أحمد كريمة لـ«نافذة الشرق»: قانون تنظيم الفتوى ضرورة بعد سيل الفتاوى الشاذة.. وأرفض تهميش أساتذة الفقه

16

كتب: عبد الرحمن السيد

في ظل ما تشهده الساحة الدينية من فوضى في إصدار الفتاوى، وتنامي ظاهرة الفتاوى الشاذة، أثير جدل واسع بعد صدور قانون تنظيم الفتوى من مجلس النواب، وهو ما دفعنا للحديث مع الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، حول رؤيته للقانون الجديد، وأثره على ضبط الفتوى، ومواجهة التطرف الديني، وتنظيم الخطاب الديني في مصر.

وأكد “كريمة” في حواره لـ نافذة الشرق، أن قانون تنظيم الفتوى جاء في توقيت حساس بعد انتشار الفتاوى الشاذة والآراء المرجوحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تبناها غير المتخصصين بدافع الشهرة أو تحت تأثير تيارات متطرفة. وأوضح أن هذه الفوضى استوجبت تفعيل المادة السابعة من الدستور التي تنص على أن الأزهر هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن الشؤون الدينية، مشيرًا إلى أن الفتوى يجب أن تُسند لأهل التخصص من علماء الفقه الإسلامي بالأزهر وكلياته المناظرة، وليس للمتطفلين أو غير المؤهلين.

وأشار كريمة إلى أن القانون سيساهم في الحد من التطرف الديني وتنظيم الخطاب الدعوي، شريطة أن يُسند الأمر إلى أهله دون تهميش للعلماء المتخصصين، محذرًا من محاولات بعض التيارات السلفية اختراق الساحة الدينية بفتاوى تحض على العنف والتكفير. وانتقد الاعتماد على بعض الجهات غير المؤهلة في الإفتاء، داعيًا إلى ضبط المرجعيات الشرعية كما هو الحال في الديانات الأخرى، لتوحيد الرؤية الشرعية وحماية المجتمع من الفوضى الفكرية والدينية.

وإلى نص الحوار كاملا:

ما الأسباب التي وراء صدور هذا القانون؟

لوحظ في الآونة الأخيرة صدور فتاوى شاذة تعتمد على آراء مرجوحة، منسوبة لبعض أهل العلم، والهدف منها صناعة “تريند” وشهرة وفقاعة إعلامية كاذبة. يقابل هذا تيار “المتسلفة” على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يرتدون الزي البدوي تدليسًا على العوام بأنه ملبس النبي صلى الله عليه وسلم، ويصدرون فتاوى غاية في النكارة والغرابة. بعض هذه الفتاوى تُحرّض على ازدراء الآخرين، وتغذي العنفين الفكري والسلوكي، حتى أصبحت الفتوى في مهب الريح، وصارت الأمور يُرثى لها.

لذلك، أصبح من الضروري تفعيل المادة السابعة من الدستور، التي تنص على أن الأزهر الشريف هو الجهة الوحيدة المختصة بالشؤون الدينية.

ما رأيك في القانون من حيث الجهات المختصة بالفتوى؟

أرى أن هناك عجلة في إصدار القانون، وكان من الأفضل التريث. كان يجب التنصيص بوضوح على تخصص الفقه الإسلامي وعلومه، وأن يكون مصدر الفتوى من خريجي كليات الشريعة وأصول الدين بجامعة الأزهر، أو كلية دار العلوم، أو أقسام الشريعة في كليات الحقوق.

كيف سيؤثر القانون على دور العلماء والدعاة؟

سيؤثر من الناحية الإيجابية؛ فمن المفترض أن الفتوى تُسند لأهل التخصص، كما قال تعالى:
“وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (النساء: 83).
وقال أيضًا:
“فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” (التوبة: 122).

الصحابة كانوا يتهيبون الفتوى، ويود الواحد منهم أن يتولاها غيره، عكس ما نراه اليوم من متطفلين جعلوا الفتوى وسيلة للثراء الفاحش.

في عهد الصحابة، كان سيدنا علي بن أبي طالب يفتي في القضاء، حتى قال عمر بن الخطاب: “لا يفتي أحد وعلي في المسجد”. وكان عبد الله بن عمر يفتي في الفروع الفقهية، ومعاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، وأبو هريرة في الرواية، وعبد الله بن مسعود في القراءات، وابن عباس في تفسير القرآن.

أما الآن، فقد اختلط الحابل بالنابل، وصار الدين مستباحًا. هناك أجهزة استخبارات عالمية – منذ مشروع تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية – تسعى لتفتيت وحدة المسلمين، ونجح هذا المخطط منذ أيام عبد الله بن سبأ الذي تسبب في انقسام الأمة إلى سنة وشيعة، والآن إلى عشرات الفرق والمذاهب.

ما أبرز التحديات المحتملة؟ وما الآثار المستقبلية للقانون؟

التحديات واضحة، أبرزها الدعم الضخم الذي يحظى به التيار السلفي وانتشاره الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما الآثار المستقبلية، فتكمن في تهميش علماء الفقه الإسلامي الأكفاء في كليات الشريعة بجامعة الأزهر، رغم أنهم الأجدر بالإفتاء، بينما يمنح هذا الحق أحيانًا لأعضاء في مجمع البحوث الإسلامية لا يملكون التخصص الفقهي الدقيق.

القانون أيضًا قد يمنح صلاحية الفتوى لـلجان يوزارة الأوقاف، رغم أن دورها الأساسي هو الدعوة، وليس الإفتاء، وإن كان الإفتاء جزءًا منها. أما دار الإفتاء المصرية، فلا غضاضة في دورها، فهي نشأت تابعة لوزارة العدل، وتوسعت لتغطي الفتاوى العامة، ونسأل الله لها التوفيق والضبط.

كيف سيساهم القانون في الحد من التطرف الديني؟

إلى حد ما. فمن أمِن العقاب أساء الأدب، والسلفيون يثيرون الفتن منذ سنوات، ولا تمر مناسبة إلا ويفجرون الجدل بالصراخ والتكفير والتشريك والتبديع.

انظر إلى أحدهم: مهندس سيارات يرتدي الزي البدوي، ويصدر له على الأقل 20 فتوى!
ويحرمون تهنئة غير المسلمين، ويثيرون الجدل في المناسبات مثل الاحتفال بالهجرة النبوية والإسراء والمعراج، وفي رؤية الهلال يفتعلون الخلاف: هل نتبع مصر أم دولًا أخرى؟
حتى زكاة الفطر، يرفضون إخراجها نقدًا رغم ما أقرته دار الإفتاء. وفي الحج، يخالفون العلماء في رمي الجمرات وقضايا أخرى.

هؤلاء أشبه بمن يشعلون نارًا بجوار الأزهر الشريف، لنشر الفوضى والتناطح.

ما دور القانون في تنظيم الخطاب الديني وتوحيد الرؤية الشرعية؟

إذا خرج القانون متوازنًا، وأُسند الأمر لأهله، وتم إبعاد المتطفلين والمزايدين والمتاجرين بالدين، فسيؤدي إلى توحيد الرؤية الشرعية.

وفي المثل: “تشبهوا بالرجال إن لم تكونوا مثلهم، فإن التشبه بالرجال فلاح”.

في الديانات الأخرى، لا يُفتى إلا من خلال مؤسسة رسمية؛ في اليهودية “الحاخامية”، وفي المسيحية المجمع المقدس والكنيسة، أما في الإسلام فالمشهد عبثي: “سمك لبن تمر هندي”، الكل يفتون: السلف، والإخوان، والشيعة.

هل يُعقل أن تدار أمور الدين بهذا الشكل؟! كل الشرائع لها مرجعية، إلا الإسلام، يريدون تحطيم مرجعيته الممثلة في الأزهر الشريف، لصالح داعميهم من الخارج.

حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا أدري: هل سينالني من “الحب” جانب؟ هل أفتي أم لا؟.. حتى إشعار آخر!

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.