جرائم إسرائيل في غزة.. هل يكسر الاتحاد الأوروبي صمته أخيرًا؟

5

هدير البحيري
أطلقت شبكة تضم عشرات المنظمات واللجان الأوروبية، التي تدعم الحقوق الفلسطينية وتعمل على تعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني داخل أوروبا، حملة توقيعات واسعة تطالب بقطع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية ووقف تمويل الشركات المتورطة في جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
وبحسب مصادر حقوقية وإعلامية، موّل الاتحاد الأوروبي أكثر من 920 مشروعًا بحثيًا ودفاعيًا إسرائيليًا في إطار برنامجي “أفق أوروبا (Horizon Europe)” و”صندوق الدفاع الأوروبي”، بقيمة تتجاوز 1.1 مليار يورو منذ عام 2021، وسط اتهامات بتجاهل الجرائم الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني منذ انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023.
وأطلقت “اللجنة التنسيقية الأوروبية للجان وجمعيات فلسطين”، بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية، حملة تطالب الاتحاد الأوروبي بوقف تمويل الجامعات والشركات الإسرائيلية المشاركة في تطوير الأسلحة، وذلك في ظل ما ترتكبه إسرائيل من “إبادة جماعية” في غزة.

الدعم المالي للشركات الإسرائيلية

وحصلت وزارة الدفاع الإسرائيلية وشركات مثل “رافائيل” و”إلبيت سيستمز” و”IAI” (الصناعات الجوية الإسرائيلية) على تمويل مباشر من بروكسل ضمن مشاريع بحث وتطوير عسكرية، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “De Tijd” البلجيكية، استنادًا إلى بيانات “Cordis” التابعة للاتحاد الأوروبي.
ويُقدر أن شركة “IAI” شاركت في 8 مشاريع أوروبية، وحصلت على تمويل بقيمة 2.8 مليون يورو.
وفي عام 2023، استحوذت الشركة على شركة “Intracom Defense” اليونانية، والتي حصلت بدورها على 15 مليون يورو من صندوق الدفاع الأوروبي، وشاركت في 15 مشروعًا دفاعيًا، بينها تطوير طائرات بدون طيار (مسيّرات) متقدمة.

اتهام مباشر للاتحاد الأوروبي

وجمعت الحملة حتى الآن آلاف التوقيعات من أكاديميين وناشطين وحقوقيين، من بينهم البروفيسور نورية أوالي من جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا.
وقالت أوالي إن “تحويل أموال الاتحاد الأوروبي إلى الشركات والجامعات الإسرائيلية المتورطة في الإبادة الجماعية يمثل انتهاكًا صريحًا لأهداف الاتحاد، ويجعل بروكسل شريكًا في الجريمة.”
وأضافت، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التركية الرسمية “الأناضول”، أن تقاعس الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء عن حماية الفلسطينيين يعادل التواطؤ، وهو ما يتطلب تحركًا أخلاقيًا وقانونيًا عاجلًا لإنهاء إفلات المسؤولين الإسرائيليين من العقاب.”
كما دعت أوالي إلى تعليق أو إنهاء اتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، استنادًا إلى فتوى محكمة العدل الدولية التي تؤكد عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة وقف التعاون مع المؤسسات التي تساهم في الجرائم ضد الإنسانية.

شهادة أوروبية

وكانت النائبة السابقة في البرلمان الأوروبي، إيدويا فيلانويفا رويز قالت، في بيان أصدرته عام 2023 أن “الاتحاد الأوروبي لا يكتفي بتمويل البحث والتطوير للأسلحة الإسرائيلية، بل يشتريها لاحقًا بعد اختبارها على الفلسطينيين في غزة”.
وأشارت إلى أن شركات مثل “إلبيت سيستمز” تنتج طائرات بدون طيار وقنابل فوسفورية وعنقودية، بينما تواصل مؤسسات بحثية إسرائيلية تطوير التكنولوجيا العسكرية بدعم أوروبي.
في المقابل، نفت المفوضية الأوروبية تمويل أي مشاريع تنتهك القانون الدولي، مؤكدة أنها “لا تموّل تطوير منتجات أو تقنيات محظورة”. إلا أن العديد من المراقبين والأكاديميين طالبوا بـتحقيق مستقل ومراجعة شاملة لجميع برامج التمويل الأوروبي لإسرائيل.

ضغط أوروبي على إسرائيل

وبالتزامن مع هذه الحملة، توصل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي يمهد الطريق لتعديل آلية تعليق إعفاء التأشيرات عن الدول المتهمة بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي، بما يشمل القانون الإنساني وحقوق الإنسان.
ووفقًا للتعديلات الجديدة، التي أكدها المتحدث باسم البرلمان الأوروبي جان اوجامو، فإن إسرائيل من بين الدول التي قد تشملها الإجراءات مستقبلاً.
وتشمل هذه التعديلات فرض تأشيرات على مسؤولين إسرائيليين أو حاملي جوازات سفر دبلوماسية، إذا ثبت تورطهم في جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة.

اتفاقية التجارة بين أوروبا وإسرائيل

بالتوازي مع ذلك، يستعد الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرار بشأن مراجعة اتفاقية الشراكة التجارية الموقعة مع إسرائيل، والتي تمنحها امتيازات اقتصادية مشروطة باحترام حقوق الإنسان.
وفي مايو، دعمت 17 دولة أوروبية مبادرة هولندية – إيرلندية لمراجعة مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، على أن تُعرض نتائج المراجعة خلال اجتماع وزراء الخارجية في 23 يونيو الجاري.
وقد تشمل الإجراءات المقترحة تعليق امتيازات تجارية، أو تقييد مشاركة إسرائيل في برامج مثل “هورايزون أوروبا”، وسط معارضة من بعض الدول مثل المجر، لكن مراقبين يرون أن الاتحاد الأوروبي بات أمام اختبار حقيقي لمصداقيته كمدافع عن القانون الدولي.

“أوروبا تتجمل”

ولا يعول خبير الشؤون الإسرائيلية محمد البحيري كثيراً على هذه الإجراءات الأوروبية، من حيث الفعالية أو قدرتها على التأثير في السلوك الإسرائيلي العدواني.
ويقول البحيري في حديث مع “نافذة الشرق”: “لا تزال أوروبا واقعة تحت نفوذ جماعات الضغط اليهودي المؤيدة لإسرائيل، بما يمنعها من حرية الحركة تجاه أي ملفات تتعلق بالدولة العبرية”.
ويضيف البحيري: “ولا تتوقف جماعات الضغط اليهودية والإسرائيلية عن استخدام سلاح الابتزاز تجاه أي صوت أوروبي يفكر بانتقاد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي يرأسها بنيامين نتنياهو، فكل ناقد يصبح على الفور متهماُ بمعاداة السامية وكراهية اليهود والسلوك النازي”.
ويرى خبير الشؤون الإسرائيلية أن كل ما يجري تداوله بشأن موقف أوروبي تجاه إسرائيل، هو مجرد تحركات استعراضية تستهدف “الحفاظ على ماء وجه أوروبا” أمام العالم وأمام شعوبها.
ويقول: “لا وجه للمقارنة بين غضب الشعوب الأوروبية من جرائم إسرائيل وتحركات قادة أوروبا، فالشارع الأوروبي يغلي، لكن أغلب ساسة أوروبا يرتبطون بمصالح مع الشركات العاملة في المجال الدفاعي، بما يعنيه ذلك من مليارات الدولارات، أو يخشون إفساد العلاقات مع الولايات المتحدة جراء موقف قد يتخذونه ضد حليفتها الأولى إسرائيل”.
ويضيف: “لذلك تشعر بأن ساسة أوروبا وقادتها لا يعيشون على نفس الكرة الأرضية التي نعيش عليها، ولا يشاهدون ما يشاهده العالم من بث مباشر للمذابح وجرائم الحرب وأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ليس في غزة وحدها، بل في الضفة الغربية أيضاً، بل وخارج فلسطين أيضاً، سواء في سوريا أو لبنان، فتجدهم يتحدثون بلغة الاحتمالية عند الحديث عن أي قرار ضد إسرائيل، مثل القول (في حالة ثبوت)، أي أنهم رغم كل ما شاهدوه لا يزالون في حاجة إلى أدلة وإثباتات!”.

استقلال القرار الأوروبي

ويلفت محمد البحيري النظر إلى جانب آخر في الإشكالية الأوروبية، وهي فقدان القرار الأوروبي “المستقل”، وما يعتبره “إذعاناً مخزياً” من جانب أوروبا للولايات المتحدة.
ويقول: “يمكن فهم الموقف الأوروبي الرسمي المتراخي تجاه الجرائم الإسرائيلية في ضوء دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى استقلال القرار الأوروبي، والتوقف عن التعبية الأوروبية للولايات المتحدة، والسعي إلى استقلال أوروبا عن واشنطن في كافة المجالات، وهو ما يوضح كيف أن ساسة أوروبا لا يجرؤون على مخالفة الجالس في البيت الأبيض”.
وحذر البحيري من أن “كل دولة لم تتخذ موقفاً أخلاقياً مما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين سوف يرتد إليها في الداخل، إذ سقطت الأقنعة عن الوجوه التي كانت تتدعي حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير والتسامح وقبول الآخر، وما إلى ذلك مما ثبت أنه كان مجرد (حصان طروادة)، أي وسيلة يستخدمها الغرب لاختراق المجتمعات وزعزعتها، سعياً إلى نهب مقدراتها أو التخلص من منافستها في مجال ما”.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.