هرمز تحت المقصلة: هل يشعل إغلاق المضيق فتيل أزمة طاقة عالمية؟
حوار:علياء الهوارى
وسط بحرٍ يغلي بالتوترات الجيوسياسية، يقف مضيق هرمز كممرّ ضيق، لكنه يتحكم في شريان الحياة للنفط العالمي. لا يتجاوز عرضه 33 كم، لكنه يحمل على سطحه 20% من صادرات النفط الخام في العالم. ومع تصاعد التهديدات الإيرانية بإغلاقه، تعود إلى الواجهة مخاوف قديمة-جديدة بشأن أمن الطاقة العالمي، واستقرار الأسواق، والتداعيات على الدول المستوردة والمصدرة على حد سواء.
في هذا السياق المُلتهب، نحاور الدكتورة منى يوسف، أستاذ الاقتصاد الدولي والباحثة في الشأن الاستراتيجي، لنفكك معها سيناريوهات ما بعد الإغلاق، ونسألها: هل بات العالم على حافة أزمة كبرى؟ وما هو حجم التهديد الإيراني؟ وماذا عن مصر؟ هل ستكون بمنأى عن العاصفة، أم ستتلقى ارتداداتها سريعًا؟ فى حوار خاص مع استاذ الاقتصاد الدولى والباحثة :منى شفيق سوف نعرف تلك التفاصيل بشكل واضح.
شبح إغلاق مضيق هرمز يُهدد أمن الطاقة العالمي ويجعله في مهب الريح.. ماذا يحدث لو تم إغلاقه بالفعل؟
إغلاق مضيق هرمز لن يكون مجرد خطوة عسكرية أو سياسية، بل سيكون زلزالًا اقتصاديًا عالميًا. هذا المضيق تمرّ منه قرابة 20% من صادرات النفط العالمية، أي ما يعادل أكثر من 17 مليون برميل يوميًا. إغلاقه سيمنع هذه الكمية الهائلة من الوصول إلى الأسواق، مما سيدفع بأسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وربما تتجاوز حاجز الـ150 دولارًا للبرميل في فترة قصيرة.
إلى جانب ذلك، ستشهد أسواق الطاقة حالة من الفوضى، خاصة في آسيا وأوروبا، حيث تعتمد دول مثل الصين، واليابان، والهند، وكوريا الجنوبية بشكل كبير على نفط الخليج الذي يمر عبر هرمز. هذا سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج الصناعي، وزيادة أسعار النقل، وتأثر سلاسل التوريد العالمية.
لماذا المضيق الآن على حافة الخطر؟ وما خلفيات هذا التصعيد؟
المنطقة بأكملها تقف فوق صفيح ساخن منذ بداية الحرب في غزة، وتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتبادل الضربات في عدة مناطق. إيران ترى أن مصالحها أصبحت مهددة، خصوصًا مع استمرار العقوبات الأمريكية ومحاولات عزلها دوليًا.
كما أن الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني في الخليج العربي دائمًا ما يُثير حساسية طهران، والرد على أي تصعيد، من وجهة نظرها، يجب أن يكون رمزيًا واستراتيجيًا في آنٍ واحد. ومضيق هرمز هو الورقة الأكبر التي تملكها إيران للضغط على الغرب وإثبات قوتها.
هل هناك نية حقيقية لدى إيران لغلق المضيق؟ أم أنها مجرد أوراق ضغط سياسي؟
أعتقد أن تهديد إيران بإغلاق المضيق حتى الآن يدخل ضمن إطار الردع والضغط السياسي، لكنه لا يخلو من الجدية. التاريخ يذكرنا بأن مصر سبق أن أغلقت قناة السويس في وجه الملاحة خلال حرب 1967، ولم يكن ذلك مجرد تهديد.
إذا شعرت إيران بأن أمنها مهدد مباشرة، خاصة عبر تدخل عسكري أمريكي صريح أو دعم نوعي لإسرائيل، قد لا تتردد في تنفيذ التهديد. القرار الإيراني مرهون بحجم التصعيد، ومدى استعداد القوى الكبرى للتورط المباشر.
كيف تستعد الدول الكبرى لأي طارئ مثل هذا؟ هل هناك بدائل للمضيق؟
الولايات المتحدة لديها بالفعل أسطول بحري دائم في المنطقة لضمان أمن الملاحة في الخليج، كما أن دول الخليج تمتلك خطوط أنابيب بديلة مثل خط “شرق-غرب” في السعودية الذي ينقل النفط من الخليج إلى البحر الأحمر.
لكن الحقيقة أن هذه البدائل لا تستطيع تعويض كامل الكمية المارة عبر هرمز. ولذلك، نلاحظ أن الدول الكبرى بدأت بالفعل في البحث عن مسارات جديدة لشحن النفط، سواء من خلال الاستثمارات في طرق أنابيب عابرة لليابسة، أو عبر تكثيف التحالفات الأمنية البحرية لحماية الناقلات.
الاتحاد الأوروبي بدوره يتابع الموقف عن كثب، لأنه مستورد رئيسي للطاقة، لكن حتى الآن، الموقف الأوروبي يتسم بالحذر أكثر من الفعل
هل تتأثر مصر اقتصاديًا وسياسيًا في حال إغلاق المضيق؟ وما طبيعة هذا التأثير؟
نعم بالتأكيد. مصر ليست في منأى عن هذا التهديد، حتى وإن لم تكن طرفًا مباشرًا. أولًا، أي ارتفاع في أسعار النفط عالميًا سينعكس على فاتورة الواردات البترولية لمصر، وهو ما يضع ضغطًا مباشرًا على الموازنة العامة، ويرفع تكاليف الإنتاج والخدمات.
ثانيًا، السوق المصرية منفتحة ومتأثرة بالسوق العالمية، وإذا حدث ارتفاع في الأسعار العالمية، سنشهد زيادة في أسعار السلع محليًا، مما يؤدي إلى تفاقم التضخم.
ثالثًا، البورصة المصرية وأسواق المال ستتأثر فورًا بأي تصعيد عسكري، خاصة في حال امتد النزاع وأدى لتراجع الاستثمارات الأجنبية أو تعطل طرق الملاحة العالمية.
والأهم، أن استمرار الأزمة لفترة طويلة سيجعل التأثير مركّبًا ومتصاعدًا، كما حدث خلال أزمة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أثرت تلك الأزمات على الاقتصاد المصري بشكل واضح رغم بعد المسافة.
في الختام.. ما السيناريوهات المتوقعة من وجهة نظرك؟
التهدئة السياسية: وهو الأكثر أمانًا واستقرارًا، حيث تنجح الوساطات الدولية في نزع فتيل الأزمة دون تصعيد.
التصعيد المحدود: أي استخدام إيران لعمليات “تحرش” بحرية دون إغلاق كامل للمضيق، وهذا يسبب اضطرابًا لكنه لا يوقف حركة النفط تمامًا.
الإغلاق الكامل: وهو الأسوأ، ويؤدي إلى شلل في حركة الطاقة العالمية، ويدخل المنطقة والعالم في أزمة عميقة، اقتصاديا وأمنيا.
كل السيناريوهات واردة، ولكن العالم لا يتحمل حرب طاقة جديدة، ولهذا أعتقد أن الجميع سيسعى لإبقاء المضيق مفتوحًا، ولو بشكل رمزي، مع استمرار المفاوضات من الخلف.
بين حسابات السياسة ومخاوف الاقتصاد، يبقى مضيق هرمز نقطة الاشتعال المحتملة القادمة، والرهان عليه لن يكون بلا كلفة. من يملك القدرة على إغلاقه، قد لا يملك القدرة على احتواء العواقب. والأيام المقبلة وحدها ستكشف إن كان التهديد سيبقى في إطار المناورات، أم أن المشهد العالمي يستعد لفصل جديد من “حروب الطاقة”.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.