا وراء زيادتها سعوا إلى تحجيم أي منافس آخر من تجار الاستيراد الموازي أو الشخصي وأخيرًا سيارات ذوي الهمم.
المنافسة التي أوشكت على الانتهاء وشارفت على النهاية لم تأت ما بين يوم وليلة بل امتدت على مدار فصول بدأت بالتضييق على التجار ثم الأفراد، لتنتهي مؤقتا بانفراد الوكلاء الذين ربما يواجهون تحديات أصعب مع بدء شركة النصر للسيارات إنتاجها في مايو المقبل.
القرار رقم 9 الفصل الأول( في تنظيم سوق السيارات)
في مارس 2022 صدر القرار رقم 9 المنظم لشركات استيراد السيارات والذي ألزم مستوردي السيارات –عدا الوكلاء- بتحقيق عدد من الشروط منها إلزام مستورد السيارة بتوفير 15% من قطع الغيار وتوفير مراكز صيانة على مستوى الجمهورية على الرغم من أن قانون حماية المنافسة يلزم وكلاء السيارات بتقديم الخدمات وقطع الغيار مقابل مبلغ من المال بالاتفاق مع المستوردين.
الشروط السابقة اعتبرها الدكتور نور درويش رئيس شعبة السيارات بغرفة القاهرة حينها تعجيزية ولا تفيد السوق، وغير قابلة للتطبيق بل مخالفة للدستور وقانون حماية المنافسة، لذا فإنها تصب في صالح احتكار فئة قليلة.
عرقلة استيراد السيارات
ويعلق منتصر زيتون مستورد سيارات ورئيس الشعبة باتحاد الغرف التجارية أن القرار رقم 9 استهدف عرقلة مستوردي السيارات والسوق تضرر منه بسبب قلة المعروض، وللتدليل على أهمية الاستيراد الموازي في سوق السيارات فإن قبل 2006 كان الوكلاء يقدمون السيارات بأسعار مرتفعة وإمكانيات قليلة، ومع بدأ دخول تجار للاستيراد نافسوا الوكلاء ودفعوهم لخفض السعر ورفع المواصفات الفنية والكماليات.
وبرهن زيتون في حديثه إلى «نافذة الشرق» على أهمية المنافسة في السوق بأن أسعارالسيارات ترتفع حاليا وظاهرة الأوفر برايس زادت واستفحلت وفي الوقت نفسه كثير من مستوردي السيارات يتجهون للتخارج من السوق.
التضييق على الاستيراد التجاري عقب صدور القرار رقم 9 بالتوازي مع إغلاق الاعتمادات المستندية للحفاظ على الدولار بعد أزمة الأموال الساخنة في 2022؛ تسببا في ارتباك المتضررين من مستوردي السيارات ارتباكا لم يلبث أن انتهي بعد لجوء الأغلبية إلى منفذ قانون الاستيراد الشخصي والذي يسمح للأفراد بجلب السيارة معفاة من الجمارك.
الاستيراد الشخصي فصل آخر في سوق السيارات
بعد إغلاق الاستيراد إثر القانون رقم 9 في 2022 دخل 90% من السيارات وفقا لبنود قانون الاستيراد الشخصي والذي مكنهم من ضمان استمرار العمل والوفاء بنفقاتهم التشغيلية إلا أن القانون لم يعطي الفرصة لتنوع الطرازات بسبب محدودية الكميات الواردة من المناطق الحرة.
وذكر حينها علاء السبع عضو الشعبة العامة للسيارات في اجتماع للشعبة أن الكميات الواردة عن طريق المناطق الحرة عبر قانون الاستيراد الشخصي لا تتجاوز 50 سيارة كل 3 أو 4 شهور وهو مالا يفي بطلبات العملاء.
ولم يمتد الوقت طويلا فخلال عامين فقط انتبهت الحكومة لقانون الاستيراد الشخصي وقدرة العملاء والتجار على استغلاله في جلب سيارات، فلم يكن منها إلا أن عدلته في ديسمبر 2024 لتضع شروطًا شبيهة بشروط القرار رقم 9 لتغلق بابا أمام تجار الاستيراد.
أبرز التعديلات السماح للفرد باستيراد سيارة واحدة كل 5 سنوات مع اشتراط تقديم كشف حساب بنكي يثبت ملاءته المالية، إضافة إلى سداد ثمن السيارة عبر تحويل بنكي من أحد البنوك العاملة.
الاستيراد الشخصي لا اعتراض.. وحجم المبيعات أهم من ارتفاع أسعار السيارات
ويؤكد نور درويش رئيس شعبة القاهرة أن باب الاستيراد الشخصي لم يكن مخصص للتجار بالأساس والتعديلات الأخيرة لا اعتراض عليها لكن الأهم تسهيل استيراد السيارات للتجار الذين يعملون بالقطاع منذ سنوات.
ويضيف درويش أن حجم المبيعات أهم من التركيز على ارتفاع أو خفض أسعار، لأن زيادتها يعطي علامة إيجابية على تحسن الوضع وتراجعها يدل على الركود والسير نحو الأسوء.
ويشير أن مع إغلاق الباب أمام الاستيراد الشخصي والتجاري فإن المنافسة باتت في ذمة الله، وحجم المعروض وتسعير السيارات في يد الوكلاء فقط والرهان الحالي على قدرتهم في إنهاء قوائم الانتظار التي تمتد لديهم لفترات تزيد عن الـ6 شهور ومتوقع أن تزداد مع تخارج تجار الاستيراد الموازي.
سيارات ذوي الهمم إلى زوال
سيارات ذوي الهمم من أهم الملفات التي واجهت تضييق منذ إعلان الحكومة وقف الإفراجات الجمركية عنها منتصف يونيو الماضي بسبب اكتشاف مخالفات واستفادة غير المستحقين منها، إلا أن الإجراءات المتتابعة والتعديلات التي طالت قانون استيراد سيارات ذوي الهمم خلقت تحديات وأضرت بمجموعة كبيرة من ذوي الهمم وكذلك التجار المعنيين باستيرادها بعد أن اقترب عدد السيارات المحتجزة نحو 36 ألف سيارة.
وردت جميع سيارات ذوي الهمم المحتجزة للمواني من خلال تجار أو أفراد استوردوها وفقا لقانون ذوي الهمم رقم 10 لسنة 2018، الذي يحدد المستحقيين ويتيح الاستعانة بشركات مرخص لها مزاولة النشاط وفق اشتراطات قانونية، فيلجأ صاحب الإعاقة للشركات ويقدم خطاب الكمسيون الطبي للشركة كي يتم التعاقد، ويجيز القانون استيراد سيارات ذوي الهمم دون اشتراط سنة الصنع.
توضح الدكتورة وفاء محمد رئيس رابطة ذوي الهمم أن كافة التعديلات التي أقرتها الحكومة بهدف تسهيل لإفراج عن سيارات ذوي الهمم المحتجزة في الجمارك منذ 8 شهور لم تأت ثمارها، والقلة التي حصلت على سيارتها دفعت أرضيات الجمارك كاملة بلا تخفيض، والأغلبية لم تستطيع تقديم ما يثبت تحويل ثمن السيارة من خلال تحويل بنكي لأن 95% منا يشتري السيارة عن طرق الدفع النقدي إلى المستوردين.
تحركات جديدة من أجل الإفراج عن سيارات ذوي الهمم
وكشفت في حديثها إلى نافذة الشرق أن الرابطة أجرت لقاء مع مسؤلي الجمارك مؤخرًا، وقدمنا مقترح بإثبات قدرتنا المالية على شراء السيارات من خلال تقديم عقود بيع عقارات أو سيارات وغيرها عوضا عن شرط التحويل البنك الذي يقف عثرة في طريق الإفراج، مشرة أنها لمست تعاطف خلال اللقاء.
وأضافت: لفتنا النظر أيضا إلى انتهاء خطابات الكمسيون الطبي التي بموجبها يحق لنا الحصول على السيارة وطالبنا بمد فترة الخطابات بنفس المدة التي تعطل الإفراج فيها لأن استخراج الخطابات يستغرق وقت من 6 شهور إلى سنة.
وأكدت أن عدد المخالفين لا يمثل أكثر من 5%، وتستشهد بأن إجمالي مبالغ التصالح التي حصلتها الحكومة من الراغبين في التصالح 2 مليار جنيه في حين أن عدد سيارات ذوي الهمم التي دخلت البلاد خلال عام ونصف يصل إلى 200 ألف سيارة لذا فإن نسبة المستفيدين الحقيقيين من ذوي الهمم خلال عام ونصف تصل إلى أكثر من 90%.
Yن من ضمن الأرقام التي تسببت في تفاقم الأزمة، وقال إن حصول نحو 36 ألف شخص من أصل 145 ألف من أصحاب سيارات ذوي الهمم على معاشات تكافل وكرامة مردود عليه بأن بمجرد ترخيص السيارة سيتوقف حصولهم عليه، وتمنت أن يستجيب وزير المالية ورئيس الوزراء لمقترحات الأخيرة منفذ وحيد للحفاظ على أموال ذوي الهمم بالحصول على سيارتهم المحتجزة.
يسري شنودة مستورد سيارات ذوي الهمم بالمنطقة الاقتصادية في العين السخنة أكد عدم اعتراضه على التعديلات والشروط الجديدة لكنه يناشد إخراج السيارات المتعطلة لديه ولدى التجار الأخرين تحاشيا للخسائر الباهظة لهم، مشيرًا أنهم يعملون باستيراد سيارات ذوي الهمم وفقا لمستندات قانونية معتمدة من الحكومة ومع ذلك فإن بمجرد انتهاء الأزمة “سنغير النشاط”.
ومن جانبه قال محمد نور رئيس شعبة السيارات بغرفة بورسعيد أن تجار سيارات ذوي الهمم أرسلوا مقترحات للشعبة العامة لعرضها لرفعها للوزراء والمعنيين وتحتوي المذكرة على ثلاث حلول تنقذ التجار، أولها الإفراج عن السيارات المتواجدة بالموانيء حاليا كاستثناء من التعديلات، أو تسديد مبلغ مالي كغرامة عن فرق القوة الحصانية للموتور وأخيرًا تطبيق قانون الاستيراد الشخصي فيما يخص تسديد ما يعرف بغرامة الموديل، إلا أن إلى الآن لم نتلقى ردًا.
وأوضح عصام غنايم خبير سوق السيارات أن الحلول المقترحة بإعادة تصدير سيارات ذوي الهمم المحتجزة بالجمارك غير قابلة للتنفيذ لأن الدول المصدرة لن تقبل بإعادتها مرة أخرى والأغلب أن تذهب السيارات إلى قائمة المهمل وعرضها بمزادات الجمارك، والحل يكمن في وضع مهلة لتوفيق الأوضاع للجميع.
وفي نهاية حديثه إلى نافذة الشرق قال إن التعديلات الأخيرة قضت على استيراد سيارات ذوي الهمم، فاشتراط سنة الصنع بعام 2022 غير واقعي في ظل أن أحدث الموديلات المستوردة كانت لا تتخطى 2014، وتحديد سعة المحرك بـ1200 سي سي بدون تربو صعب تنفيذه والأصعب إثبات التحويل البنكي لأن القيود على تحويل العملة الأجنبية دفعت للتحويل من خلال الأقارب المتواجدين بالخارج.
وفي السياق يوضح محمود أبو المعاطي المحامي لـ«نافذة الشرق» إن سيارات ذوي الهمم المحتجزة في الجمارك لا يجوز تطبيق التعديلات الأخيرة عليها قانونا لأنها جاءت قبل صدور القانون والقاعدة تقول أن العبرة بتاريخ الإجراء، فلا تطبيق لقانون على إجراء سابق عليه وفق قانون الإجراءات الجنائية.
وجاءت المفاجأة خلال الأيام الماضية بإصدار مصلحة الجمارك بيانا يوضح بدء تحويل 798 من سيارات ذوي الهم المحتجزة بالجمارك لحصول أصحابها على معاش تكافل وكرامة، إلى البيع بالمزاد أو إعادة التصدير وأخيرًا إحالتها للمهمل وفقا لما تراه وزارة المالية بالتنسيق مع وزارة التضامن.
ويعلق المستشار أسامة أبو المجد نائب رئيس شعبة سيارات القاهرة أن تلك السيارات تحملت تكاليف مرتفعة خلال احتجازها منذ شهور من أرضيات وغيرها تحول دون تحقيق أصحابها المقابل العادل في حالة محاولة إعادة التصدير، أما الحاصلين على معاشات تكافل وكرامة فالأفضل أن تأخذوا سيارتهم مع قطع المعاش عنهم لافتا أن أغلب السيارات الواردة لا تتجاوز أسعارها 100 و180 ألف جنيه ما يدل على رخص سعرها وأن اتخاذها كمعيار لأحقية الشخص ليس أمرًا سليما.
هل الهدف دعم صناعة السيارات محليًا؟
يرى البعض أن التضييق على استيراد السيارات ليس الهدف منه وقف نزيف الدولار بل يهدف لدعم توجه الدولة في توطين صناعة السيارات عبر مجهودات غير مسبوقة لدعم صناعة سيارة مصرية داخل شركة النصر للسيارات التي وعدت بإطلاق السيارة في مايو المقبل.
بينما يرى درويش أن إذا كان الهدف دعم السيارات المحلية المنتظرة من شركة النصر، فالأولى انتظار ظهور الإنتاج في السوق لأن عرقلة استيراد السيارات دون وجود بديل أمر غير معقول والطبيعي وصول سيارات النصر أولا ثم وضع القوانين لدعمها.
التعاون ضروري لتحقيق الأهداف
ملف استيراد السيارات من أبرز الملفات المتداولة على طاولة الحكومة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ولأن الملف متشعب متعدد متداخل بين وزارات عدة كالمالية والصناعة والاستثمار وغيره فإن وضع تصور وحلول ناجزة له يجب أن تتخذ من خلال الاستعانة بأهل التجارة والصناعة، فالسيارات ليست قطاعا صغيرا كما يخيل للبعض بل أنها عمود فقري لقطاعات متعاونة كثيفة العمالة فنيا وإداريا وتسويقيا.
كتب: محمد عبده

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.