العالم على حافة الهاوية: واشنطن تقصف منشآت إيران النووية… هل بدأت لعبة النار؟
كتبت : ضحى ناصر
في خطوة أربكت الحسابات الإقليمية والدولية، شنّت الولايات المتحدة الأمريكية فجر الأحد سلسلة ضربات جوية مركّزة استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية بالغة الحساسية: أصفهان، نطنز، وفوردو. مواقع طالما اعتُبرت “خطًا أحمر” في الخطاب الإيراني، مما جعل كثيرًا من الخبراء يعتبرون المساس بها مؤشرًا على انزلاق محتمل نحو حرب كبرى قد تتخطى حدود الشرق الأوسط.
فهل هي رسالة ردع محدودة؟ أم بداية لفصل جديد في صراع لا يعرف التهدئة؟
كيف ترى طهران هذه الضربات؟ إعلان حرب؟ أم مجرد صفعة استخباراتية بملابس عسكرية؟
ويجيب عن هذا التساؤل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق المتخصص في الشأن الإيراني علاء السعيد موضحاً أن القيادة الإيرانية لا ترى الأمور بالأبيض والأسود هي تتعامل مع الضربات كإهانة إستراتيجية لكن دون التورّط في إعلان حرب شامل
فالحرب الكاملة تتطلب استنفارًا شعبيًا لا تمتلكه واستعدادًا اقتصاديًا لا تقدر عليه وغطاءًا دوليًا فُقد من زمن طويل.
وأضاف لذا الرد الإيراني لن يكون صاروخًا يُنهي الصراع بل سلسلة رسائل دموية طويلة الأجل تُكتب من بغداد، تُرسل من صعدة وتُعنوَن في بيروت
لماذ تم إستهداف منشأة فوردو
و أشار إلى أن إستهداف فوردو ليس ضربة عسكرية فقط، بل ضربة رمزية في خاصرة الكبرياء النووي الإيراني هذه المنشأة لم تكن مصنع تخصيب فقط بل كانت نقطة الصمود تحت الأرض التي تفاخر بها النظام أمام الداخل والخارج
وتابع ضرب فوردو يعني ببساطة أن لا مكان آمن ولا قبة نووية مقدسة، وبالتالي فقد تغيّرت قواعد الاشتباك وإن لم تُكتب بعد بشكل رسمي
هل تردّ إيران بنفسها، أم توزّع المهام على وكلائها؟
أكد السعيد أنها ستعتمد على الاثنين لكن البداية ستكون بالوكلاء كما العادة لأن الوكيل أرخص وأسرع ويُبقي الرأس بعيدًا عن المقصلة، ومع ذلك، ستحرص طهران على ردٍّ مباشر رمزي، مدروس قد لا يكون في تل أبيب بل في مياه الخليج، أو في قاعدة أميركية نائية ردٌّ يقول نحن هنا دون أن يقول نحن بدأنا الحرب .
أما الداخل الإيراني فهو الورقة التي لا يريد أحد الحديث عنها نظام يعاني اقتصادًا ويُواجه شعبًا متململًا ويُقاتل بذاكرة الثورة لا بوقود الواقع.
لكن في إيران دائمًا كل أزمة تتحوّل إلى وسيلة تعبئة داخلية سيُقال للشعب ها هم يضربوننا لأننا نمتلك العلم، لا لأننا نخنق الناس في الداخل.
وسيتحوّل الهجوم إلى موسم دعائي جديد
من دعم العلماء، نصرة السيادة وتحوّل العجز إلى بطولة.
هل سيتحرّك حلفاء إيران؟ موسكو؟ بكين؟
أضاف السعيد في ظاهر الأمر لا لأن روسيا مشغولة بأوكرانيا، والصين تحسبها بالمصالح لا بالمبادئ.
لكن إن توسّعت الضربات أو تم المسّ بمواقع فيها خبراء روس أو مصالح صينية عندها قد لا يتحركون دعمًا لإيران بل دفاعًا عن معادلة الردع العالمية التي لا تريد لأحد أن يتفرّد بالقرارات دونهم.
بكلمات أوضح طهران لن تُترك وحيدة لكنّها لن تُحمى أيضًا.
لذلك فإن إيران الآن في مفترق طرق
إما رد محدود يبقي ماء الوجه
أو انزلاق أكبر يُهدد الداخل والخارج
وكل ذلك دون أن يضمن أحد أن الضربة القادمة لن تكون على باب بيت المرشد لا على باب المنشأة.
كيف تقرأ قرار الإدارة الأمريكية بشن ضربات على منشآت إيرانية مثل “فوردو”؟ هل هو تحول استراتيجي أم مجرد رسالة ردع؟
يوضح المحلل السياسي والعصو بالحزب الجمهوري مالك فرنسيس في تصريحات خاصة لنافذة الشرق الضربات الأمريكية الأخيرة على منشآت إيرانية تُعد ضربات حساسة وعلى رأسها منشأة “فوردو” النووية شديدة التحصين – رسالة ردع قوية موجهة لطهران، أكثر منها تحوّلًا جذريًا في الاستراتيجية الأمريكية.
ان الهدف الأساسي من هذه الضربات يتمثل في منع إيران من تجاوز “الخطوط الحمراء” غير المعلنة بشأن التخصيب النووي أو الاقتراب من العتبة النووية.
وفي ظل تصاعد التوتر الإقليمي بين إيران وإسرائيل، تسعى واشنطن إلى كبح الطموحات النووية الإيرانية دون التورط في صراع شامل.
بناءً على ذلك، يمكن فهم هذه الضربات ضمن إطار استراتيجية “الردع النشط”، وهي سياسة تهدف إلى فرض كلفة على إيران دون التصعيد إلى مواجهة مفتوحة. ومع أن الضربة تشكّل تصعيدًا نسبيًا، إلا أنها لا ترقى بعد إلى مستوى التغيير الكامل في نهج واشنطن تجاه طهران، وإن كانت قد تمهد لذلك.
إلى أي مدى تعكس هذه الضربات توافقًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أم أنها نابعة من ضغوط داخل الحزب الجمهوري؟
و أشار إلى أن هذه الضربات تظهر توافقًا نسبيًا داخل مؤسسات الحكم الأمريكية:
ان الحزبان الجمهوري والديمقراطي يتفقان من حيث المبدأ على رفض تحول إيران إلى دولة نووية، مع تباين في الوسائل والأدوات.واللوبي المؤيد لإسرائيل (مثل AIPAC) يمارس ضغطًا دائمًا على دوائر القرار لتشديد الموقف الأمريكي تجاه إيران، وهو مؤثر في كلا الحزبين.اما في المقابل، يمارس الجمهوريون ضغوطًا إضافية على إدارة ترامب لإظهار حزم أكبر، لا سيما بعد عودته إلى الحكم وضمن مسعاه لتثبيت صورة الرئيس القوي في السياسة الخارجية.
بناءً عليه، يمكن القول إن الضربات الأمريكية تعكس توازنًا بين اعتبارات الأمن القومي، وضغوط المؤسسة السياسية، وحسابات انتخابية داخلية.
هل ترى أن دخول واشنطن بشكل مباشر في الصراع الإيراني-الإسرائيلي يمكن أن يعزز فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة؟
كما أكد فرانسيس على أن هذا الصراع فرصة للرئيس ترامب لتعزيز صورته كـ”رئيس حازم” في مواجهة التهديدات الخارجية.
وتابع ومن المعروف أن الحزب الجمهوري تاريخيًا يستفيد من تصاعد القضايا الأمنية، خاصة عندما يتعلق الأمر بإيران. لكن يبقى التحدي في إدارة التصعيد دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة قد تنعكس سلبًا على الداخل الأمريكي والدولي وعلى أسواق الطاقة.
هل تعتقد أن واشنطن ستتجه نحو “حرب شاملة” أم أنها تفضل نموذج الضربات المحدودة لاحتواء الموقف؟
لافتاً إل أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، لا تزال تفضل النموذج العسكري القائم على الضربات المحدودة والعمليات النوعية، مع تجنّب الانزلاق إلى حرب مفتوحة، للأسباب التالية:
• تعب الرأي العام الأمريكي من الحروب الطويلة والمكلفة.
• تركز الأولويات الاستراتيجية الأمريكية حاليًا على المنافسة مع الصين وروسيا، وليس الشرق الأوسط.
• الخشية من انفجار أسعار النفط وتزعزع الاستقرار في الخليج، وهو ما قد يلحق ضررًا اقتصاديًا كبيرًا في عام انتخابي.
بالتالي، فإن ادارة توجه ضرباتها بعناية، مستندة إلى سياسة “الاحتواء النشط”، وليس إلى نهج “الإسقاط الكامل للنظام الإيراني”.
في الوقت ذاته، يبقى الخليج في دائرة القلق والاهتمام، بين الارتياح من عودة الدعم الأمريكي، والمخاوف من تحوّل أراضيه إلى ساحة لتبادل الرسائل النارية منوهاً إلى أن واشنطن، بدورها، تبدو حريصة على طمأنة الحلفاء الخليجيين بأنها ملتزمة بحمايتهم، دون الانجرار إلى مواجهة شاملة قد تفقد فيها السيطرة على مجريات الصراع.
ردة الفعل الإيرانية: مزيج من الحتمية والحسابات الباردة
- إلزامية الرد
كما شدد على أنه من منظور داخلي، تجد القيادة الإيرانية نفسها ملزمة بالرد على استهداف منشآت حساسة مثل “فوردو”، حفاظًا على هيبتها ومصداقيتها أمام قواعدها السياسية والأيديولوجية. فـ”فوردو” يمثل رمزًا وطنيًا واستراتيجيًا في البرنامج النووي الإيراني، وأي صمت قد يُفسّر على أنه تراجع أو ضعف.
- الرد غير المباشر: استراتيجية مجربة
و أشار إلى أنه على الرغم ذلك، يُتوقع أن يكون الرد الإيراني محسوبًا وغير مباشر، تجنبًا للمواجهة الشاملة. وتشمل خيارات الرد:
• استخدام الوكلاء: عبر ميليشيات موالية لإيران في العراق (كتائب حزب الله، النجباء) أو في سوريا.
• عمليات بحرية محدودة: استهداف ناقلات أو سفن أمريكية أو خليجية في مضيق هرمز أو باب المندب.
• هجمات سيبرانية: على منشآت أمريكية أو إسرائيلية.
• تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة دون استهداف مباشر لأراضي الولايات المتحدة.
- الاستثناء اللبناني
و أختتم تصريحاته بأنه في الوقت الراهن، يُستبعد أن يدخل حزب الله اللبناني على خط الرد، نظرًا لانخراطه الكثيف في التصعيد المستمر مع إسرائيل على الحدود الشمالية، وعدم رغبته في فتح جبهة إضافية مع واشنطن.
استهداف منشأة فوردو ذات الطابع النووي والتحت أرضي… كيف تم اختراق هذا المستوى من التحصين؟ هل هو تطور في أدوات الردع أم نجاح استخباراتي مشترك؟
من جهته فقد أكد الخبير في العلاقات الدولية الدكتور هاني الجمل في تصريحات خاصك لنافذة الشرق أن منشأة فوردو هي نقطة حصينة جيولوجياً أو تكنيكياً أو سيبرانياً، وهو ماجعل تدميرها يحتاج إلى أسلحة بعينها كطائرات الB2 والقنابل الثقيلة من طراز GB2-57 والتي يمكن القول أن الولايات المتحدة وحدها هي من تمتلكها من بين كافة دول العالم.
هل تمثل هذه الضربة بداية لمواجهة إقليمية أوسع، أم أنها ضربة موضعية هدفها تقويض المشروع النووي الإيراني فقط؟
و أشار إلى أن ترسيبات اليورانيوم التي حدثت بمنشأة فوردو قبل ثلاثة أيام من توجيه الضربة الأمريكية تشير إلى وجود رغبة دولية إلى ضرب برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني نظراً للنتائج السلبية التي قد تترتب على أي إنفجارات نووية والتي قد تؤثر على الشرق الأوسط بأكمله، والذي قد يمتد بفعل الأحوال الجوية إلى منطقة البلقان ومشارف أوروبا مضيفاً أن الضربة الأمريكية هي ضربة رمزية الهدف منها هو إفقاد البرنامج النووي الإيراني قوته .
ما طبيعة الرد الإيراني المتوقعة من الناحية التكتيكية؟ وهل تمتلك طهران القدرة على التصعيد دون فتح مواجهة شاملة؟
كما أكد على أن الرد الإيراني قد يأتي وفقاً لعدة صور من بين أبرزها إستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة و القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج.
الرد الأخر وهو ما أتخذت بشأنه قراراً فعلياً بإغلاق مضيق هرمز، وتصدير الأزمة لدول العالم وهو مايجبر الترويكا الأوروبية على تحويل موقفها و دول العالم التي لم تدين حتى الآن الضربات الأمريكية.
فيما قد تلجأ إيران للرد بشكل مباشر عبر إستخدام الأسلحة النووية أو الباليستية وهو ما لن يجد صدى مباشر الآن، إذ أن الأماكن التي قد تستهدفها تلك الصواريخ هي داخل إسرائيل مشيراً إلا أن الصراع الإيراني الإسرائيلي قائماً ولا يحتاج إلا هذا التغير النوعي لافتاً إلى أن دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة هو مايحدث نقلة نوعية وتغيير تكتيكى في آليات الحرب .
في حال توسع نطاق الضربات، ما مدى استعداد الولايات المتحدة للانخراط العسكري في ظل التزاماتها الدولية؟
و أوضح أن الولايات المتحدة لن توسع من رقعة إنخراطها في الحرب على إيران منوهاً أن تلك الضربة التي فاجئت الولايات المتحدة بها إيران إنما جاءت للحفاظ على الهيبة الأمريكية والرد على محاولات إيران بأن تتوقف الهجمات العسكرية الإسرائيلية قبيل و أثناء عقد المفاوضات وهو ما ترجمتها الإدارة الأمريكية على إنه تعنت و تحدي، وعليه فإن الولايات المتحدة لن توسع من إنخراطها إلا في حال مساس الرد الإيراني على ضرباتها بالهيبة الأمريكية.
وهكذا، تبدو الضربات الأمريكية على منشآت إيران النووية بمثابة اختبار حاسم لمعادلة الردع في المنطقة. فهي رسالة واضحة بأن “الخطوط الحمراء” الأميركية لا تُترك معلقة، وفي الوقت نفسه، هي محاولة دقيقة لكبح التصعيد دون إشعال حرب شاملة. طهران، من جانبها، تجد نفسها أمام معادلة معقدة: ضرورة الرد لحفظ ماء الوجه، دون المخاطرة بإشعال الداخل أو خسارة الخارج.
وما بين وكلاء ينتظرون الإشارة، وحلفاء يراقبون بصمت، تبقى المنطقة في حالة ترقّب فالصاروخ القادم، إن أُطلق، قد لا يُصوَّب فقط إلى منشأة نووية، بل إلى قلب التوازنات الدولية بأسرها.
يذكر أن منشأة فردو لتخصيب اليورانيوم هي منشأة إيرانية نووية تحت الأرض تعمل على تخصيب اليورانيوم، تقع المنشأة على بعد 20 كم جنوب مدينة قم بالقرب من قرية فردو في موقع كان سابقًا قاعدة للحرس الثوري الإيراني وهي ثاني المنشآت الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، بعد منشأة نطنز.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.