في مواجهة الصمت الدولي.. مصر ترفع صوت فلسطين في مجلس الأمن
كتبت: هدير البحيري
نددت مصر، في خطاب شديد اللهجة، باستخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) لعرقلة قرارات وقف الحرب في قطاع غزة، معتبرة أنه “ضوء أخضر لمواصلة العدوان الإسرائيلي”، ومطالبة بتحرك فوري لوقف الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين.
جاء ذلك في كلمة ألقاها السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، أمام الجمعية العامة، حيث دعا إلى “وقف شامل وفوري للحرب” في غزة، واصفًا ما يجري هناك بأنه “كارثة إنسانية غير مسبوقة تمثل عارًا أخلاقيًا وسياسيًا على المجتمع الدولي”.
الكلمة المصرية جاءت في ظل تصاعد الانتقادات لعجز مجلس الأمن عن اتخاذ موقف حازم تجاه العدوان الإسرائيلي، وسط تكرار استخدام واشنطن للفيتو لحماية تل أبيب من الإدانة أو المساءلة.
وقال عبد الخالق إن الانتهاكات الإسرائيلية تُرتكب أمام مرأى ومسمع العالم، وسط إخفاق وتقاعس واضح في وقفها، مؤكدًا أن “هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الإنساني، ولا يجوز السكوت عنها تحت أي ذريعة أو مبرر سياسي”.
تضمّن الخطاب المصري في مجلس الأمن مجموعة من الرسائل الحاسمة، تمثّلت في دعوة صريحة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وضمان الحماية الكاملة للمدنيين الفلسطينيين، ورفع الحصار المفروض على القطاع دون تأخير.
كما شددت القاهرة على ضرورة محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، مؤكدة في الوقت ذاته دعمها الكامل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة باعتبارها خطوة أساسية لتحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة.
كما دعا إلى إصلاح شامل لمجلس الأمن لوقف الاستخدام السياسي للفيتو، مؤكدًا أن “حق النقض لا يسمو على القانون الدولي ولا على الطبيعة البشرية التي ترفض قتل الأطفال”.
وجّه السفير عبد الخالق نداءً مباشرًا إلى الدول الأعضاء قائلًا:
“التصويت لصالح أي مشروع قرار قادم لإنقاذ المدنيين واجب قانوني وضرورة أخلاقية”.
وأضاف أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية مباشرة في وقف الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين، مؤكدًا استمرار التنسيق المصري مع شركاء دوليين مثل قطر والولايات المتحدة، في محاولة للتوصل إلى تهدئة ورفع الحصار عن القطاع.
وحول التوتر بين إسرائيل وإيران، شدد عبد الخالق على رفض مصر القاطع لأي خرق لسيادة الدول، داعيًا إلى ضبط النفس وتغليب الحلول السياسية والدبلوماسية.
كما كرر المندوب المصري موقف بلاده الداعي إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مطالبًا جميع دول المنطقة بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار دون انتقائية أو استثناءات.
وقال الدكتور هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب، إن كلمة مصر الأخيرة أمام مجلس الأمن تمثل “نقلة نوعية” في الخطاب الدبلوماسي الدولي، معتبرًا أنها كسرت حالة الجمود التي أصابت المنظمة الأممية نتيجة الاستخدام المفرط لحق النقض (الفيتو)، لا سيما من جانب الولايات المتحدة والدول الكبرى.
وأوضح الجمل، في تصريح خاص لـنافذة الشرق، أن الفيتو الأمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة كان له الأثر “الأشد والأكثر فداحة” نظرًا لما خلفته الحرب من عدد كبير من القتلى والجرحى والمفقودين، مشددًا على أن هذا الموقف قوّض مصداقية المنظمة الدولية، وكرّس لمعادلة “ازدواجية المعايير” التي تتجاهل المبادئ الإنسانية التي قامت عليها اتفاقيات جنيف عقب الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن التحرك المصري يأتي استجابة لحالة الاستياء الإقليمي والدولي من استغلال الفيتو لتعطيل القرارات الإنسانية، مؤكدًا أن مصر تتمتع بثقل سياسي ودبلوماسي في المنطقة العربية والإسلامية والأفريقية، وهو ما يجعلها مؤهلة لقيادة جهود إصلاح المنظومة الأممية، خاصة أنها سبق أن طرحت هذا الملف عندما تولت رئاسة الاتحاد الأفريقي.
وأشار الجمل إلى أن رؤية مصر تقوم على مسارين: إما توسيع مجلس الأمن وإضافة مقاعد دائمة للقارة السمراء ومنطقة الشرق الأوسط، أو إعادة النظر جذريًا في آلية الفيتو التي تمنح دولة واحدة حق تعطيل إرادة المجتمع الدولي.
ولفت إلى أن خطاب مصر في مجلس الأمن دق “ناقوس الخطر” بشأن مستقبل المنظمة الدولية، وقد يدفع بعض الدول الأوروبية والآسيوية، مثل ألمانيا واليابان، إلى إعادة تقييم موقفها، خاصة وأنها لا تحظى بعضوية دائمة رغم ثقلها السياسي والاقتصادي.
وأوضح الجمل أن مصر تمتلك مدرسة دبلوماسية عريقة، مشيرًا إلى ما وثقه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب حول دور الدبلوماسي المصري عصمت عبد المجيد في تعليمه قواعد العمل الأممي، وهو ما يؤكد، بحسب الجمل، أن القاهرة تمتلك الكوادر والخبرة اللازمة لقيادة تحول دولي في أساليب إدارة النظام العالمي.
وتابع: “التحرك المصري يجب أن يحظى بدعم من دول كبرى خارج مجلس الأمن، ومن منظمات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، ورابطة آسيان، وتكتل بريكس، من أجل كسر احتكار القرار الدولي”.
وشدد الجمل على أن استخدام الولايات المتحدة المتكرر للفيتو لصالح إسرائيل—خاصة لمنع قرارات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لغزة—يعكس انحيازًا واضحًا ويتناقض مع دور واشنطن المعلن كوسيط للسلام.
وأضاف: “مصر لا تزال تلعب دورًا محوريًا في الوساطة بين حماس وإسرائيل، إلى جانب قطر، رغم أن الموقف الأمريكي غالبًا ما ينسجم مع التعنت الإسرائيلي، وهو ما برز بشكل واضح في عهدي ترامب وبايدن”.
وأكد الجمل أن مستقبل التسوية في غزة يرتبط أيضًا بتطورات الصراع الإيراني–الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن تهدئة هذا المسار قد تتيح العودة إلى ملف التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهنا سيكون لمصر دور محوري في رعاية أي تفاهمات، إلى جانب قطر وربما السعودية وتركيا أيضًا.
وختم الجمل بالقول إن ما قامت به مصر هو “حجر ألقي في المياه الراكدة”، وقد لا يؤدي إلى تغيير فوري في آليات الفيتو، لكنه يفتح بابًا لتحالفات دولية جديدة تدفع نحو إصلاح المنظمة الدولية، وتعزز من قدرة الدول المتضررة على فرض معايير أكثر عدالة في النظام الدولي.

د.هانى الجمل
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.