الدكتور عطية لاشين يحسم الجدل : هل يجوز رد القرض بزيادة عن قدره للمقرض؟

20

كتبت بسنت السيد خاص
من منا لم يمر بضائقة مالية في حياته فاقترض من أحد أقاربه أو أصدقائه مبلغا من المال على أن يرده وقتما تيسر له ذلك أو بحسب الموعد المتفق عليه مع المقرض .
ويتساءل الكثير من الناس هل يجوز إذا أقرضت شخصا مثلا 5000 جنية أن يرد القرض 6000 مبرراً الزيادة بانخفاض القوة الشرائية للنقود ؟
يجيب عن هذا التساؤل فضيلة الشيخ الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف حيث يقول في حديثه لموقع نافذة الشرق:”الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل في القرآن الكريم :”من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون”
وتابع وبعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم روت عنه كتب السنة قول رسول الله:”أن من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة”
وأضاف ، وبخصوص واقعة السؤال نقول :قبل الإجابة عن هذا السؤال نهمس في أذن الذين يستحلون ،ويستبيحون أموال الناس عن طريق الاقتراض ،فنقول لهم :”إن الدين هم بالليل ،وذل بالنهار ،وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم منه فكان يقول يوميا في أذكار صباحه ومسائه ( أعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال )
وأشار الدكتور عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أداء صلواته الخمس المكتوبات يستعيذ بالله من الدين عقب فراغه من قراءة التشهد الأخير وقبل السلام كان يقول :(٠٠٠٠ وأعؤذ بك من المأثم والمغرم )٠
وأشار أستاذ الفقه المقارن في وصف الذين يستدينون يقول القرآن الكريم :(أو مسكينا ذا متربة ) أي التصق جسمه بالتراب من شدة الجوع .
ثلاثة أقوال في رد القرض للمقرض
ويستعرض الدكتور عطية لاشين عضو لجنة الفتوى ثلاثة أقوال لأهل العلم من الفقهاء حيث يقول فضيلته : “وجد في الجواب عن هذا السؤال ثلاثة أقوال لأهل العلم
القول الأول رأي الجمهور :الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب عندهم ذهب هؤلاء إلى وجوب رد القرض بمثله دون زيادة أو نقصان حتى وإن تغيرت قيمة النقود بالانخفاض بمرور الزمان وفقا لرأى الراجع في فقه الأحناف المبسوط وعند المالكية مواهب الجليل للحطاب وعند الشافعية البيان للعمراني و المجموع للنووي وعند الحنابلة المغني لابن قدامة
وأدلة الجمهور واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بالسنة والقياس
أولا السنة
روى الشيخان البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يد ا بيد “٠
وأوضح لاشين أن وجه الدلالة من الحديث الشريف على رد القرض بمثلهحيث يقول :” دل الحديث دلالة صريحة على أن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر ولا عبرة في التفاوت بالقيمة ما دامت الأموال يجري فيها الربا وعلى ضوء ماتقدم فإذا كان المقترض اقترض 5000 مثلا كما جاء في السؤال وعند الرد طلب منه أن يردها 6000 فاالملتزم بالسداد الذي هو المقترض زاد والملتزم له (هو المقرض) استزاد وهذا ما حذر منه سيدنا محمد رسول الله حينما قال :(فمن زاد أو استزاد فقد أربى)٠
الدليل الثاني القياس
ويستكمل فضيلة الشيخ عطية لاشين دلائل تجريم رد القرض بزيادة عن أصله وهو القياس على عقد السلم أي قياس تغير قيمة النقود للرخص قبل القبض على رخص السلعة في السلم قبل تسليمها إلى المسلم الذي هو المشتري فلو رخصت السلعة في السلم قبل تسليمها إلى المشتري ليس له غيرها أي ليس له أن يعوض هذا النقص عن طريق طلب الاستزادة في مقدار السلعة فكذلك عند تغير قيمة النقود ليس للمقرض إلا ما دفع.
القول الثاني
يرى أن ترد النقود بقيمتها من الذهب عند تغير قيمة النقود رخصا أو غلاء وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف في قوله الأخير والحنابلة في رواية
القول الثالث
يجب رد النقود بقيمتها من الذهب عند تغير قيمة النقود تغيرا فاحشا فقط فإذا كان تغيرا يسيرا فترد بمثلها وهذا ما ذهب إليه الرهوني من المالكية ٠
الرأى الراجح
ويقول الدكتور عطية في حديثه للموقع:”نرى أن رأي الجمهور القائل برد القرض بمثله عددا هو الراجح
وعن أسباب ترجيح ر د القرض بمثله للأسباب الآتية
أولا: إنه رأي الجمهور ولا يمكن تجاوزه أو العدول عنه إلى آراء فردية لأن الحق في جانب الجماعة أولى من كونه في جانب فرد.
ثانيا:إن القول برد القيمة فيه شبهة ربا ويجب البعد عن ذلك لقول سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم :(فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )٠
ثالثاً : القياس على عدم التسعير الذي طلب منه صلى الله عليه وسلم فقال :”إن الله هو المسعر القابض الباسط “
رابعا: أن يرضى الدائن في المقابل العكسي أي حينما ترتفع القوى الشرائية للنقود أن يرد المقرض بالقيمة أو أنه يصر على طلب المثل لا شك أنه يتصلب عند طلب الرد بالمثل
خامساً : إن عقد القرض ليس عقد استرباح أو مشاركة أو استثمار بل هو عقد إرفاق يرجى منه ثواب الله وعوض الله لأن المقرض لا يقرض عبدا مثله بل يقرض الله عز وجل قال ربنا سبحانه :”إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم “
واختتم أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف حديثه للموقع قائلا:”إن حال المدين لا يخلومن واحد من أمرين:
الأمر الأول
أن يكون عدم أدائه للدين أنه في عسرة ولقد أوجد القرآن الكريم حلا لهذه الحالة حيث قال ربنا في القرآن :”وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” . بدون فوائد تأخير ” وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ” أي بالعفو عن الدين وإبراء المدين منه ،وهبته له ،وليس بمطالبته برده زيادة عما أخذ٠
الأمر الثاني
إن كان سبب عدم أدائه الدين استمراءه أكل أموال الناس والجحود والمماطلة في الوقت الذي عنده الملاءة والقدرة على رد الدين ،فقد أوجدت السنة النبوية حلا لهذا الأمر فروت كتب السنة عنه صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم ) فاعتبر حينئذ ظالما ،والظالم في حاجة إلى من يردعه ،ويوقف ظلمه ٠
ولكن يوقف ظلمه ؟وبماذا ؟
ويجيب الشيخ عطية قائلا:”بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته )
أي يرفع أمره للقضاء ليتثبت القضاء من جحده وملاءته ،وحينئذ عزره القاضي بما يراه رادعا وله تعزيره عن طريق المال ،فيحكم عليه برد الدين وزيادة عليه بما يقدره القاضي، وليس يما يطلبه الدائن
ويمكن توظيف خلاف العلماء الوارد في هذه المسألة لمن يثبت بيقين أنه يقترض أموال الناس لللضرورة ولا لحاجة إليها ،ولكن ليدخل بها مشروعات استثمارية فحينئذ يحكم عليه أن يجعل لصاحب الدين فضلا عن رد رأس مال القرض يحكم عليه بأن يرد معه قدرا من الربح الذي حصل عليه٠
لكن تبقى القاعدة العامة أن الدين يرد بمثله عددا وليس قيمة٠

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.