مشروعات الاستصلاح الزراعي بين الطموح والتطبيق على أرض الواقع
تـقـريـر – أحـمـد إمـام
الصادرات المصرية بين تنوع المحاصيل وحجم الأسواق العالمية
شهد القطاع الزراعي في مصر خلال السنوات الأخيرة عمل الحكومة على عدد من المشروعات الزراعية القومية التي استهدفت استصلاح أراضٍ صحراوية، وتوسيع المساحات المزروعة، وتحسين أنظمة الري، وذلك في إطار توجه عام نحو تعزيز الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية المختلفة.
هذه المشروعات تنوعت في أهدافها ومواقعها، وشملت مساحات شاسعة في مناطق الدلتا، والصعيد، وسيناء، ومناطق جنوب وغرب البلاد. كما ارتبط تنفيذها بمبادرات تتعلق بتحسين البنية التحتية، وتحديث طرق الري، وتطوير أساليب الزراعة والإنتاج.
“نافذة الشرق” يستعرض في التقرير التالي المشروعات الزراعية الكبرى التي عملت عليها الحكومة المصرية منذ عام 2013 وحتى الآن، إلى جانب إلقاء الضوء على قيمة الصادرات المصرية وتواجدها في الأسواق العالمية، إضافة إلى الرأي الحكومي.
مشروع تحسين أنظمة الري في الدلتا
في عام 2013، بدأ تنفيذ مشروع لتحسين أنظمة الري في عدد من محافظات الدلتا، يهدف إلى تقليل الفاقد من المياه من خلال الاعتماد على طرق ري حديثة بديلة للري بالغمر. بلغت التكلفة المعلنة للمشروع نحو 2 مليار جنيه، وتم ربطه باستخدام الميكنة الزراعية.
مشروع المليون ونصف فدان
أُعلن عن مشروع المليون ونصف فدان عام 2014، بهدف استصلاح وزراعة مساحات من الأراضي الصحراوية في ثماني محافظات، من بينها جنوب سيناء، مطروح، والوادي الجديد. المشروع تم تخطيطه باستخدام تقنيات حديثة في الري والإدارة الزراعية، ووصلت تكلفته التقديرية إلى نحو 8 مليارات جنيه.
مشروع الاستزراع السمكي
في 2015، بدأ تنفيذ مشروع استزراع سمكي في منطقة قناة السويس، بهدف زيادة إنتاج الأسماك محليًا. تبلغ مساحته عدة آلاف من الأفدنة، وقدرت تكلفته بنحو 14 مليار جنيه، ويعد من أكبر مشروعات الاستزراع السمكي في المنطقة.
مشروع توشكى الخير
من بين المشروعات الأخرى، يأتي مشروع “توشكى الخير” الذي يتناول استصلاح وزراعة أراضٍ في جنوب البلاد، ويركز المشروع على محاصيل تُستخدم في إنتاج الغذاء والأعلاف، وتم تنفيذ خطوات عدة على مستوى الاستصلاح والربط بالطرق، مع استمرار التعامل مع عدد من التحديات المرتبطة بإدارة الموارد المائية والنقل.
مشروع مستقبل مصر
يهدف مشروع “مستقبل مصر” إلى استصلاح مليون فدان في مناطق صحراوية وزراعتها بمحاصيل متنوعة، مثل القمح والخضروات والفواكه. يعتمد المشروع على أنظمة ري حديثة، ويجري تنفيذه من خلال شراكات متعددة.
مشروع شرق العوينات
“شرق العوينات” يُنفذ في جنوب غرب البلاد، ويستهدف زراعة مساحات من الأراضي القاحلة بمحاصيل مثل القمح والذرة. كما يشمل تطوير البنية التحتية وتوفير نظم ري تعتمد على مياه النيل وقنوات مخصصة.
الصادرات الزراعية
بحسب بيانات رسمية، بلغ إجمالي قيمة الصادرات الزراعية نحو 3 مليارات دولار، ووصلت إلى 160 سوقًا دوليًا، بينها 90 سوقًا تم فتحها خلال السنوات الماضية، ومن بين أبرز المحاصيل المصدَّرة الموالح، البطاطس، البصل، الطماطم، العنب، والبطاطا.
كما تم اعتماد 40 معملًا تابعًا لوزارة الزراعة كمراكز فحص وتحليل دولية، وفق معايير متعددة، تشمل الصحة الحيوانية، وتحاليل المبيدات، والفحوصات التشخيصية المختلفة.
الاستصلاح الزراعي والتحديات
أشار عدد من المعنيين بالشأن الزراعي إلى وجود تحديات في مشروعات الاستصلاح، من بينها طول فترة الإجراءات الإدارية، وارتفاع تكلفة تجهيز الأراضي، وتأخر توفير مصادر الطاقة في بعض المناطق. كما تتطلب بعض الأراضي المستصلحة تكاليف إضافية لتهيئتها، بما في ذلك تحسين التربة واستخدام كميات أكبر من الأسمدة.
تجارب الاستثمار و الاستصلاح
وتشير تجارب بعض المستثمرين والمزارعين إلى أن إنتاجية الأراضي الجديدة قد تكون منخفضة في سنواتها الأولى، لأسباب تتعلق بملوحة التربة ونقص العناصر المغذية، مما يستدعي جهودًا مستمرة لتحسين جودة الأرض ورفع كفاءة الإنتاج.
الأمن الغذائي
تُشكل مشروعات الاستصلاح الزراعي جزءًا من توجه أوسع نحو زيادة الإنتاج المحلي وتوسيع الرقعة المزروعة في مصر. وتبقى هذه المشروعات، بما تحمله من إمكانيات وتحديات، عنصرًا مهمًا في معادلة الأمن الغذائي والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية.
الرؤية الاقتصادية
قال الدكتور محمود عبد السلام أستاذ الاقتصاد الزراعي والمستشار السابق بالبنك الدولي أن الدولة المصرية أتخذت خطوات جادة نحو إعادة رسم الخريطة الزراعية، من خلال مشروعات عملاقة تستهدف استصلاح ملايين الأفدنة وتطبيق تقنيات الزراعة الحديثة، وذلك سعيًا وراء تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
مشيرًا إلى أن أبرز هذه المشروعات هو مشروع المليون ونصف فدان، الذي رغم ما واجهه من صعوبات فنية في التربة والمياه، إلا أنه يمثل محاولة طموحة لإعادة توزيع السكان خارج الوادي الضيق وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة.
كما أن مشروع الصوب الزراعية مثّل نقلة نوعية من حيث الكفاءة الإنتاجية وتوفير المياه، لكنه يحتاج إلى إدارة تسويقية ذكية كي لا تتحول الفوائض إلى عبء على السوق المحلي.
أما مشروع الدلتا الجديدة، فهو الأكثر أهمية استراتيجيًا لارتباطه بتوفير الغذاء لملايين المصريين في المستقبل، واستغلال المياه المعالجة بأعلى كفاءة ممكنة.
أكد مستشار البنك الدولي السابق على أن هذه المشروعات الزراعية الكبرى تحمل في طياتها فرصًا ضخمة لمصر لكنها تتطلب حوكمة رشيدة، شفافية في إدارة الموارد، وتكاملًا بين الزراعة والصناعة لضمان الاستدامة والعائد الاقتصادي الحقيقي.
الرأي الحكومي
صرح الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة المصرية في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق” بأن إجمالي عدد الأسواق الخارجية التي تستقبل المنتجات المصرية وصل إلى 160 سوقًا.
وأوضح “القرش” أن الدولة كثفت مجهوداتها مؤخرًا لزيادة عدد الأسواق الخارجية، وتُوجت هذه المجهودات بفتح 90 سوقًا جديدًا خلال السنوات القليلة الماضية.
وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة على رفع كفاءة المعامل التابعة للوزارة، ما مكنها من الحصول على أعلى شهادات الاعتماد الدولي من قبل المنظمات العالمية كمعامل مرجعية، مشيرًا إلى اعتماد 40 معملًا للفحص والتحليل على المستوى الدولي، بما في ذلك معامل الصحة الحيوانية، التشخيص السريع والمبكر للأمراض الحيوانية، التناسليات، الأمصال، اللقاحات، وتحليل متبقيات المبيدات، لأكثر من 750 اختبارًا طبقًا للعديد من المعايير الدولية.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.