في قلب النار الإقليمية.. حوار أستاذة العلوم السياسية وئام عثمان مع “نافذة الشرق” حول الرومانسية السياسية في إيران وتوازنات ما بعد الحرب

33

حوار : إسلام ماجد

بين تصاعد التهديدات العسكرية والتجاذبات الإقليمية والدولية، تزداد سخونة المشهد في الشرق الأوسط، خاصة مع اشتداد المواجهة بين إيران وإسرائيل واحتمال انزلاق المنطقة إلى صراع مفتوح قد يمتد إلى أبعد من حدودهما الجغرافية.
في هذا السياق، أجرت “نافذة الشرق” حوارًا خاصًا مع أستاذ العلوم السياسية الدكتورة وئام عثمان، الذي فتحت ملفات بالغة الأهمية، بدءًا من الدور الخفي للولايات المتحدة، ومرورًا باستراتيجيات إيران العسكرية، ووصولًا إلى ما وصفه بـ”عودة الرومانسية السياسية” إلى طهران، عبر ظهور محتمل لرضا بهلوي في المشهد من جديد.

فيما يلي نص الحوار:

في ظل احتمالات تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، هل تتوقع تدخل أطراف إقليمية أو دولية لمنع اندلاع حرب مباشرة؟

في ظل إمكانية دخول الولايات المتحدة الأمريكية للحرب بصورة مباشرة، ولكن تظل الدولة الإيرانية هناك من يساعدونها، سواء بالعلن أو بالخفاء.
الرئيس الروسي بوتين أراد أن يتدخل، وكان رده قويًا من الجانب الآخر دونالد ترامب.
هناك أطراف عديدة تحاول على أرض الواقع الوصول إلى اتفاق نحو إيقاف إطلاق النار بين الجانبين.
وبالنسبة للدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، فبخلاف تلك الدول، وبصورة علنية، لأهميتها في الإقليم، تأتي الدولة المصرية كدولة رائدة في إحلال السلام في المنطقة.

مصر تسعى إلى إحلال السلام وإيقاف تلك الضربات، من أجل أن يحل السلام، وإن كان الوصول إلى عدم اتساع رقعة الصراع، من خلال التفاوض في جميع الجوانب، وحشد دول العالم نحو إحلال السلام في المنطقة.

لأن منطقة الشرق الأوسط، عندما تصطدم باتساع رقعة الصراع أو بالحروب، فإن الأمر ينعكس على جميع دول العالم، من تداعيات أمنية أو حتى اقتصادية.
وكل الخوف من أن يُغلق مضيق هرمز، فهذا يؤدي إلى شلل في الملاحة التجارية العالمية، وبالتالي سينعكس بصورة سلبية على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالفعل من الضعف في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

س: هل تعتقد أن مساعي السلام الجارية يمكن أن تؤتي ثمارها؟

لا شك أن هناك مساعي كثيرة للسلام، ولكن مقابل هذه المساعي الجليلة من دول عديدة، فإن الرئيس الفرنسي ماكرون عرض أشياء كثيرة نحو إتمام السلام.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية عرضت الرجوع مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، وإن كانت تلك الدعوة تفتقر إلى الثقة وتحمل كثيرًا من الهواجس وعدم الأمان، خاصة بالنسبة لإيران.
ولكن الكل يتكلم عن السلام الآن، مقابل أن تنتهي الحرب.
لكن في المقابل، توجد أطراف عديدة، سواء في العلن أو في الخفاء، من مصلحتها أن تستمر تلك الحرب، من أجل تحقيق أهداف كثيرة.
منها السيطرة على قيم وثروات الشرق الأوسط، والتنافس بين القوى العظمى على أرض الواقع، سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين.
وقد قلنا مرات عديدة إن من أسباب اندلاع الصراع هو سعي الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الحروب بالوكالة، لوقف زحف أو صعود الدولة الصينية في تلك المنطقة، وعرقلة أيضًا طريق الحرير وإنجازاته الاقتصادية القادمة.
هذا في وقت تضعف فيه الدولة الأمريكية اقتصاديًا، وفي أمور كثيرة تجعل من حذر القوى العظمى ينحدر بالنسبة لها، فتصبح قوة قُبْلى فقط، وليست عظمى.
كما أن هناك أيضًا أسبابًا تتعلق بالسيطرة على النظام الدولي العالمي، وغيرها من الأهداف.
وأيضًا الصين لن تسمح بأن تعود الولايات المتحدة الأمريكية لتشكل خطرًا عليها.
كل هذه الأمور وأكثر، وأيضًا السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال إضعاف الوطن العربي، وتحقيق مخططات الشرق الأوسط الجديد، وأهدافهم المرتبطة بإقامة الدولة الدينية الصهيونية.
كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى وجود صراع بين دعاة الحرب واستمراريتها لأجل مصالحهم الخاصة، ودعاة الاستقرار والسلام من أجل مستقبل المنطقة.

في ظل امتلاك إيران لورقة مضيق هرمز، هل يمكنها غلقه فعليًا؟ وما التداعيات المحتملة؟

نحن لا ننحاز إلى طرف ضد آخر، وإن كنا ننحاز نحو السلام، وندين ما تمارسه إسرائيل من ممارسات غير إنسانية، خاصة في قطاع غزة.
لكن الجميع يستضعف الدولة الإيرانية، وقد استضعفتها إسرائيل في أولى خطوات الحرب، إلا أن إيران عادت مرة أخرى ونظّمت نفسها، وامتلكت استراتيجيات للحرب، وأصبحت الآن تناور من خلال استخدام الصواريخ بكل أنواعها.
بدأت بإطلاق الصواريخ القديمة لإضعاف القبة الحديدية لنظام الدفاع الإسرائيلي، ثم انتقلت لاستخدام الصواريخ الأكبر، حتى وصلت إلى تلك التي يصعب على القبة الحديدية التعامل معها.
وبالتالي، هناك هزة عنيفة واستشعار بالانزعاج والتعجب من الجانب الإسرائيلي تجاه القوة الإيرانية.
إيران تمتلك الآن القدرة على إغلاق مضيق هرمز، وتعرف جيدًا متى تستخدم هذه الورقة كورقة ضغط ليس فقط على إسرائيل، ولكن على دول العالم، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
هي تستخدم هذه الورقة من أجل الضغط لإيقاف الحرب، واستراتيجياتها محسوبة بدقة، وتدرك ردود أفعال أمريكا وإسرائيل مسبقًا، عندما تلجأ إلى مثل هذه الخطوة.
ومن المؤكد أنها تمتلك السيناريوهات والبدائل اللازمة للتعامل مع كل رد فعل محتمل.

هل الجماعات المسلحة كحزب الله وحماس لديها خطط بديلة كما فعلت إيران؟

الفاعلون من غير الدول، مثل حزب الله وحماس والحوثيين، رغم أنهم يوجهون ضرباتهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن المفاجأة أن من صنع هؤلاء في الأصل هي الولايات المتحدة الأمريكية، لاستخدامهم كأدوات لإضعاف الدول التي تحتضنهم، مثل لبنان وسوريا وفلسطين.
فتم دعم حماس، مثلًا، لتكون في مواجهة مع حركة فتح، وتشارك في الحكم الفلسطيني، مما يؤدي إلى إضعاف الوضع الفلسطيني الداخلي.
وعندما تظهر الحقائق الكاملة لأحداث 7 أكتوبر 2023، سنكتشف أن حماس قد تم تمويلها بطريقة غير مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، بغرض تفجير الأوضاع، وخلق ذريعة لتدخلات عسكرية، وتنفيذ مخططات الشرق الأوسط الجديد، وإقامة الدولة الدينية الصهيونية.
هناك كثير من التصريحات الصادرة عن مؤرخين وأكاديميين كبار، تقول إن هؤلاء الفاعلين هم صنيعة أمريكية، وأن الهدف في النهاية هو تفتيت الدول العربية، ضمن مخططات بيرنارد لويس لإعادة تقسيم المنطقة بعد اتفاقية سايكس بيكو.

هل يمكن أن تتكرر تجربة العراق مع إيران؟ وهل تتدخل أمريكا عسكريًا بشكل مباشر؟

الإجابة بكلمة واحدة: لا.
ترامب رفض تمامًا ما فعله الرئيس بوش الابن بدخول العراق.
الولايات المتحدة لن تغامر بالدخول في حرب مباشرة مع إيران، ودعم إسرائيل عسكريًا بشكل مباشر، لأن الشعب الأمريكي يرفض خوض حرب جديدة شبيهة بفيتنام أو العراق.
لقد خسروا الكثير في تلك الحروب، وأثبتت التجارب فشل السياسات الأمريكية في المنطقة.
لذلك، فإن أمريكا ستستمر في دعم إسرائيل، ولكن بصورة غير مباشرة، من خلال إمدادها بالسلاح والدعم اللوجستي، لكنها لن تدخل الحرب مباشرة.
لأن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، خاصة أن أمريكا تأخذ في حسبانها قدرات الصين العسكرية، وكذلك باكستان، وما يمكن أن يصدر من كوريا الشمالية إذا دخلت الحرب.
أما روسيا، فأظن أنها لن تتدخل بشكل عسكري مباشر، وستكتفي فقط بالدعم السياسي والمعنوي، عبر التصريحات والمواقف الدبلوماسية، خاصة أن روسيا منهكة بالفعل في الحرب الأوكرانية، وتم تحجيمها بصورة كبيرة.

ما رأيك في عودة رضا بهلوي إلى الساحة السياسية؟ وهل يمكن أن نشهد ثورة شعبية جديدة في إيران؟

عودة رضا بهلوي إلى الساحة تُوصف بما أسميه “عودة الرومانسية السياسية في إيران”.
إيران تتجه نحو مرحلة جديدة، مرحلة ما بعد الحرب، ويُحتمل أن نرى إيران جديدة، تحاول تحقيق نوع من التوازن بين الأيديولوجيا الدينية ومتطلبات الدولة الحديثة.
ربما لا تتحول إلى دولة علمانية تمامًا مثل تركيا، لكنها قد تصبح دولة براجماتية، تُركّز على المصالح الاستراتيجية لا على الأيديولوجيا فقط.
نقل صلاحيات المرشد الأعلى إلى الحرس الثوري هو مؤشر واضح على هذا التحول.
نحن الآن نرى أن من يحرك إيران لم يعد فقط البُعد الديني أو الشيعي، بل القوة العسكرية، والتحالفات الدولية، والدبلوماسية، ومشروعات القوة الشاملة.
إيران الجديدة ربما تُعيد بعض مظاهر الرأس المالية بشكل منظم، وفقًا لنموذج يشبه النموذج الصيني، لا من حيث الأيديولوجيا بل من حيث البراغماتية التي تخدم المصلحة الوطنية.
عودة رضا بهلوي، بهذا المعنى، هي رمز للرومانسية السياسية الإيرانية، وربما تُصبح جزءًا من مرحلة إعادة تشكّل الدولة الإيرانية في المستقبل.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.