الهجرة النازحة في ليبيا واقع فرضته ظروف النزاع والصراع

22

لماذا أصبح ثلث سكان ليبيا من المهاجرين ؟

كتبت بسنت السيد
كانت ولا زالت ليبيا بوابة العبور التاريخى إلى أوروبا بحكم موقعها الجغرافي فعلى مدار العصور والحقب التاريخية عبر المهاجرين غير الشرعيين من القارة السمراء وبعض دول آسيا الفقيرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط.
تعد ليبيا جسر عبور للمهاجرين الأفارقة بحكم موقعها الجغرافي وقربها من أوروبا، لكن عمليات الهجرة أصبحت الهجرة غير الشرعية تجارة مربحة جدا حتى بالنسبة لبعض الميليشيات التي صارت تتاجر بحياة الكثيرين.
الفرار من الحرب والدكتاتورية
وتغيرت وتيرة الهجرة النازحة من ليبيا إلى دول أوربا ولاسيما بعد سقوط نظام معمر القذافي أخذت هذه الهجرة منحنا آخر من خلال التجارة بأحلام الآلاف من الأشخاص الذين يفرون من الحرب والديكتاتورية في بلدانهم نحو أوروبا عبرقوارب هزيلة و تقليدية تاركين بلادهم بحثا وطن أكثر هدوءا واستقرار.
الموقع الجغرافي
وجغرافيا لا تبعد السواحل الليبية أكثر من 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تشهد كل عام وصول آلاف المهاجرين غير الشرعيين.
وساعدها طول ساحل المتوسط الذى يبلغ ألف و770 كلم،ومن هنا أصبحت ليبيا نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين الذي يحاولون عبور البحر المتوسط في رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا.
وتتشارك ليبيا بحدود برية بطول حوالى خمسة آلاف كيلومتر مع مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس وهذا يجعلها مركزا لضخ الآلاف من عابرى الحدود إلى مناطق التماس مع حدود ليبيا.
ومنذ عهد الراحل معمر القذافي لم يكن الليبيون قادرين على السيطرة على حدودهم البرية التي يعبرها مئات الأشخاص القادمين خصوصا من جنوب الصحراء والحالمين بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
شبكات المهربين.
وبحسب أكبر تدفق للمهاجرين مصدره شمال النيجر حيث تم نقل المهاجرين عبر شبكات من المهربين الذين يأتون بهم إلى منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان أهم مناطق تجمع المهاجرين في جنوب ليبيا.
وفي ظل نظام القذافي، كانت ليبيا تستخدم موضوع الهجرة كوسيلة للضغط على أوروبا، من خلال فتحها أو إغلاقها صمام الخروج وفقا لتقدير حالة العلاقات مع الدول الأوروبية وخصوصا إيطاليا.
5مليارات يورو لوقف الهجرة إلى أوروبا
و طالب القذافي أوروبا بخمسة مليارات يورو سنويا من أجل مراقبة حدودها ومكافحة الهجرة.وبين عامي 2008 و2011، توقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا بعد توقيع معاهدة بين روما وطرابلس، تعهدت بموجبها إيطاليا بتقديم خمسة مليارات دولار إلى ليبيا في مقابل وضع ضوابط أكثر صرامة على موضوع الهجرة.

من المستفيد من هذه التجارة؟
ويرى المحللون في الشأن الليبيى أنه منذ سقوط نظام القذافي ومعه كل مؤسسات الدولة، أصبحت ليبيا مرة أخرى مركزا للمهربين الذين لا يشعرون بتأنيب الضمير في ظل إفلاتهم من العقاب.
محللون يؤكدون ؛ ميلشيات مسلحة تدير عمليات الهجرة
وفي تصريحات إعلامية لوكالة فرانس برس أكد ايساندر العمراني مدير شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية “أنه ليس هناك حكومة فعالة في ليبيا للحد من الإتجار بالبشر، أو حتى لضمان المراقبة الدنيا للحدود”. مضيفا”لقد أصبح من السهل جدا للكثير من المهربين نقل (المهاجرين) في جميع أنحاء ليبيا من دون وجود قوات من الشرطة أو الجيش لوقفها”، مشيرا إلى أن “الميليشيات التي تفرض قوانينها في هذه البلاد تكسب المال جراء هذه الحركة، بما في ذلك الجماعات المتطرفة كأنصار الشريعة”.
ووفقا للعمراني فإن العديد من الجماعات المسلحة تعمل في هذه التجارة وتتلقى أموالا عندما تمر هذه التجارة عبر الأراضي التي يسيطرون عليها.لافتاً إلى أن المهربون ضمن شبكة “تقوم بتسليم المهاجرين من مهرب إلى آخر حتى يجدوا أنفسهم على متن قارب”.
وأفاد العمراني أنه “في بعض الأحيان فإن عمليات نقل المهاجرين التي تجري في الصحراء لا تحصل ويتم التخلي عن المهاجرين” لمصيرهم حيث يتعرض بعضهم إلى الموت عطشا، مشيرا إلى أن “المآسي لا تحدث فقط في عرض البحر”.
وفي نفس السياق، يقول المحلل كريم بيطار مدير مركز ابحاث “آيريس” في باريس لوكالة فرانس برس أنه “في ظل غياب مؤسسات الدولة القوية فإن ليبيا اليوم رهينة بيد الميليشيات والانتهازيين”.
مضيفا أن “المهاجرين يقعون رهينة في حرب الميليشيات ويدفعون ثمنا باهظا في ظل غياب الأمن، أنهم مجرد سلعة في ظل وجود روابط ضعيفة”.
وبعد سقوط نظام القذافي، تولت السلطات الانتقالية الليبية عدة ميليشيات للقيام بعمليات مراقبة الحدود.
وبحسب ما اتفق عليه المحللين، فإن هذه الميليشيات نفسها المدفوعة الأجر والمجهزة من قبل الدولة، منخرطة بهذه التجارة.
ردود أفعال الحكومة الإيطالية
ومن جانبها أصدرت الحكومة الإيطالية بيانات تفيد أنها تدرس إمكانية القيام بـ”تدخلات محددة” ضد المهربين في ليبيا.
وقال مسؤول بالحكومة الإيطالية أن “الهجمات ضد عمليات الابتزاز والموت والعبودية (المهربين) هي جزء من المنطق
ليبيا معبر الحالمين بالوصول إلى أوروبا
يشار إلى أنه بعد سقوط نظام القذافي وانتشار النزاعات في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا، أصبحت ليبيا بلدا لعبور أولئك الفارين من الحروب والحالمين بالوصول إلى أوروبا .
ويقول العمراني “ليس من باب الصدفة أن العديد من هؤلاء المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، يأتون من بلدان تمزقها الصراعات كسوريا وفلسطين وغزة على وجه الخصوص وإريتريا ومالي”.
شدد العمراني في تصريحات لوكالة فرانس برس على أنه يجب على أوروبا معالجة “الأسباب الجذرية للهجرة، وهي ليست فقط الفقر وانعدام الفرص، إنما على نحو متزايد، النزاعات التي تؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين”.
تقارير وأرقام
وفقا لما تشير إليه تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية إلى أن ليبيا فقد احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام الجاري، وقدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من 14 ألفاً و755 مهاجراً غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال النصف الأول من عام 2024.
40%من المهاجرين إلى أوروبا عبر ليبيا
وقال وزير الدولة لشؤون الاتصال في ليبيا، وليد اللافي، خلال مؤتمر صحفي منتصف الشهر الجاري، إن “الأرقام الرسمية وغير الرسمية تشير إلى أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا، أكثر من 40 بالمئة من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط”.
تقرير لمنتدى الهجرة عبر المتوسط
ونظمت ليبيا في 17 يوليو من العام الماضي منتدى دولي لمناقشة ملف الهجرة في المتوسط، بمشاركة قرابة 28 دولة من جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وممثلين عن دول الساحل والصحراء.
2.5مليون مهاجر موجودين في ليبيا
وبحسب تصريحات صحفية وخلال المنتدى، قدّر وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عماد الطرابلسي، أعداد المهاجرين الموجودين في ليبيا حالياً بنحو 2.5 مليون مهاجر، وتوقع ارتفاع العدد إلى 3 ملايين وهو ما يشكل ثلث سكان البلاد تقريباً، مشيراً إلى أن نحو 90 إلى 120 ألف مهاجر يدخلون إلى ليبيا عبر الصحراء شهرياً.
وأوضح الطرابلسي أن بلاده أنفقت قرابة 330 مليون دولار على ملف مكافحة الهجرة خلال العام الماضي، معتبراً أنها خط الدفاع الأول”، إذ أن “أمن أوروبا يبدأ من حدود ليبيا مع دول الساحل والصحراء” على حد تعبيره.
أما رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، فيرى أن بلاده “وجدت نفسها بين ضغط الرفض الأوروبي للمهاجرين شمالاً والرغبة الأفريقية في الهجرة من الجنوب”، وموضحاً أن ما يعزز مشكلة الهجرة هو “الأزمات التي تعانيها بعض البلدان الأفريقية”، بالإضافة إلى المشكلات التي “تؤرق الدول” الأخرى.
وتبقى ليبيا بكيانها الرخو مسرحا تديره ميليشيات مسلحة يهرب منها ويفد إليها الحالمون بالاستقرار والهدوء والعش في دولة مؤسسات لا دولة قبائل متناحرة تتنازعها الأطماع .
.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.