زيارة ترامب للخليج… بين الصفقات والمواقف الثابتة: السعودية تضع شروطها وإيران في مرمى التهديد

6

محمد عبد الوهاب

في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الإقليمية وتستمر التحركات الدبلوماسية الدولية تجاه منطقة الخليج والشرق الأوسط، تبرز زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة كمحطة جدلية تُعيد رسم بعض خطوط العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وتحديدًا المملكة العربية السعودية. هذه الزيارة، التي حُملت بآمالٍ لدى البعض وبتحفظات وشكوك لدى آخرين، أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، خصوصًا في ظل الأوضاع المتقلبة في المنطقة من ناحية، ومحاولات إعادة صياغة العلاقات الاستراتيجية القديمة من ناحية أخرى.

وفي تصريحات خاصة لموقع نافذة الشرق، أكّد الدكتور نزار نزال، الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي وبقضايا الصراع، أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تأتي في إطار تحركات سياسية جادة، بل تتعلق في جوهرها بعقد صفقات تجارية واقتصادية، بعيدًا عن الملفات السياسية العميقة.

وقال نزال: “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجل صفقات ورجل مال، وفي نهاية المطاف هو قادم من أجل عقد صفقات مع دول الخليج. لا أعتقد أن تكون هناك محطات سياسية يمكن أن يُنجز فيها ملف معين، فالموضوع من وجهة نظري موضوع مالي وتجاري بالأساس، وكل ما نراه من بهرجة إعلامية حول الزيارة لا يخرج عن هذا الإطار”.

وأضاف نزال أن الملفات الساخنة المطروحة على طاولة النقاش خلال الزيارة، وعلى رأسها العلاقات الأمريكية السعودية، تشهد حالة من الثبات والاستقرار، واصفًا العلاقات بين البلدين بأنها “جيدة جدًا”.

السعودية تكرر شروطها للتطبيع: لا علاقات دون حقوق الفلسطينيين

وفي إطار حديثه عن مواقف المملكة العربية السعودية تجاه التطبيع مع إسرائيل، أكد الدكتور نزال أن السعودية وجهت رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية منذ الإعلان عن الزيارة، مفادها أنها ما زالت متمسكة بالمبادئ التي طرحتها في مبادرة السلام العربية عام 2002 خلال القمة العربية في بيروت.

وأوضح: “المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى إسرائيل، بل إن إسرائيل هي التي تحتاج إلى المملكة. السعودية تريد أن تقدم خدمة للفلسطينيين من خلال عرض علاقات طبيعية مع إسرائيل، ولكن مقابل أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم. هذا هو الموقف السعودي الثابت، وقد تم التعبير عنه مرارًا وتكرارًا”.

وشدد نزال على أن إسرائيل تمثل مصلحة أمريكية بالدرجة الأولى، وأن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة تأتي ضمن إطار المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وأضاف: “السعودية لن توافق على أي تطبيع مع إسرائيل ما لم يتم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل، وهذا الموقف معروف منذ اللحظة الأولى، والمملكة حافظت على هذه المبادئ في سُلّم أولوياتها منذ سنوات”.

التطبيع مستبعد… والموقف السعودي ثابت

أعاد نزال التأكيد على أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل لم يتم ولن يتم في ظل غياب تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية. وقال: “التطبيع لم يتم إطلاقًا لأن إسرائيل لم تُعطِ الفلسطينيين حقوقهم. والمملكة العربية السعودية لن توافق على أي خطوة تطبيعية دون أن يكون هناك حل واضح وعادل للقضية الفلسطينية. هذا أمر محسوم في السياسة السعودية، ولم يتغير على مر السنوات”.

واعتبر أن زيارة ترامب لا تحمل أفقًا سياسيًا حقيقيًا، بل تنطوي على أهداف اقتصادية بحتة، وقال: “الزيارة برأيي تجارية وصفقات مال، ولا أعتقد أن هناك محطات سياسية ممكن إنجازها أو يمكن الوصول إليها خلال هذه الزيارة”.

الملف الإيراني: تحذيرات من مواجهة قريبة

أما بخصوص الملف الإيراني، فقد أكد الدكتور نزار نزال أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح حتى الآن في الوصول إلى أي اتفاق فاعل مع إيران، مرجّحًا أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيدًا في هذا الملف، قد يصل إلى توجيه ضربات عسكرية لمواقع داخل إيران.

وقال نزال: “الولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح في الوصول إلى اتفاق مع إيران، ولن يكون هناك نجاح لأي اتفاق أو إمكانية لاستمراره في المستقبل. ما يجري حاليًا هو محاولة من الولايات المتحدة لتحريض الرأي العام الأمريكي ضد إيران، ولا أستبعد أن يكون هناك استهداف لبعض المواقع النووية الإيرانية في المستقبل القريب”.

وأشار إلى أن هناك دراسة وتقييمات ومباحثات جارية بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن كيفية التعامل مع الملف الإيراني، مؤكداً أن هناك دعمًا كبيرًا وتحريضًا مباشرًا من قبل اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة لتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران.

وأضاف: “لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتم تمرير عدم توجيه ضربات إلى الجغرافيا الإيرانية، الجغرافيا الإيرانية على موعد مع ضربات إسرائيلية أمريكية، وهناك تحضيرات وتحالفات تتشكل على هذا الأساس”.

ترامب وأسلوب الصفقات… السياسة بوجه تجاري

وفي ختام حديثه، شدد الدكتور نزال على أن نهج ترامب في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط لا يخرج عن كونه أسلوبًا تجاريًا يعتمد على الصفقات، وليس على الحلول السياسية أو المبادرات الاستراتيجية بعيدة المدى.

وقال: “ترامب لا ينظر إلى المنطقة من زاوية سياسية أو استراتيجية بقدر ما ينظر إليها كفرصة لعقد صفقات وتحقيق مصالح اقتصادية. وهذا ما يفسر طبيعة زيارته، والتي لا يمكن أن نتوقع منها نتائج سياسية ملموسة، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بالملف الإيراني”.

ويرى نزال أن كل ما يدور حاليًا من تحركات أمريكية في المنطقة، سواء في عهد ترامب أو غيره، يبقى خاضعًا لمعادلات الربح والخسارة، وأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لم تعد كما كانت في العقود السابقة، بل باتت أكثر ارتباطًا بالمصالح المالية المباشرة.

الدكتور نزار نزال

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.